عناصر الخطبة
1/حرص الناس على المدح والثناء وخطر ذلك 2/شرف ذكر اسم الإنسان في السماء 3/قصص رائعة في ذكر الله لأسماء أناس في السماء 4/فوز الساعين لنيل ثناء الله ورضاه 5/خسارة الساعين لنيل مدح الناس على حساب الديناهداف الخطبة
اقتباس
هذا -والله- تفنى دونه الأعمار! وتسترخص الأنفس! وتبذل الأموال! هذا هو الشرف الذي قصرت عنه الأقدام! وضعفت الهمم! هذا هو الشرف الذي لا يقدر بثمن! ولا انتهاء له ولا زوال!. هذا هو الشأن أن تذكر في السماء! ولو خفيت على أهل الأرض! ولو حقرك الناس! ولو دفعت من الأبواب! ولو لم تتصدر المجالس! لو ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فيا عباد الله -أيها المسلمون-: يسعى كثير من الناس للظهور والبروز في مجتمعاتهم، يبذلون الأموال والأوقات؛ لأجل هذا، بل ربما وقع أحدهم في الرياء، وعمل العمل الصالح؛ طلبا للمدح والثناء.
هذا حاتم الطائي كان مضربا للمثل في الكرم والجود، مات على الشرك، ولما أسلم ابنه عدي -رضي الله عنه- قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن أبي كان يفعل ويفعل، فهل ينفعه ذلك عند الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "إن أباك طلب شيئا فأصابه".
أي طلب المدح والظهور بين الناس، طلب أن يذكر بين الناس فأصاب ما طلب.
وكم تعب ويتعب بعضهم ليخلد اسمه، ويذكر بين أقرانه.
ولا تسل عن فرحة أحدهم إذا تناقلت وسائل الإعلام، أو التواصل صورته، أو خبرا عنه، أو أن أحدهم ذكره، وزير أو أمير.
أما لو جرى اسمه على لسان الملك، فهذا من نوادر الدهر، ومبرزي الزمان؛ لكن ما بالكم بمن يذكر في السماء؟ ما بالكم بعبد يذكر في الملأ الأعلى؟ ما بالكم بعبد يذكره ملك الملوك؟
هذا -والله- تفنى دونه الأعمار! وتسترخص الأنفس! وتبذل الأموال!
هذا هو الشرف الذي قصرت عنه الأقدام! وضعفت الهمم!.
هذا هو الشرف الذي لا يقدر بثمن! ولا انتهاء له ولا زوال!.
هذا هو الشأن أن تذكر في السماء! ولو خفيت على أهل الأرض! ولو حقرك الناس! ولو دفعت من الأبواب! ولو لم تتصدر المجالس! لو جهلك الناس ولم يذكر بين الخلائق اسمك!.
قيل لعمر-رضي الله عنه- في معركة من المعارك: قتل فلان وفلان، وأناس لا نعرفهم، فبكى، وقال: "ولكن الله يعرفهم!".
لا تهتم إن حقرك الناس إذا علوت في ميزان الله -جل وعلا-! قال عليه الصلاة والسلام: "رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره!".
لا يهمك أن تلقى الله وأنت لم تكن في يوم من الأيام أميرا ولا وزيرا ولا مستشارا، وأنت لا تحمل أوسمة، ولو تلقب بألقاب، إذا رضي الله عنك!.
مات أبو ذر -رضي الله عنه- في أرض بعيدة، وصلى عليه نفر قليل، وهو صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
واسمعوا للعز الذي لا يبلى، والشرف الذي ليس له انقضاء، لأقوام رجال ونساء ذكروا في الملأ الأعلى، وترددت أسماؤهم في السماء، لم يذكروا في الديوان الملكي، ولا القصر الرئاسي؛ بل ذكروا عند الملك القوي، خلدت أسماؤهم، ليس على مدرسة، ولا على شارع، ولا على بلدة، بل نقشت في ذاكرة التاريخ، ولن تمحَى إلى يوم القيامة.
هذه خديجة -رضي الله عنها- ينزل جبريل من السماء، أفضل الملائكة، ومن أعظمهم خلقا، ينزل رسولا من عند الله؛ لأجل خديجة -رضي الله عنها- لأجل هذا فلتسكب العبرات، ينزل ويقول: "يا محمد، ائت خديجة، فقل لها: إن ربك يقرؤك السلام، وأقرأها مني السلام" فأتاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا خديجة إن جبريل أتاني، فقال: يا محمد، ائت خديجة، فاخبرها أن ربها يقرؤها السلام، وأخبرها مني السلام" فقالت: الله السلام، ومن الله السلام، وعلى جبريل السلام.
