عناصر الخطبة
1/ سرور الأبوين بأولادهم 2/ بعض فضائل بر الوالدين ووجوب ذلك 3/ قصص مبكية في عقوق الوالدين 4/ شؤم عقوق الوالديناقتباس
إن بر الوالدين مع قيمته شرعاً وعرفا وحالا، هو قربه جليلة وطاعة نبيلة، تضاهي فضائل الأعمال، ومكارم الخصال. وقد تطمح النفس المؤمنة إلى إدراك فضيلة عظمى، ومكرمة كبرى، فإذا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 - 71].
أيها الإخوة الكرام: في ساعة غمرتها الأفراح والتهاني والأزهار، وُفِّق الرجل المسلم لمولود جميل صغير، عليه بهجة ونعمة ونور، فرح الأب المسلم وأمتّه التهاني والهدايا والبركات.
لقد طفح السرور على محيا الأبوين، فقاما برعاية الابن وحمايته، وإسباغ كل معاني الرحمة والشفقة والحنان عليه.
أذن الأب في أذنه اليمنى، وحنكه، وسماه، وختنه، وعق عنه.
وبعد أشهر زاد تعلق الأبوين بابنهما الحلو الصغير، وبدأ الطفل البريء، يظهر من أمارات اللعب والمرح ما زاد حب الأبوين له.
كبر الابن فعلمه أبوه ودرسه، وبذل ماله ووقته لهذا الابن! رشد الابن وعظُم، وصلب عوده فبدأ يتمرد على أبويه، بحجة الحرية والرأي وفرط الفتوة، لم يكن الأبوان يتصوران أن يتمادى طيش البن وسفاهته إلى أن يعارض أباه بغلظه، ويكلمه بفظاظة، ويخدمه بتثاقل، بل انشغل عن طاعة أبويه حتى أظهر التمرد والأعراض والعقوق.
نصح الأبوان، وذكرا وراجعا، وشدد في الكلام والمعاملة، فشد الابن عليهما وتطاول ليضربهما أو ضربهما، أو سبهما أو ظلمهما أو طردهما.
أيها الشاب اليافع: أهذا حق الأبوين؟! أهذا حق من سهر عليك، وتعبا لأجلك ربياك، ورعياك، ومن كل ما تحب، وهباك وأعطياك؟!
سبحان الله ما أشد نكران الابن، وما أغلظه وأجحده وأظلمه، لقد نسي بر الأبوين وإحسانهما وصبرهما، وإزالتهما، القذر عنه.
جزت رحمٌ بيني وبين (منازلٍ) ***جزاء كما يستنزل الدين طالبُهْ
وربيته حتى إذا ما تركته *** أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه
تغمَّط حقي ظالما ولوَى يدي *** لوى يدَه اللهُ الذي هو غالبه
أإن رعشت كفا أبيك وأصبحت *** يداك يد ليثٍ فإنك ضاربه
أيها المسلمون: إن بر الوالدين مع قيمته شرعاً وعرفا وحالا، هو قربه جليلة وطاعة نبيلة، تضاهي فضائل الأعمال، ومكارم الخصال، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" فقلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" (متفق عليه).
وقد تطمح النفس المؤمنة إلى إدراك فضيلة عظمى ومكرمة كبرى، فإذا بر الوالدين ورحمتهما تضاهي ذلك كله، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: "أقبل رجل إلى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد ابتغى الأجر من الله -تعالى-؟ قال: "فهل لك من والديك أحد حي؟" قال: نعم، بل كلاهما، قال: "فتبتغي الأجر من الله -تعالى-؟" قال: نعم، قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" (متفق عليه وهذا لفظ مسلم).
وفي المرحلة الشديدة من مراحل العمر، يهرمان، ويتعبان، ويحتاجان للرحمة والإحسان فيقبح المرء أن يدركهما في هذه المرحلة، ولا يدخل الجنة، بل إنها خسارة عظيمة وضياع كبير، روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رغم أنفُ، ثم رغم أنفُ، ثم رغم أنفُ من أردك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة".
أيها الناس: برّوا آباءكم يركم أبناؤكم، لا يوجد مخلوق أحق وأولى بحسن الصحبة والمعاشرة من الأبوين، قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أباك ثم أدناك ثم أدناك" (أخرجاه عن ابن مسعود).
يا إخوان: إنَّ حسنَ الصحبة للأبوين, يعني حبهما ورحمتهما، والعطف عليهما، وطاعتهما، وكف الأذى عنهما، والدعاء لهما، قال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ) [لقمان: 14].
رزقنا الله وإياكم حسن طاعته، ووفقنا للبر والرحمة، واستغفروه إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى, وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد أسال الدمع، وفتت الأكباد، ما سمعناه وذكر لنا من قصص العاقين وأخبارهم فذاك علق -قبحه الله- قتل أباه، وآخر رقيع ضربه وآذاه، وآخر لئيم أهانه وظلمه، وطرده من البيت.
لم تكن النفوس الطاهرة والعقول السليمة تصدق أن يحصل مثل ذلك من هؤلاء العاقين تجاه آبائهم!
فلقد انعدمت عند هؤلاء القساة كل معاني الرحمة، والحنو والشهامة!
إن مقتضى العقل والعدل والفطرة رعاية الأبوين، وحبهما والإحسان إليهما، فكيف وشرعنا العظيم عظَّم حقهما وأمر به، وجعل أي تعدٍ تعديه عليهما، وعقوقهما كبيرة من أكبر الكبائر والذنوب، أخرج الشيخان -رحمهما الله- من حديث أبي بكرة -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله, وعقوق الوالدين...".
أيها العاق الخاسر: إن الأبوين الكريمين كانا سبب وجودك بعد الله –تعالى-، لقد فرحا بك ورحماك، وقبلاك وأطعماك، فرحا لفرحك، وحزنا لحزنك، ومرضا لمرضك، فواعجباً منك، لقد جحدت ذلك كله، فإذا كنت لم تحفظ لهم حق البر والصلة، فاحفظ لهم حق الجوار والمعاشرة، وإن كنت لم تحفظ حق الجوار والمعاشرة، فاحفظ لهم حق الإسلام، أخزاك الله من ابن عاق أدنى الغرباء، وعق الأمهات والآباء؟!
غذوتك مولودا وعلتك يافعا *** تُعل بما أجني إليك وتنهلُ
إذا ليلةَ نابتك بالشكوى لم أبت *** لشكواك إلا ساهراً أتململُ
كأني أنا المطرود دونك بالذي *** طُرقت به دوني فعيني تهملُ
تخاف الردى نفسي عليك وإنني *** لأعلم أن الموت حتم مؤجل
فلما بلغت السنَ والغاية التي *** إليها مدى ما كنت فيك أُؤمل
جعلت جزائي غلظةً وفظاظةً *** كأنك أنت المنعمُ المتفضلُ
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي *** فعلتَ كما الجار المجاور يفعل
في هذا الأسبوع نشرت بعض الصحف قصة عاق جبار طرد أباه من منزله ليلاً وطرح منامه وطعامه، وجميع أشيائه في العراء، وبات الشيخ المسكين منزويا في الطرقات إلى بروق الفجر، ثم آوى إلى أحد المساجد وأنجده بعض أهل الخير والمعروف -والله المستعان-.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات ،وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك.
اللهم وفقنا للخيرات، وجنبنا الغفلة والحسرات.
التعليقات