عناصر الخطبة
1/ مآسي المسلمين في فلسطين 2/ الحقيقة الربانية في العلاقة مع الكافرين 3/ سمات اليهود وعداوتهم للمسلمين 4/ مواقف اليهود المخزية عبر التاريخ 5/ أبرز المعالم التي جاءت في القرآن عن اليهود 6/ العمليات الاستشهادية وأثرها في المقاومة 7/ مأساة فلسطين ووحدة العدو 8/ كيف نواجه اليهود؟ 9/ الفلسطينيون أمة مجاهدة يعيشون كربات ثلاثاهداف الخطبة
اقتباس
قبل أن نُسقط أمريكا وإسرائيل بالمسيرات والشعارات فلنسقط عصب حياتها وهو الاقتصاد، ولكي تظهر جديتنا في نصرة إخواننا، فإن أعظم ما يقهر الأعداء ويفتّ من عزمهم هو سلاح المقاطعة، فلنتواصى من هذه اللحظة على مقاطعة أي منتج يهودي أو أمريكي تنتجه شركات أمريكية أو تملك أصوله نريد مقاطعة جادة لا تقطعها شهوات نفس أو ضغط زوجة وأولاد، نريد مقاطعة جادة تنبعث من عقيد الولاء والبراء، ويحركها الشعور بآلام وآمال المسلمين. ماذا لو ضحينا بشهواتنا وتسامينا على ملذاتنا فاستغنينا عن منتجات الأعداء ولو لمدة مؤقتة ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمين، وكونوا مع الصادقين.
دم المصلين في المحراب ينهمر *** والمستغيثون لا رجع ولا أثر
والقدس في قيدها حسناء قد سُلبت *** عيونها في عذاب الصمت تنتظر
سلوا الملايين من أبناء أمتنا *** كم ذُبحوا وبأيدي خائنٍ نُحروا
سلوا حماة سلوا لبنان ما برحت *** دماؤنا في ثراها بعدُ تستعر
بأي المشاعر أتحدث، وبأي لسان نعبّر، فالحدث أكبر من الحديث، والمشاهد أبلغ في التعبير، واللسان يعجز عن وصف الموقف، والكلمات تتعثر في الحديث عن الحال والقلم ينقلب خاسئًا وهو حسير.
كَلَّ اللسانُ واستعجم البيان أمام مناظر تذهل فيها المرضعة، ويفقد فيها الحليم صوابه، مناظر تليّن الحديد من هولها، وتُذيب القلوب من فظاعتها، مشاهد تعجز عن وصفها الكلمات، وفيها تسبق العبرات العبارات، جلست أتخيل وأتوهم تخيلت نفسي في بيت من الحجارة متواضع، وحولي أولاد لي صغار في جزء من الأرض سموه مجازًا بالوطن..
ومن حولي بيوت وجيران حالهم كحالي نعيش كفافًا، ونفتقد أدنى وسائل الحياة الكريمة يتهددنا العدو كل حين، تخيلت نفسي في ليلة باردة وحولي صغار؛ إذ أقبلت طائرات العدو بأزيزها ودبابات العدو برعودها، فرأيت صغاري يتساقطون في حجري فزعًا يبكون، وما هي إلا لحظات حتى سقطت قذيفة على بيتنا الصغير، فأحالته خرابًا، وأحالت الحياة إلى أحزان وكدر، صغيري يئن تحت الأنقاض، وينادي يا أبت يا أبت، وأنا لا أملك له حولاً وقولاً، أراه أمامي يموت ولا أملك له شيئًا، خفت الصوت وانقطع لقد مات صغيري أمام ناظريّ تخيلت صغيري الآخر وهو يئن من الجراح والحروق أحمله بين يديّ ولا أدري ما أفعل؛ فالعدو لا يسمح بإسعاف الجرحى.
