عناصر الخطبة
من حقوق الزوجة على زوجها
اهداف الخطبة

اقتباس

وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ أَنْ لا تَتَطَلَّبَ غِرَّتَهَا وَلا تُخَادِعْهَا وَتَتَجَسَّسَ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَرَدْتَ دُخُولَ الْبَيْتِ فَاطْرُقِ الْبَابَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالسَّلَامِ مِنْ بَعِيدٍ، وَإِذَا قَدِمْتَ مِنْ سَفَرٍ فَأَشْعِرْهُمْ بِوَقْتِ قُدُومِكَ؛ فَالزَّوْجَةُ فِي بَيْتِهَا قَدْ تَكُونَ فِي حَالٍ لا تُحُبُّ أَنْ يَرَاهَا زَوْجُهَا فِيهِ، فَإِذَا أَخْبَرْتَهَا بِقُدُومِكَ وَأَشْعَرْتَهَا بِدُخُولِكَ اسْتَعَدَّتْ لَكَ ..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءَ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَبَاً وَصِهْرَاً، وَجَعَلَ فِي الْعِلَاقَةَ الزَّوْجِيَّةِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً وَبِرَّاً، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ التِي تَتْرَى, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْعَالِمُ بِمَا فِي الصُّدُورِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْهادِي إَلَى خَيْرِ الأُمُورِ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ النُّشُور.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا النَّاسُ-، وَأَدُّوا مَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ مِنْ حُقُوقٍ، وَاحْتَسِبُوا فِي ذَلِكَ الْأَجْرَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَوَامِرَ اللهِ فِيهَا صَلاحُ دِينِنَا وَدُنْيَانَا.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنَ الْحُقُوقِ التِي أَوْجَبَ اللهُ عَلَى الرَّجُلِ حَقَّ الزَّوْجَةِ، التِي هِيَ حَاضِنَةُ أَوْلَادِهِ وَرَاعِيَةُ بَيْتِهِ وَحَافِظَةُ سِرِّهِ، وَمَحَلُّ رَغْبَتِهِ وَقَضَاءِ شَهْوَتِهِ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ اسْتِقْرَارِ الْبَيْتِ وَصَلَاحِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ -بِإِذْنِ اللهِ- اسْتِقَامَةَ الْحَالِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ.

 

أَيُّهَا الرِّجَالُ: إِنَّ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا: أَنْ يُظْهِرَ لَهَا الْمَوَدَّةَ وَالْمُلَاطَفَةَ وَالرَّغْبَةَ فِيهَا، فَدَعْهَا تَسْمَعُ مِنْكَ كَلِمَاتِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ، وَاجْعَلْهَا تَفْرَحُ بِمَقْدَمِكَ حِينَ تَدْخُلُ الْبَيْتِ, فَتُسَلِّمَ إِذَا دَخَلْتَ وَتَسْأَلَ عَنْ أَحْوَالِ الْبَيْتِ وَعَنِ الْأَوْلَادِ, وَإِذَا رَأَيْتَ الْبَيْتَ نَظِيفَاً فَأَثْنِ عَلَيْهَا, وَإِذَا شَمَمْتَ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ فَأَشْعِرْهَا بِغِبْطَتِكَ وَسُرُورِكَ.

 

وَإِنَّ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ أَنْ تَتَغَاضَى عَنْ تَقْصِيرِهَا وَنَقْصِهَا؛ فَمَنِ الذِي لا عَيْبِ فِيهِ, وَأَيْنِ الْخَالِي مِنَ الْهَفَوَاتِ، فَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الرَّجُلِ الْكَرِيمِ وَلا الزَّوْجِ النَّبِيلِ أَنْ يُدَقِّقَ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَلا يُحَاسِبُ عَلَى كُلِّ هَفْوَةٍ، فَالتَّغَاضِي مِنْ شِيمِ الْكِرَامِ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْحِكْمَةِ فِي التَّغَافُلِ".

