د. زيد بن محمد الرماني
إن الناس على اختلاف قيمهم وأفكارهم وتباين اتجاهاتهم ومعتقداتهم، يرغبون في السعادة ويبحثون عنها، حتى إن لم يدركوا معناها، أو لم يعرفوا كيف السبيل إليها، فهم دائماً ينشدونها ويطلبونها. فالشعور بالسعادة هو ما يتفق عليه معظم الناس في أي زمان ومكان.
بيد أن ما يختلفون عليه هو الطريقة التي يمكن من خلالها تحقيق تلك السعادة. فنجد بعض الأفراد يعتقد أن السعادة تكمن في تحقيق النجاح والتفوق، أو تحقيق الذات والتغلب على مشاعر الضعف والنقص، أو الشعور بالقوة والأمن، ونجد بعضهم الآخر يعتقد أن السعادة في بلوغ اللذة والمتعة، أو الحب والرفاهية، وقد يجدها بعض ثالث في الصحة النفسية، أو الصحة الجسدية، أو تحقيق العلاقات الاجتماعية الإيجابية.
لكن عبثا نجد أن الأغلبية العظمى من الأفراد يختزلون كل ذلك ويحصرون السعادة في المال وتحقيق الثروة والغنى.
ولكي ندرك سيكولوجية العلاقة بين الشعور بالسعادة والمال، علينا أولا أن ندرك ماذا عساها أن تكون تلك السعادة؟
يقول الدكتور أكرم زيدان في كتابه (سيكولوجية المال): إن السعادة قيمة انفعالية ووجدانية تصاحب الحالة النفسية، وهي ليست قيمة مستقلة بذاتها، بل هي مصاحبة للسلوك الفردي الذي يحقق للفرد رغبة وقيمة معينة، كما أنها حالة نفسية شعورية ترجع إلى تقييم الفرد لذاته وطبيعة مدركاته.
فالسعادة ميل نفسي يدفع الفرد إلى تذوق اللذة والرفاهية وتحقيق الرغبات، وإلى جانب أنها ميل، فهي مهارة وقدرة على إحداث التوافق بين سلوك الفرد وحياته اليومية.
وقد اهتمت الدراسات النفسية سنوات طويلة بإزالة الجوانب السلبية التي تؤثر في الشعور بالسعادة، من دون أن تهتم بتنمية الجوانب الإيجابية.
حيث يشير أرغايل وفرنهام إلى أن الشعور بالسعادة يتحدد من خلال قدرة الفرد على الاستمتاع بالأنشطة اليومية، ومواجهة المشكلات، والشعور بالثقة بالنفس، والقيام بأعمال مفيدة، والقدرة على اتخاذ القرارات وعلى الاستمتاع في حدود الظروف المتاحة.
ومن أهم العوامل التي تؤثر في درجة الشعور بالسعادة تلك التي تتصل بالعلاقات الاجتماعية، سواء كان ذلك في العلاقات الزواجية أو العلاقات بالأبناء والأصدقاء. فالزواج الناجح المتوافق في مقدروه أن يوفر علاقة عاطفية إيجابية تمهد للشعور بالسعادة.
أما الأبناء فيؤدون دوراً نفسياً واجتماعياً يؤثر في الشعور بالسعادة، ولو أنهم في بعض الأحيان قد يقللون من درجة الاستمتاع بالأنشطة اليومية، ويُحملون الوالدين أعباء ومسؤوليات تربوية ومادية تقلل كثيراً من الشعور بالسعادة، إلا أن عدم وجود أبناء يؤدي إلى الإحساس بالاكتئاب والنقص والدونية، وعدم الاستمتاع كلية بمباهج الحياة.
أما فيما يتصل بالصداقة، فإنها توفر جانبا كبيرا من الشعور بالسعادة، وإن كان يقل بعض الشيء عن الزواج المتوافق، والأبناء، إلا أنه يمنح الفرد التدعيم النفسي والاجتماعي والتعاطف، وإشاعة جو المرح والبهجة والاستمتاع بالوقت، وذلك من خلال اللعب والترفيه وتبادل الحوار والحديث.
ويشير أرغايل في كتابه ((سيكولوجية السعادة)) إلى أن أهم مصادر الشعور بالسعادة، تلك التي تتصل بنوعية العلاقات الاجتماعية التي تساعد الفرد على الإحساس بالرضا التام.
وإذا قلنا إن هناك علاقة بين المال والسعادة، وإنها علاقة محدودة.
إذن هل نستطيع القول إن الأفراد الأكثر مالاً هم أكثر شعوراً بالسعادة من أولئك الذين يعانون قلة المال. نستطيع الإجابة عن ذلك من خلال الدراسة التي أجراها برادبيرن، والتي كانت تبحث في العلاقة بين الدخل والمشاعر الإيجابية والسلبية، حيث اتضح أن ارتفاع الدخل يرتبط بالمشاعر الإيجابية، في حين يؤدي انخفاضه إلى ارتفاع المشاعر السلبية.
ويشير كامبل إلى ان هناك علاقة بين الشعور بالسعادة والمال والتعليم. فيقول: إن خبرة التعليم ومزايا الوظيفة لدى خريجي الجامعة تحررهم نسبياً من المطالب والحاجات المادية، وتجعلهم يركزون أكثر اهتماماتهم نحو العلاقات الاجتماعية وقيمة الذات.
وتشير دراسات أخرى إلى أن هناك علاقة إيجابية دالة بين العمل والمال والشعور بالسعادة، فإن كان العمل يحقق جزءاً كبيراً من الشعور بالسعادة، فإن هذه السعادة تتوقف على الرضا عن العمل، ويتوقف هذا الأخير على الأمور المادية المالية وطبيعة الأجر الذي يحصل عليه الفرد.
ويرى مايكل أرغايل أن تأثير الدخل في الشعور بالسعادة يظهر بوضوح أكبر لدى كبار السن منه لدى الشباب وصغار السن، وذلك لأن كبار السن أكثر إحساساً بصعوبات الحياة، ولأنهم ينتمون إلى شريحة من المجتمع هي في الأساس أكثر اهتماما بالمال.
وهكذا يتضح لنا أن الشعور بالسعادة لا يدور في فلك حدث واحد بعينه، حتى لو كان هذا الحدث هو المال. بل الشعور بالسعادة هو حاصل جمع الأحداث الحياتية الإيجابية في الأسرة، والزواج، والأبناء والأصدقاء وشتى العلاقات الاجتماعية، وفي الصحة والتعليم، والعمل، ووسائل الراحة والرفاهية، وكذلك في الشعور بالاستقلالية وتحقيق الذات.
التعليقات