تخيلت أني دخلت يومًا إلى بيتي فوجدت أبي مقتولاً وأمي قد ذُبحت كما تُذبح النعاج، تخيلت أن ابني طلب مني شربة ماء فلم أجد، فاضطررت أن أسقيه من مياه المجاري، تخيلت بيوت جيراني وقد استحالت إلى أنقاض قد هُدمت عليهم بقذائف الأعداء، تخيلت مسجدنا الذي كان يجمعنا ويوحدنا فرأيته خرابًا يبابًا تخيلت شباب قريتي يجمعون في ساحة ويعدمون أمام أهليهم وذويهم، تخيلت صغار قريتي قد حُرموا حنان الطفولة، وفقدوا متعتها لا يعرفون للبسمة طريقًا ولا للفرحة عنوانًا خرجوا إلى الحياة وهم يستيقظون وينامون على الرعب وصور الإذلال، تخيلت كل هذا ومثله معه فقلت: إن هذا محض خيال ووساوس شيطان، ولا يحدث في زمن الحضارات وعصر الدعوة إلى تقارب الأديان، وفي زحمة الخيالات أرى ما هو أشد منها وأفظع يحدث على أرض الرسالات ومسرى خير البريات، إن هذه الخيالات أيها المسلمون هي واقع يمارس على إخوانكم المسلمين في فلسطين، هناك في فلسطين؛ حيث أولى القبلتين وثالث المسجدين هناك في فلسطين؛ حيث يُهان المسلمون، ويستضعف البائسون في فلسطين.
أيها المسلمون: تحدث هذه الأيام صور من التقتيل والإذلال للمسلمين على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
في فلسطين مآسٍ لو تأملهن *** طفل لطفل في عوارضه المشيب
أحل الكفر بالإسلام ضيمًا *** يطول عليه للدين النحيب
فحق ضائع وحمى مباح *** وسيف قاطع ودم صبيب
وكم من مسلم أمسى سليبًا *** ومسلمة لها حرم سليب
إنه لا يكاد يمر يوم إلا ويتخضب ثرى فلسطين بدماء الأطهار المجاهدين، الذين هبوا يقاومون اليهود ويذودون عن الحمى، وفي كل يوم تغرب فيه الشمس تضاف إلى قائمة الأيتام أسماء جديدة، ويعظم المصاب ويستفحل الخطب وتتعالى صرخات الاستغاثة.
من ذا سينشد لليتيم نشيده *** فلقد بدا فوق الوجوه قتام
من للأرامل يشتكين *** لحاجة وتكاد تحرق قلبها الأيتام
يا مسلمون: إن ما يحدث في فلسطين المباركة هذه الأيام؛ حيث المجازر الجماعية، وحيث تُدَك البيوت على أهلها، وحيث صور القهر والإذلال، وحيث تهدم البيوت وتخرب المساجد، وحيث القتلى بالمئات بل بالآلاف والجرحى بالآلاف، وحيث ينزف المصابون ولا منقذ لهم، ويصيح الأطفال ولا راحم لهم، وتئن الثكالى ولا سامع لهن، ويبكي اليتامى ولا مغيث لهم، إن ما يحدث في فلسطين يظهر الحقيقة الربانية: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا).
إنهم اليهود (الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) إنهم اليهود أخذة الربا، وأكلة أموال الناس بالباطل، إنهم اليهود الناقضون للعهود المخلفون للوعود المحرفون للكلم عن مواضعه، إنهم اليهود السماعون للكذب الأكالون للسحت الملعونون على ألسنة أنبياء الله ورسله، إنهم اليهود الذين يسعون في الأرض فسادًا ولهم مع دين الإسلام ونبيه مواقف مخزية لا تنسى، إنها طبائع الملعونين من أسلافهم قسوةً في القلوب وشَرَه في النفوس، وأكل سحت وفساد معتقد، وبغي في الأرض، وتطاول على الخلق ورب الخلق.
إن من أبرز المعالم التي جاءت في القرآن عن اليهود: عداوتهم للإنسانية عامة وللمؤمنين خاصة: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ).
وعداوة اليهود هذه مبكرة تشهد بخِسَّتها القرون الغادرة، وتؤكدها القرون اللاحقة، ويستمر العداء ويؤكد الخَلَف ما بدأه السلف، فليست عداوتهم تاريخًا مضى وانتهى، وإنما عقيدة يلقّنها الآباء للأبناء، أولم يقل أحد زعمائهم: "أنتم أيها الإسرائيليون يجب ألا تشعروا بالشفقة حتى تقضوا على عدوكم فلا عطف ولا رثاء حتى تنتهوا من إبادة ما يسمى بالحضارة الإسلامية التي سنبني على أنقضاها حضارتنا".
لقد أكدت الأحداث وأثبتت الوقائع أنهم لا ينصاعون لمساومات، ولا يصدقون في محادثات، الخيانة خُلقهم، والكذب مطيتهم، والدسائس مسلكهم، إنهم اليهود! اقرؤوا القرآن يا قومي لِمَ لا تقرءونه؟! كم نبي وتقي دون حق يقتلونه! كم عهود خفروها! واتفاق يهدرونه! لو هدمت لهم الأقصى ودمرتم حصونه وبنيت لهم الهيكل أو ما يطلبونه، ثم أهديتم فلسطين لهم دون مئونة طالبوكم عبر أمريكا وأوروبا بإبداء المرونة. هكذا القصة لا سلم ولا صلح يرتضونه إنما الحل الجهاد، لا سلام يرعونه! إنهم اليهود فسلوا رحاب القدس تتلوا من مجازرهم سنين صبرا وشاتيلا، وفي دير ياسين قد حصدوا سنين حقدًا، وجاسوا في الديار مخربين، وشرّدوا الآلاف قصرًا لاجئين كم من عجوز عاجز لم يرحموه! كم من رضيع يتّموه! إن لم يكونوا مزّقوه! كم من صغير من بقايا حقدهم قد عوقوه! كم مسجد قد هدموه ومصحف قد حرقوه سفكوا الدماء! ومثلوا بالأبرياء! وأتوا وفي أيدهم تلك الدماء قد يغصب الجزار بعد الذبح ساحات الفدا أتراهم بعد المذابح يصلحون ويقسمون بأنهم هم منصفون؟! القوم بعد الذبح يتنازلون، فإلى الإله المشتكى إنا إليه لراجعون..
يا مسلمون: ماذا يقول المرء المسلم في هذا العصر الذي تكالبت فيه الأمم على أهل الإسلام من كل حدب وصوب؟! ماذا يكون موقف الصادق وهو يعيش أيامنا هذه وما فيها من أسى وحرقة، وما فيها من ابتلاء وفتنة، وما فيها من انقلاب في المفاهيم، ومن مطالبة بتصديق الكاذب، وإنكار الحقائق؟! ماذا نقول جميعًا تجاه ما نسمع ونرى ونشهد من أحداث الأيام ووقائع الليالي، انظر جسد فتى وفتاة ضاقت بهم الأرض، وأغلقت في وجوههم سبل العزة والكرامة، وتوقفت عقارب الإدراك عندهم وتحرك دافع الإيمان لديهم، وانطلقوا وهم يرون أنه لن يُخرِج الأمة مما هي فيه من الأسى والهوان والخور والذل إلا أن تجعل أجسادها قذائف تصلى بها طغيان الظالم وجور المتعجرف، عندما انتهك العرض وقتل الأب والأخ، وسلب المال وهدم البيت ويَتَّم الأولاد، رأى أولئك أن الوقت قد حان لتفجير بقايا الجسد لتكون وقودًا لعزة الأمة وبارودًا لجهادها، فكانت تلكم العمليات الاستشهادية المباركة التي عملت في واقع العدو اليهودي ما لم تفعله أزمان طويلة من القرارات والمؤتمرات، ولكن الخنزير الصليبي -أعزكم الله -لم يرُق له ذلك لم ينظر إلى ما انتهك من عرض، وما قتل من نساء وأطفال، وما ذبح من رجال، وما سلب من وطن وأرض، وما ديس من كرامة ودنس من مقدسات، وما هدم من بيوت ومساجد، فكل ذلك عنده مشروع ودفاع عن النفس، أما بثَّ الرعب في قلب اليهود فهو الإرهاب طفل بمقلاع وحجر، ولا يملك الفلسطينيون- العظماء بإسلامهم- لا يملكون طائرة ولا دبابة، وإنما يجابهون جيشًا نظاميًّا بأسلحة فتاكة مدمرة، ومع ذلك يطالب العالم بأنه يجب وصف أولئك الأشاوس الصغار بالوصف الصليبي الجديد: إنهم إرهابيون، وحين يوصفون بذلك فلا تسأل عن بُعد أمم الأرض عن ذكرهم، وبُعدها عن متابعة أخبارهم، والعطف عليهم والتفاعل مع قضيتهم؛ لأن من يوصف من قِبَل الكافرين بالإرهاب فلا حق ولا كرامة ولا إنسانية يستحقها، كما هو شأن وشعار عباد الصليب.