 

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

 

لَيْسَ الْغَبِيُّ بِسَيِّدٍ فِي قَوْمِهِ ** لَكِنَّ سيِّدَ قَوْمِهِ الْمُتَغَابِي

 

وَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِهَذَا الْخُلُقِ الْجَمِيلِ مِنْكَ أَهْلُ بَيْتِكَ وَخَاصَّةً زَوْجَتُكَ، وَمِنَ الْمُحْزِنِ الْمُضْحِكِ أَنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدُ عُودَ كِبْرِيتٍ فِي مَجْلِسِ الرِّجِالِ فَعَاتَبَهَا حَتَى آلَ الْأَمْرُ بِهِمَا إِلَى طَلاقِهَا.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ إِذَا تَزَوَّجَهَا أَنْ يَقْبَلَهَا كَمَا هِيَ، وَيْصِبَر عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ لَمْ يُحْبَّهَا، مَعَ السَّعْيِ فِي تَكْمِيلِ نَقْصِهَا وَإِصْلَاحِ خَلَلِهَا، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَ-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19].

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الرِّجَالُ -وَأَخَصُّ الشَّبَابَ بِالْكَلَامِ- أَنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا امْرَأَةً كَامِلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ فَكُلُّ امْرَأَةٍ فِيهَا نَقْصٌ، وَكُلُّ بَنَاتِ آدِمَ فِيهِنَّ عُيُوبٌ، فَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ، وَلا تَقْصِمْ ظَهْرَ زَوْجَتِكَ بِالطَّلَاقِ، وَلا تُزْعِجْ أَصْهَارَكَ بِمُفَارَقَةِ بِنْتِهِمْ، وَلا تُحَمِّلْ نَفْسَكَ الْخَسَارَاتِ بِالْمَهْرِ الذِي دَفَعْتَ، ثُمَّ تَذْهَبُ تَبْحَثُ عَنْ أُخْرَى وَلَنْ تَجِدَهَا خَالِيَةً مِنَ الْعُيُوبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ: وَإِنَّ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ: أَنْ تَكُونَ لَهَا كَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ، فَكَمَا تُحِبُّ أَنْ تَجِدَهَا فِي الْبَيْتِ فَأَعْطِ زَوْجَتَكَ وَأْوَلادَكَ حَظَّهُمْ مِنَ الْبَقَاءِ مَعَهُمْ وَالْجُلُوسِ بِجَانِبِهِمْ؛ فَلَيْسَ مِنَ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ لا يَجِدَكَ أَهْلُكَ إِلَّا وَقْتَ الْوَجَبَاتِ، أَوْ عِنْدَ النَّوْمِ, بَلْ إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُكْثِرُ تَنَاوُلَ الطَّعَامِ مَعَ غَيْرِ أَهْلِهِ مِنْ أَصْدِقَاءَ وَجُلَسَاءَ وَزُمَلَاءَ عَمَلٍ، وَمِنَ الْأَزْوَاجِ مِنْ يَبِيتُ بِكَثْرَةٍ خَارِجَ الْبَيْتِ وَيُكْثِرَ السَّفَرِيَّاتِ وَالطَّلَعَاتِ الْبَرِيَّةِ, وَلا يُعْطِى زَوْجَتَهُ وَلا أَوْلَادَهُ حَظَّهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا تَقْصِيرٌ كَبِيرٌ.

 

إِنَّ الزَّوْجَةَ تُحُبُّ أَنَّ تَأْكُلَ مَعَ زَوْجِهَا، وَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهُ بِكَثْرَةٍ فِي الْبَيْتِ, وَتَرْغَبُ أَنْ يَأْخُذَهَا هِيَ وَأَوْلَادَهَا لِلنُّزْهَةِ وَالْفُرْجَةِ.

 

نَعَمْ، إِنَّنَا لا نَقُولُ يَكُونُ الزَّوْجُ فِي الْبَيْتِ، وَلا يَخْرُجُ، وَلا يَصْحَبُ أَصْدِقَاءَهُ وَرِفَاقَهُ، لَكِنَّنَا نَقُولُ: اجْعَلْ لِأَهْلِكَ مِنْ نَفْسِكَ نَصِيبَاً وَأَعْطِهِمْ مِنْ وَقْتِكَ جُزْءَاً، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ الله عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

 

أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ الْكِرَامُ: وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ التَّزَيُّنُ لَهَا عِنْدَ اللِّقَاءِ وَخَاصَّةً عِنْدَ الْمُعَاشَرَةِ، وَقَدْ ثَبَتَتِ السَّنَةِ بِذَلِكَ، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ الله عَنْهَا- أَنَّهَا سُئِلَتْ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمِنْ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ: لِئَلَّا يَجِدَ أَهْلُهُ مِنْهُ الرَّائِحَةَ السَّيِّئَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا-: "إِنِّي لِأَتَزَيَّنُ لامْرَأَتِي كَمَا تَتَزَيَّنُ لِي".

 

فَيَنْبَغِي لِلزَّوْجِ أَنْ يَهْتَمَّ بِنَظَافَةِ فَمِه وَنَظَافَةِ بِدَنِهِ وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ مِنْهُ وَالتَّطَيَّبِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ, وَأَنْ يُرَتِّبَ نَفْسَهَ وَيُهَيِّئَه؛ لِيَكُونَ حَسَنَاً فِي عَيْنِ زَوْجِتِهِ، كَمَا أَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَجِدَ مِنْهَا التَّجَمُّلَ وَالرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ.

 

وَلَيْسَ مِنَ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَرَائِحَةُ الْعَرَقِ تَفُوحُ مِنْ بَدَنِهِ، وَلا أَنْ يَقْتَرَبِ مِنْهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا وَالرَّائِحَةُ الْكْرِيهَةُ تَنْبَعِثُ مِنْ فَمِهِ، وَلا يَجْلِسُ إِلَيْهَا وَثِيَابُهُ مُتَّسِخَةً.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْكَرِيمِ أَنْ يَحْتَرِمَ أَهْلَهَا مِنْ أُمِّهَا وَأَبِيهَا وَبَاقِي عَائِلَتِهَا وَأَقَارِبِهَا؛ فَالْكِرَامُ كَانُوا وَلا زَالُوا يُظْهِرُونَ الْمَوَدَّةَ لِأَصْهَارِهِمْ وَيُكْرِمُونُهَمْ لِمُنَاسَبَةٍ وَغَيْرِ مُنَاسَبَةٍ، وَلا يَنْبَغِي أَنْ تَسْمَعَ مِنْكَ شَرِيكَةُ حَيَاتِكَ وَأُمُّ أَوْلَادِكَ الْكَلِمَاتِ النَّابِيَةَ فِي أَهْلِهَا، وَلا أَنْ تَعِيبَ فِيهِمْ وَلَوْ كَانُوا كَذَلِكَ، بَلْ لِتَسْمَعْ مِنْكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ، وَاجْعَلْهَا تَرَى مِنْكَ التَّغَاضِي عَنْ عُيُوبِهِمْ؛ فَمَا أَسْوَأَ أَنْ يُعَيِّرَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ بِأَخِيهَا صَاحِبِ الْمُخَدِّرَاتِ أَوْ بِأَبِيهَا الْمَسْجُونِ مِنَ الْمُسْكِرَاتِ!

