اقتباس
تفاءلوا فهو هدي نبوي، وأتبعوا الفأل بالعمل، وفرق بين السذاجة والتسطيح في فهم الأمور، وبين الفطنة للاستثمار الأمثل، والعمل الإيجابي، وتوفير الجهود للبناء، لا تحتجوا بالتعويق فيما مضى، وافتحوا صفحة جديدة للعطاء، وانعتقوا من الإحباط واليأس (فمن قال هلك الناس فهو أهلكهم)، واعتدلوا في التقييم والحكم على الأشياء.
لم ينته درس الإعفاءات والتعيينات الملكية الأخيرة عند عبرة قوم رُفعوا، وآخرين وُضعوا، ومسؤولين كانوا ملء السمع والبصر، ثم كانوا خبراً وأثراً، وآخرين كانوا عن المشهد غائبين فإذا هم في الصفوف الأمامية يبرزون، ويعلم الناس دقائق من حياتهم في الصبا فضلاً عن أعمالهم ومنجزاتهم الأخرى..
وليس الدرس خاصاً بمن أُعفي أو عُيّن، بل ولمن يرقب المشهد، ولما يبتلى بتعيين أو إعفاء، ولهؤلاء الأطياف الثلاثة أذكِّر والذكرى تنفع المؤمنين..
أولاً: فالذين أعفوا ـ ومهما كان وقع المصاب عليهم ـ فثمة فصل آخر للحساب، وسيُكشف فيه كلُ ما لم يكشف في الفصل الأول لهم أو عليهم، ولا يظلم ربك أحداً، وستكون الفضيحة أو الفرحة هناك على رؤوس الخلائق، هناك يُستغنى عن بيان اللسان، وتقوم الجوارح شاهدة على الإنسان: (قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ )، ومن هنا فالفرصة للتأمل واردة، ومراجعة الحسابات ممكنة، وفرص التغيير للأحسن أو تحسين الحسن تعقل وديانة، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً..
ثانياً: أما الذين عُينوا فهم في سياق البشر يجري عليهم من أقدار الله وأحكامه ما جرى على من سبقهم، هم حلقة في سلسلة من تاريخ محكم مضبوط لم تنته بعد مروياته وعبره، وما ندَّ فيه عن البشر ـ وإن كان قليلاً ـ على حد قول الشاعر:
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ *** وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
فلن يندّ عن علم الله وكتبته الحافظين ( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)..
ومن هنا فالدرس يقول لهم: راقبوا من لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، واعتبروا بمن سبقكم، وإياكم أن تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون، لا تأسركم اللحظة الحاضرة، ولا تغتروا بالسلطة والسيادة، واحذروا المتملقين الكاذبين وإن زينوا لكم عباراتهم، واسمعوا للناصحين الصادقين وإن اشتدت عليكم بعض كلماتهم، واتخذوا من المستشارين والعاملين معكم (الأقوياء الأمناء) فأولئك سمعكم وبصركم ورهان لتقدمكم أو تأخركم (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)، وإذا وفقتم للجمع بين الأصالة والمعاصرة، والإحسان للخلق، ومراقبة الخالق، فذلك فضل الله عليكم وعاجل بشرى لكم، واقرأوا قدر الله فيكم، وثقة ولي الأمر في تعيينكم على أنه تكليف لا تشريف، ومسؤولية وأمانة، وستسألون عنها، ولا تنسوا أنكم تأجرون على الإصلاح وإن لم تكملوا فصوله، وابدأوا بالعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر .. كان الله في عونكم، وسدد على دروب الخير خطاكم..
ثالثاً: أما الذين يرقبون المشهد فالدرس المهم أن لا تنشغلوا بمدح هذا وقدح ذاك، وتصنيف هذا أو ذاك، كفوا ألسنتكم عن القيل والقال دونما فائدة، واصرفوا الطاقة في مشروع ناضج يُقَدم لأميرٍ أو وزيرٍ أو مسؤولٍ ينفع الله به البلاد والعباد، أو نصيحة من سويداء القلب تبعث لمسؤول هو أحوج ما يكون إليها..
تفاءلوا فهو هدي نبوي، وأتبعوا الفأل بالعمل، وفرق بين السذاجة والتسطيح في فهم الأمور، وبين الفطنة للاستثمار الأمثل، والعمل الإيجابي، وتوفير الجهود للبناء، لا تحتجوا بالتعويق فيما مضى، وافتحوا صفحة جديدة للعطاء، وانعتقوا من الإحباط واليأس (فمن قال هلك الناس فهو أهلكهم)، واعتدلوا في التقييم والحكم على الأشياء.
ولئن كنتم شهوداً على المرحلة فحنانيكم العدل في القول، وعدم الاستعجال في الرأي..
اجمعوا ولا تفرقوا، وسددوا وقاربوا، وبقدر ما ترفضون (الدنيّة) فاحذروا (المثالية)، وتأخروا عن (الشماتة) وتقدموا بـ (النصيحة)، ولا تظنوا أن دوركم في الإصلاح ينتهي بمجرد شحنة غضب تفرغونها، أو كلمة عاطفية تقولونها، أو بمجرد سلوكيات وقتيّة تمارسونها، ثم يُنس الأمر.
أطيلوا النَفَس، وفكروا بعمق، واحذروا فتن المبطلين، واقطعوا الطريق على المتربصين، وإذا أحسنتم القصد فثقوا بتوفيق الله، ولو لم يكن لكم إلا البلاغ المبين.. فتلك وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله..
اللهم اجمع شملنا على الخير، ووحد صفوفنا على الحق، ووفق ولي أمرنا وجميع مسؤولي دولتنا لما فيه خير البلاد والعباد، وسعادة الدنيا، والفوز يوم التناد..
التعليقات