يا مسلمون: لقد جلت مأساة فلسطين حقيقة قرآنية: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) فرغم الصراع القديم بين اليهودية والنصرانية، ورغم ما لاقاه النصارى من نكال على أيدي اليهود، فإنهم في مواجهة الإسلام يد واحدة، وما موقف نصيرة الكفر أمريكا – عليها من الله ما تستحق– ما موقفها من قضية فلسطين إلا دليل على ذلك، إن من يطلب من النصارى نصرة ضد اليهود، فهو يطلب سرابًا بقيعة وهو يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير، وحقيقة القرآن قد نطقت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
يا مسلمون: لن أحكى حجم المأساة؛ لأن الخيال يضعف أمام وصفها، ولن أذكر حرج الموقف وهزال الأمة وقهر المسلمين؛ لأن العبارات تستحي من التعبير، ولكني أنقل لكم صرخة من أخوانكم أبناء فلسطين ونداء من الأبطال المجاهدين صرخة تقول: «أعيرونا مدافعكم ليوم لا مدامعكم، أعيرونا وظلوا في مواقعكم بني الإسلام، ما زالت مواجعنا مواجعكم يشق صراخنا الآفاق من وجع، فأين ترى مسامعكم؟!
أخي في الله: أخبرني متى تغضب؟!
إذا انتهكت محارمنا؟! إذا نسفت معالمنا ولم تغضب؟!
إذا قتلت شهامتنا إذا ديست كرامتنا، إذا قامت قيامتنا ولم وتغضب؟!
فأخبرني متى تغضب؟!
إذا نُهبت مواردنا إذا نُكبت معاهدنا إذا هُدمت مساجدنا وظل المسجد الأقصى وظلت قدسنا تغصب ولم تغضب فأخبرني متى تغضب؟!
عدوي أو عدوك يهتك الأعراض ويعبث في دمي لعبًا وأنت تراقب الملعب؟!
إذا لله للحرمات للإسلام لم تغضب فأخبرني متى تغضب؟
ألم يحزنك ما تلقاه أمتنا من الذل ألم يخلك ما تجنبه من مستنقع الذل وما تلقاه في دوامة الإرهاب والقتل؟!
ألم يغضبك هذا الواقع المعجون بالهون وتغضب عند نقص الملح في الأكل؟!
ألست تتابع الأخبار أحي أنت أم يشتد في أعماقك المرض؟! أتخشى أن يقال يشجّع الإرهاب أو يشكو ويعترض ومن تخشى؟!
هو الله الذي يُخشَى، هو الله الذي يحيي، هو الله الذي يحمي، وما ترمي إذا ترمي هو الله الذي يرمي.
وأهل الأرض كل الأرض لا والله ما ضروا ولا نفعوا، ولا رفعوا ولا خفضوا، ألم تنظر إلى الأطفال في الأقصى عمالقة قد انتفضوا؟!
ألم يهززك منظر طفلة ملأت مواضع جسمها الحفر؟!
ولا أبكاك ذلك الطفل في هلع في ظهر أبيه يستتر؟!
فلا رحموا استغاثته، ولا اكترثوا ولا شعروا، فَخَرَّ لوجهه ميتًا وخَرَّ أبوه يحتضر.
أيها المسلمون: إن اليهود والنصارى هم أعداؤنا، وإن تمسحوا بمسوح المحبين للسلام.
فلو لبس الحمار ثياب خز *** لقال الناس: يا لك من حمار!
وعداوتهم حقيقة ربانية لن تتخلف ولا بد من ترسيخ هذه العداوة في نفوس الناشئة وتربية الأجيال على الاستعداد لساعة اللقاء المرتقب على أرض فلسطين بإذن الله.
إن قضية فلسطين -يا مسلمون- كشفت زيف حوار الحضارات، ومؤتمرات التقارب بين الأديان، فلا لقاء لنا مع اليهود ولا مع النصارى إلا في ساحة القتال وميدان النزال.
أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وعلى أصحابه، ومن سار على دربه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: في فلسطين نراهم شبابًا في عمر الزهور، لا يهابون ولا يخافون، يحبون الشهادة قدر حب الآخرين للحياة، إنهم صغار وكبار ورجال ونساء هؤلاء هم الأبطال جاءوا في زمن الاستكانة والخنوع انظر إليهم كيف يتصدون لا يخافون دبابة مع أنهم لا يملكون سوى الحجر؟! تأمل هؤلاء الصغار تأمل عيونهم المليئة بالإصرار لكنهم يتألمون المتاريس تحاصرهم والدبابات توجه فوهاتها إلى أجسادهم وقبل أن يرخي الظلام سدوله يعودون وقد فقدوا شهيدًا أو أكثر، وجُرح منهم العشرات يذرفون الدموع لكنهما يتراجعون ولا يستسلمون ولا ييأسون، ولا يخافون!!
