عناصر الخطبة
1/التعريف بالنوافل 2/أهمية النوافل وفضلها 3/من صور النوافل ومجالاتها 4/المداومة على النوافل 5/قبح الانقطاع عن النوافلاقتباس
إِنَّ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ التَّعَبُّدِ لِلَّهِ وَالتَّقَرُّبِ مِنْهُ لَمْ تَكْفِهِ الْفَرَائِضُ، بَلْ طَلَبَ الِاسْتِزَادَةَ مِنَ النَّوَافِلِ وَالتَّطَوُّعَاتِ، يَبْتَغِي بِهَا مَرْضَاةَ رَبِّهِ وَالتَّلَذُّذَ بِمَعِيَّتِهِ وَخِدْمَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَمَا أَحْلَى وَمَا أَشْهَى وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يُقِيمَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُطْلَبَ مِنْهُ طَلَبًا جَازِمًا...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ التَّعَبُّدِ لِلَّهِ وَالتَّقَرُّبِ مِنْهُ لَمْ تَكْفِهِ الْفَرَائِضُ، بَلْ طَلَبَ الِاسْتِزَادَةَ مِنَ النَّوَافِلِ وَالتَّطَوُّعَاتِ، يَبْتَغِي بِهَا مَرْضَاةَ رَبِّهِ وَالتَّلَذُّذَ بِمَعِيَّتِهِ وَخِدْمَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَمَا أَحْلَى وَمَا أَشْهَى وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يُقِيمَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُطْلَبَ مِنْهُ طَلَبًا جَازِمًا، وَأَنْ يُبَادِرَ إِلَى طَاعَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِ؛ يَصْنَعُ ذَلِكَ نَافِلَةً مِنْهُ، حُبًّا وَرَغْبَةً وَشَوْقًا إِلَى جِوَارِ رَبِّهِ وَمَرْضَاتِهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلنَّوَافِلِ عِنْدَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَضْلًا عَظِيمًا، وَلَهَا فِي دِينِنَا أَهَمِّيَّةٌ بَالِغَةٌ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا سَبَبٌ فِي حُبِّ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ يَقُولُ الْجَلِيلُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ النَّوَافِلَ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ؛ فَمِنْهَا: نَوَافِلُ الصَّلَاةِ، وَأَفْضَلُهَا: السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَهِيَ اثْنَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَاثْنَتَانِ بَعْدَهُ، وَاثْنَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَاثْنَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَأَكْثَرُهَا تَأْكِيدًا هِيَ سُنَّةُ الْفَجْرِ الْقَبْلِيَّةُ، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَعَنْهَا أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ: الْوِتْرُ، وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ، وَعَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْوِتْرِ تَقُولُ عَائِشَةُ: "مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ آخِرَ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا الْإِنْسَانُ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ: صَلَاةُ الضُّحَى، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: "صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةُ الضُّحَى، وَنَوْمٌ عَلَى وِتْرٍ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَوَقْتُهَا مُمْتَدٌّ مِنْ بَعْدِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إِلَى قُبَيْلِ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَقَدْ صَلَّاهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ خَفِيفَاتٍ؛ فَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي الضُّحَى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، تَقُولُ: "فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنَ النَّوَافِلِ: نَوَافِلُ الصِّيَامِ، وَمِنْهَا: صِيَامُ الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؛ فَقَدْ حَكَتْ عَائِشَةُ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: "كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، وَكَذَلِكَ؛ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: "صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ..."(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ نَوَافِلِ الصِّيَامِ أَيْضًا: صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَّةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
أَمَّا نَوَافِلُ الزَّكَاةِ: فَقَدْ رَغَّبَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَرَامِلِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالتَّصَدُّقِ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ وَكَفَالَةِ الْأَيْتَامِ...- وَكُلُّ مَا يُنْفَقُ فِي الْخَيْرِ بَعْدَ الزَّكَاةِ فَهُوَ مِنْ نَوَافِلِ الْإِنْفَاقِ- فَقَالَ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ)[الْبَقَرَةِ:254]، وَقَالَ -تَعَالَى- مَادِحًا: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[الْإِنْسَانِ:8-9].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: تِلْكُمْ بَعْضًا مِنْ صُوَرِ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ؛ وَحَسْبُهَا شَرَفًا وَفَضْلًا أَنَّهَا تُوجِبُ لِأَصْحَابِهَا الْجَنَّةَ؛ فَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: "سَلْ" فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: "أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ" قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَالْمَقْصُودُ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ هُوَ الِاسْتِكْثَارُ مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ، وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَحَافِظُوا عَلَيْهَا تَسْعَدُوا وَلَا تَغْفُلُوا عَنْهَا؛ فَتَخْسَرُوا ثَوَابَهَا الْعَظِيمَ وَأَجْرَهَا الْكَرِيمَ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ؛ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ عَابَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنِ انْقَطَعَ عَنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ أَنِ اعْتَادَ عَلَيْهَا؛ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
هَذَا فِي صَلَاةِ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَأَمَّا فِي مَنْعِ إِنْفَاقِ مَا زَادَ عَنِ الْحَاجَةِ، فَيَرْوِي أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
قَالَ الْإِمَامُ الصَّنْعَانِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدَّوَامِ عَلَى مَا اعْتَادَهُ الْمَرْءُ مِنَ الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ كَرَاهَةُ قَطْعِ الْعِبَادَةِ".
وَلَمَّا انْقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لَمَّا خَاضَ فِي عَرْضِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، نَزَلَ الْقُرْآنُ يَقُولُ: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النُّورِ:22]؛ فَعَاوَدَ أَبُو بَكْرٍ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ.
فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُحَافِظِينَ عَلَى النَّوَافِلِ الْمُتَقَرِّبِينَ إِلَيْكَ بِهَا بَعْدَ الْفَرَائِضِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].
التعليقات