 

أَيُّهَا الْكِرَامُ: وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ أَنْ لا تَتَطَلَّبَ غِرَّتَهَا وَلا تُخَادِعْهَا وَتَتَجَسَّسَ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَرَدْتَ دُخُولَ الْبَيْتِ فَاطْرُقِ الْبَابَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالسَّلَامِ مِنْ بَعِيدٍ، وَإِذَا قَدِمْتَ مِنْ سَفَرٍ فَأَشْعِرْهُمْ بِوَقْتِ قُدُومِكَ؛ فَالزَّوْجَةُ فِي بَيْتِهَا قَدْ تَكُونَ فِي حَالٍ لا تُحُبُّ أَنْ يَرَاهَا زَوْجُهَا فِيهِ، فَإِذَا أَخْبَرْتَهَا بِقُدُومِكَ وَأَشْعَرْتَهَا بِدُخُولِكَ اسْتَعَدَّتْ لَكَ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ, فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ, ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ. فَقَالَ: "أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا" يَعْنِي: عِشَاءً "لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ, وَتَسْتَحِدَّ الْمَغِيبَةُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ "إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ, فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا".

 

وَمِنْ ذَلِكَ أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ: أَنَّ الزَّوْجَ لا يُفَتِّشُ حَاجِيَّاتِ زَوْجَتِهِ الْخَاصَّةِ؛ كَالْجَوَّالِ أَوْ الشَّنْطَةِ الْخَاصَّةِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَالذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ رُبَّمَا يُعَاقِبُهُ اللهُ فَيَرَى مَا لا يَسَرُّهُ وَيَجِدُ مَا لا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ.

 

نَعَمْ لَوْ أَنَّ هُنَاكَ قَرَائِنَ وَاضِحَةً فَلَا بَأْسَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَكَّدُ وَيَتَثَبَّتُ, وَأَمَّا أَنْ يَتَجَسَّسَ مِنْ بَابِ الاحْتِيَاطِ -كَمَا يَقُولُونَ- فَهَذَا لا دَاعِيَ لَهُ.

 

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بُيُوتَنَا وَيَهْدِيَ زَوْجَاتِنَا وَيُسْعِدَنَا وَإِيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَأَنْ يَحْفَظَ أَعْرَاضَنَا وَأَهَالِينَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَاللهُ الْمُوَفِّقُ وَالْهَادِي وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَقُومُوا بِحُقُوقِ زَوْجَاتِكُمْ، وَأَصْلِحُوا بُيُوتَكُمْ، وَاحْتَسِبُوا جَزَاءَ ذَلِكَ عِنْدَ رَبِّكُمْ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْحُقُوقِ التِي أَوْجَبْتَهَا الشَّرِيعَةُ عَلَى الرَّجُلِ لِلزَّوْجَةِ حَقُّ النَّفَقَةِ، وَالنَّفَقَةُ تَشْمَلُ الْمَأْكَلَ وَالْمَشْرَبَ وَالْمَسْكَنَ وَاللِّبَاسِ، فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ -وُجُوبَاً- أَنْ يُنْفِقَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِحَسَبِ حَالِهِ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق:7].

 

وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا حَقُّ زَوْجِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: "تُطْعِمُهَا إِذَا أَكَلْتَ, وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ, وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ, وَلَا تُقَبِّحْ, وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وغيره وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.

 

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّكَ مَأْجُورٌ مِنَ اللهِ عَلَى مَا تُنْفِقُهُ عَلَى زَوْجَتِكَ؛ فَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

وَاعْلَمُوا أَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ غَنِيَّةً، خِلافَاً لِمَا يَظُنُّهُ الْبَعْضُ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ كَانَتْ مُوَظَّفَةً أَوْ غَنِيَّةً بِمَالِهَا أَنَّهَا لا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، هَذَا خَطَأٌ وَخِلَافَ شَرْعِ اللهِ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي زَوْجَاتِكُمْ وَقُومُوا بِحُقُوقِهِنَّ، وَارْعُوا بِذَلِكَ بُيُوتَكُمْ، وَاحْتَسِبُوا الْأَجْرَ عِنْدَ رَبِّكُمْ وَمَوْلاكُمْ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ بُيُوتَنَا وَأَصْلِحْ زَوْجَاتِنَا وَأَعِنَّا عَلَى الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِنَّ، وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا!

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ، وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا ! اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ !

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن !

 

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

 

 

المرفقات
وجعل بينكم مودة ورحمة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life