في فلسطين أمة مجاهدة يعيشون كربات ثلاث: يهودًا يسومنهم سوء العذاب، وعملاء أشد عليهم من العدو، ومسلمين في أنحاء العالم خذلوهم. ومع اشتداد كربهم فهم صامدون حتى الموت، في مخيم جنين رُسمت صورة من صور الموت وملحمة من ملاحم الجهاد والتضحيات، وسُطرت رائعة من روائع النصر، في مخيم جنين برزت حقيقة ربانية: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)، إنهم أبطال فلسطين شعارهم:
أمض جرّافك اليهودي في الجدران *** وانثر على الطريق صخورا
إنما تنثر الرصاص بأحجار *** على الأرض طهرت تطهيرا
حينما شدها الصبي بكف *** خضبت بالدماء صارت سعيرا
واحفر الأرض بالقنابل *** ما تحفر إلا للغاصبين قبورا
إنهم رجال فلسطين حداؤهم:
سكت الرصاص فيا حجارة *** حدثي أن العقيدة قوة لا تهزم
أيها المسلمون: لقد ولَّدت أحداث فلسطين مشاعر الغضب والقهر لدى كل المسلمين في العالم، وأثبتت أن ما يسمونه بمعاهدات السلام إنما هي وهم وزيف، وأن اليهود لا عهد لهم ولا ذمة، لقد أكدت الأحداث أن الكفر ملة واحدة، واليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض، وأن ذَنَب الكفر والظلم إسرائيل ورأسه أمريكا، وأكدت الأحداث أن قضايا المسلمين لا يحسمها إلا الجهاد في سبيل الله ورفع راية الإسلام وحدها بعيدًا عن العنصريات والنعرات القومية التي لم تزد الأمة إلا ذلاً وهوانًا.
لقد ولّدت الأحداث عند المسلمين شعورًا ببغض اليهود وأنصارهم من النصارى وكرههم، ورغبة في الانتقام منهم تمثل ذلك في ردود الأفعال المتباينة في كثير من بلدان العالم، ففي بلد مسيرات، وفي أخرى اعتصامات واحتجاجات وشعوبًا أحيت سلاح المقاطعة، وفي أخرى هُوجمت سفارات ودول اكتفت بالشجب والاستنكار.
أيها المسلمون: ومع اعتزازنا بهذه العواطف الإسلامية، وفخرنا بهذه الشجون الأخوية، فإنه لا بد أن نعترف بأن هذه مجرد ردود أفعال، وأنها امتصاص للغضب وتعطيل عن التفكير في خطوات أجدى وأسمى، مع ما يصاحب هذه المسيرات من إيذاء للآخرين واستغناء لها من قبل المغرضين، ورغم جدوى هذه المسيرات في بلدان دون بلاد، فإنني أتساءل وأنا أرى تناقضًا وعجبًا: اليد التي تلوح في المسيرة وترفع علم فلسطين أليست أختها الأخرى هي التي تحمل مشروبًا غازيًّا تنتجه أمريكا وشركاتها؟! أولئك الثائرون في المسيرة يرددون تسقط أمريكا وإسرائيل، وإذا ما انتهت المسيرة وقفوا صفوفًا أمام مطاعم تملك أصولها شركات أمريكية من أجل قطعة عجين!! ينادون في المسيرة تسقط أمريكا وإسرائيل وهم يركبون سيارات أمريكية! ويرتدون ألبسة إنجليزية! وهذه وتلك هما القوتان المساندتان لإسرائيل!!
ننادي بأفواهنا فلتسقط إسرائيل وتسقط أمريكا، ونحن لم نسقطها من قلوبنا حينما نخاف منها أو نعجب بها وبحضارتها، ننادي بألسنتنا فلتسقط إسرائيل ومبادئ إسرائيل ومخططات اليهود نمارسها في واقعنا؛ قصّات شعور شبابنا قصّات يهودية، وألبسة نسائنا أزياء يهودية، ننادي بسقوط إسرائيل ونحن الذين نمدها بحبل من الناس: الرياضة والفن وسيلة من وسائل اليهود في إفساد العالم، وشبابنا خلف الرياضة يلهثون، وفي سبيل العفن والفن يركضون، ثم ننادي فلتسقط إسرائيل، نحرق علم اليهود وننادي الموت لأمريكا وإسرائيل، وفي واقعنا يدعى خنزيرهم سيدًا ونستنجد بالذئاب لنصرة النعاج ننادي بموت اليهود وعملائهم وإخوانهم من المنافقين أرباب الشهوات يغنون بأرضنا ويعبثون بأخلاقنا، فمتى تسقط إسرائيل وأذنابها يمارسون دورهم في إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا؟!!
أيها المسلمون: يجب ألا ننساق وراء العواطف، ولا أن تحركنا المواقف المتشنجة، إن أول ما يجب علينا تجاه إخواننا في فلسطين أن نحمل همّ قضيتهم بين جوانحنا، وأن تكون محور اهتماماتنا، ومجال حديثنا وتفكيرنا، نريد الحزن على قضايا المسلمين الحزن المنتج المؤثر، وليس الحزن السلبي القاتل، إن من يحمل همّ المسلمين وقضاياهم لا مجال عنده للتفكير في التوافه أو الحديث عن سفاسف الأمور، يوم أن تحمل هذا الهموم يمكن أن تصنع الكثير وتجعل نفسك وقفًا لله تعالى وفداء لدين الله، يمكنك أن تنشر القضية وتبثها في صفوف الناس من منظور عزة المسلم واستعلائه؛ يمكنك أن تزيد من وعي الناس بهذه القضية وأن السبيل إلى حلها هو وحدة المسلمين، ورفع راية الجهاد، والتوكل على الله وحده، وقطع الأمل بكل النظم البشرية والتكتلات الدولية.
يا مسلمون: قبل أن نُسقط أمريكا وإسرائيل بالمسيرات والشعارات فلنسقط عصب حياتها وهو الاقتصاد، ولكي تظهر جديتنا في نصرة إخواننا، فإن أعظم ما يقهر الأعداء ويفتّ من عزمهم هو سلاح المقاطعة، فلنتواصى من هذه اللحظة على مقاطعة أي منتج يهودي أو أمريكي تنتجه شركات أمريكية أو تملك أصوله نريد مقاطعة جادة لا تقطعها شهوات نفس أو ضغط زوجة وأولاد، نريد مقاطعة جادة تنبعث من عقيد الولاء والبراء، ويحركها الشعور بآلام وآمال المسلمين.
ماذا -أيها الإخوة- لو ضحينا بشهواتنا وتسامينا على ملذاتنا فاستغنينا عن منتجات الأعداء ولو لمدة مؤقتة. إن قوة أمريكا واليهود قوة اقتصادية ولا يهزها مثل سلاح المقاطعة، فأثبتوا صدق إيمانكم، وأظهروا حقيقة ولائكم ولا يقربن بيوتكم منتج من منتجات الأعداء.
أيها المسلمون: إخواننا في فلسطين يُذبحون وبأموالنا، فكل ريال تدفعه لشراء سلعة عدو فهو رصاصة تخترق جسدًا لأخيك، لا نكن أمة تؤثر شهواتها على مبادئها وتقدم ملذاتها على مصلحة إخوانها فلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وإذا كانت مجتمعات تعبّر عن شعورها بالتظاهر الصاخب فإن مجتمعات أخرى يجب أن تعبر عنه بالبذل السخي والإنفاق المستمر عبر المؤسسات والهيئات الخيرية.
وأخيرًا -وبعد أن تبذل كل سبب مادي ممكن- ارفع يديك إلى من بيده الخلق والأمر في ساعة استجابة من ليل أو نهار، واسأله لإخوانك المستضعفين من قلب خاشع خاضع، ويوم أن نخذل إخواننا ونتخلى عن نصرتهم فلنعلم سنة الله في المتخاذلين: «من خذل مسلمًا في موقف يُنتهك فيه من عرضه ويُنتقص فيه من حرمته، خذله الله»، ودين الله منتصر واليهود أجبن الناس: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)، وسيذكر التاريخ بمداد الفخر والعز مواقف المجاهدين ومن ساعدهم من المسلمين، أما المتخاذلون والقاعدون والمرجفون: (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِين).
أسأل الله تعالى أن يفرّج هم إخواننا، وأن ينفّس كربهم، وأن ينصرهم على من ظلمهم وعداهم، اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة من هذا اليوم المبارك يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، ويا منزل القطر، ويا مجيب دعوة المضطر؛ قد عظم الخطب على إخواننا، واشتد عليهم الكرب، وليس لها من دونك كاشفة، اللهم فرج همهم، اللهم واجبر كسرهم، اللهم استر عوراتهم، وآمن روعتهم، اللهم احقن دماءهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم سدد رميهم، اللهم اجعل رءوس اليهود غنيمة لهم، اللهم مكّنهم من رقاب اليهود، اللهم عليك باليهود المجرمين وإخوانهم من النصارى الظالمين، اللهم عليك بأم الكفر أمريكا.
التعليقات