ملك الملوك، وجبار السموات والأرض، ما ضرها أن كانت امرأة، ما ضرها أنها لم تدخل مجلسا للشورى، ولا البلديات، ولم تشارك في القرار السياسي؛ بل زادها رفعة وعزا -رضي الله عنها وأرضاها-.
وهذا أبي بن كعب -رضي الله عنه- يقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا أبي، إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [البينة: 1] فقال أبي: وسماني -أي قال الله اقرأ على أبي- وذكر اسمي، قال: "نعم، وسماك" فبكى -رضي الله عنه-.
وحق -والله- وإذا لم يبكِ لهذه، فلماذا يبكى؟!
لو أن ملكا من ملوك الدنيا أثنى على رجل من الرجال ما نام تلك الليلة، فكيف بالله -جل وعلا- يذكر عبدا من عباده في السماء؟ وهل من السهل أن يتردد اسمك في السماء؟
وهذا سعد بن معاذ -رضي الله عنه- لما مات اهتز لموته عرش الرحمن!.
قال العلماء: "فرحا بقدوم روحه" يهتز له العرش!.
العرش أعظم المخلوقات، هذا الكون بما فيه من شمس ونجوم وقمر ومجرات، لا تساوي شيئا عند العرش!.
الكرسي، قال الله فيه: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) [البقرة: 255] والكرسي ليس العرش! الكرسي بالنسبة للعرش كدراهم ألقيت في فلاة! ويهتز لموت سعد -رضي الله عنه-!.
هذا هو الشرف الذي يبكى لأجله، بل الدمع دما، قال عليه الصلاة والسلام: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ -رضي الله عنه- " [متفق على صحته].
وفي ليلة الإسراء والمعراج، يمر النبي -عليه الصلاة والسلام- على رائحة طيبة، فيقول: "يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال جبريل: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها، قال: قلت: وما شأنها؟ قال: "بينما هي تمشط شعر ابنة فرعون إذا سقط المشط من يديها، فقالت: بسم الله، فقالت لها ابنة فرعون: قالت: الله أبي؟ قالت: لا، ولكن ربك ورب أبيك الله، قالت: سأخبره بذلك، قالت: نعم، فأخبرته فدعاها، فقال: يا فلانة، وإن لك ربا غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله، فأمر بقدر من نحاس، فأحميت، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها، قالت: إن لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا، قال: ذلك لك علينا من الحق، قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحدا واحدا إلى أن انتهى إلى صبي رضيع، فكأنها تقاعست لأجله؛ رحمة به، فأنطقه الله الذي يعلم خافي العبد جهره، أنطقه الله فقال: يا أمي، اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة".
فاحت رائحتها ورائحة أولادها في السماء، فطوبى لها ولأولاها، هذا هو الشأن الذي ينبغي أن تفنى لأجله الأعمار: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [البقرة:152].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، وتوبوا إليه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى.
أما بعد:
فيا معاشر المسلمين: هذا هو الشأن، وهذه هي القضية الكبرى في حياتنا، والتي ينبغي أن يسعى لها، وهي أن نذكر في السماء، ولنعلم أن أولئك القوم لم يذكروا إلا لما عملوا من أعمال.
أما أولئك الذين طلبوا رضا الناس، وبحثوا عن مدح الناس، على حساب دينهم، فأذلهم الله وأخزاهم: (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ) [فصلت:16].
هذا عبد الله بن جدعان، من أكرم العرب، وتقول عائشة للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، لقد كان عبد الله يفعل ويفعل، هل ينفعه ذلك عند الله؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: "لا، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين".
فلا تلتفتوا للنفس وحبورها، ولا تلتفتوا للناس، واطلبوا رضا رب الناس.
واعلموا: أن الحياة ستمر بكم سريعا، وإذا بكم على ساحة القيامة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
فاعملوا ليوم تلقون الله فيه، وتجزون فيه على ما فعلتم.
هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على خير الورى المصطفى؛ امتثالا لأمر الله -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبنينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين، واجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم نفس كرب المكروبين، اللهم اقض الدين عن المدينين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة.
اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وأخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا غير غضبان.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارا.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة.
اللهم أنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلِ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات