عناصر الخطبة
1/ اختلاف الناس في قضاء الإجازة الصيفية 2/ استقبال الدراسة 3/ استقبال رمضان 4/ من علامات قبول الصياماهداف الخطبة
اقتباس
مضت الإجازة والناس في استغلالها أصناف، فمنهم من رأى فيها قعودًا عن الجد والإيجابية، وآخرون جعلوا منها موسمًا للتحلّل من آداب الإسلام وأحكامه، فملؤها حرامًا وفجورًا، وآخرون سمت أنفسهم وعلت هممهم إلى معالي الأمور، والتزود من خير الدنيا والآخرة..
الحمد لله الواحد القهار العزيز الجبار، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقدر الليل والنهار، وكل شيء عنده بمقدار, وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، النبي المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
أيها الأحبة: بغروب شمس هذا اليوم، تطوى صفحة من صفحات الزمن، وتسقط ورقة من ورقات من شجرة العمر، ويسدل الستار على الإجازة الصيفية.
نعم, مضت الإجازة بخيرها وشرّها وحلوها ومرّها، وهي جزء من أعمارنا، وكل يوم مضى يدني من الأجل.
مضت الإجازة، وسنسأل عنها أمام ربنا، فالذي لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم- قال: "لن تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع، وذكر منها: "عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه".
مضت الإجازة والناس في استغلالها أصناف، فمنهم من رأى فيها قعودًا عن الجد والإيجابية، وآخرون جعلوا منها موسمًا للتحلّل من آداب الإسلام وأحكامه، فملؤها حرامًا وفجورًا، وآخرون سمت أنفسهم وعلت هممهم إلى معالي الأمور، والتزود من خير الدنيا والآخرة.
مضت الإجازة، وطويت صفحاتها بما فيها من مثاقيل الذر من خير وشر، وستبقى الصحف مطوية حتى تُنشر يوم الحساب، (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:13-14].
أيها الأحبة: ونحن نودع الإجازة، ما أجدرنا أن نقف مع أنفسنا وقفة معاتبة ومحاسبة، فإن كان ما عملنا خيرًا حمدنا الله عليه، وعزمنا على المزيد فيه، وإن كان سوءًا ندمنا عليه، وسارعنا إلى التوبة منه توبةً صادقة.
ما أحرانا أن نتحسر على أيامٍ أضعناها وأوقات تركناها، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمت على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي".
عباد الله: ومع انقضاء الإجازة، نستقبل في الأيام المقبلة موسمين من مواسم العام.
الموسم الأول: موسم الدراسة، فمع إشراقة شمس الغد، يتغير وجه الحياة، وترى الشوارع وقد غصّت بالحركة، حيث يستقبل أبناؤنا وبناتنا أول أيام العام الدراسي الجديد، وتفتح المدارس والمعاهد والكليات أبوابها، لتنفتح معها الآمال والتحديات والمشكلات في كل أسرة، وفي كل بيت حكاية عن الدراسة والمدرسة، جهود تبذل وطاقات تستثمر، هي محلّ فخرنا واعتزازنا، وسبيل تعليم أبنائنا، وتحقيق عزنا ونصر أمتنا، ومع هذا فنحن نؤكد على أمر آخر لا يقل أهمية عن الدراسة، وهو الاهتمام بالتربية الروحية وأداء حقوق الله والمحافظة على الصلاة والتعويد على طاعة الله.
ومع مطلع العام الدراسي ننبه الأسر إلى حسن التدبير، والاقتصاد في شراء المستلزمات الدراسية، وأن لا يرهق الأبناء والبنات كواهل الآباء بكثرة الطلبات, والإسراف والبذخ في شراء الكماليات، مما تغص به الأسواق اليوم.
كان الله في عون الكثير من الآباء، ماذا يفعل الأب براتبه المتواضع، وهذا الراتب تتنازعه مستلزمات الدراسة من جهة، ومستلزمات رمضان من جهة أخرى، والتي تبالغ فيها بعض الأسر إلى حد الإسراف.
كيف وقد انضاف إلى هذين الأمرين ما تحدثنا عنه في الخطبة السابقة من سعار الأسعار الذي نزل بأسواقنا.
إنه لا بد من الاقتصاد وحسن التدبير، نسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يبارك لنا في ما رزقنا، وأن يكفينا بحلاله عن حرامه، ويغنينا بفضله عمن سواه.
يا من يرى ما في الضمير ويسمعُ *** أنت المعدُّ لكل ما يتوقعُ
يا من خزائن رزقه في قول كنْ *** امنن فإن الخير عندك أجمعُ
عباد الله: وأما الموسم الثاني الذي نستقبله بعد أيام، فهو موسم عظيم, تتقاصر الكلمات وتعجز العبارات عن بيان عظمته وشرفه، شهر عظيم، شرفه الله وعظمه بقوله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185] المسافر يستعد لسفره، والموظف والطالب يستعد لوظيفته ودراسته، والمضيف يستعد لضيوفه، ونحن -أيها الأحبة- سيحلّ بنا ضيف كريم, تضاعف فيه الأجور وتصفد مردة الشياطين وتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران وتغفر فيه الزلات وتقال العثرات وتنزل الرحمات وتهب النفحات وتكثر الخيرات والبركات.
إن من الغفلة أن بعض الناس لا يفكر في استقبال رمضان والاستعداد له حتى ينزل به رمضان، فتأخذه الشواغل وتقل استفادته من هذا الموسم، وهو موسم التجارة مع الله.
ومن العجيب أن التجار يستعدون لهذا الموسم ويخططون للاستفادة منه قبل مدة طويلة.
ومن المؤسف أن ترى شياطين الإنس الفضائية، تستعد لهذا الشهر بأنواع الملاهي والأفلام والبرامج الفاسدة أو الفارغة.
كم هو والله مؤسف، أن تشوّهَ هذه القنوات الوجهَ الحقيقي لرمضان، وتصورَه بأنه ضيفٌ ثقيل على الأمة، يحتاج إلى الكثير من السهرات وبرامج اللهو والترويح حتى يستطيع الناس تحمّل وطأته.
إنهم يعقدون المؤامرة على رمضان، إنهم يخططون وينتجون لضرب قيم الأمة وأخلاقها، إنهم يتاجرون بإفساد روحانية رمضان.
وليس العجب من هؤلاء المفسدين, بل العجب من أسر مسلمة عكفت على هذه البرامج حتى في ليالي رمضان، فليتق الله كل صائم وصائمة، يصوم في النهار ويتقرب إلى الله بالطاعات طلبًا للأجر، ثم يهدم كل ما بناه في الليل، ويبدأ بالتجميع العكسي للسيئات والأوزار.
سبحان الله، أين نحن من النداء الرباني: يا باغي الخير أقبِل، ويا باغي الشر أقصر؟.
أنصوم في النهار، ونفطر على الصدور البادية، والأفخاذ العارية، والأغاني الماجنة، والأفلام الهابطة، على شلة روتانا وشلة أم بي سي وغيرها من القنوات؟.
ليس من عادتي أن أسمي هذه القنوات، لكن عظم وانتشار ضرر هذه القناة يجبرني على هذا الكلام، لقد عودتنا هذه القنوات وأخص منها القناة الفاجرة الأم بي سي، بأن تكون محضنًا لأسوء البرامج، لا أقول في العري والانحلال الأخلاقي فقط، لا بل إنها تجاوزت غيرها من القنوات في خلط المفاهيم، والتطاول على الثوابت، واستغلال قضايا الإرهاب وأعمال العنف للسخرية بالدين والمتدينين، وبث الشبهات والأفكار والتصورات المغلوطة، ضمن الأفلام والمسلسلات التي تأسر المشاهد وتأخذ بلبه، وتغير تصوراته ومعتقداته.
سبحان الله, كأن إبليس وأعوانه الذين يصفدون في رمضان يوصي أعوانه من شياطين الإنس قبل الاعتقال: أشغلوهم واغووهم، أريدهم في رمضان لا يعرفون سوى السهر على الحرام، أريد رقصا ومجونا, أريد إغراءً وتعريًا, أكثروا من اللقاءات مع الفنانات والراقصات، والماجنين والماجنات, ولا تنسوا المسلسل اليومي، والفيلم الحصري، والسهرة الشيطانية.
هل يريد هؤلاء الصائمون أن يدخلوا الجنة التي حرمت منها؟
أما حذرتكم أن من أدرك منهم ليلة القدر غفرت ذنوبه الماضية والباقية؟
هل يطمع هؤلاء بنفحة من نفحات الرحمة، أو لحظة من لحظات التوبة، وهم متسمرون أمام شاشتنا الشيطانية؟
لا وألف لا.
وأقول -أيها الأحبة-: نحن في هذه الخطبة هنا لا نخاطب ملاك تلك القنوات ولا القائمين عليها، بل نخاطب كل صائم وصائمة أن ينزه صيامه، ويقي نفسه شرور هذه القنوات التي غزت البيوت.
الذي نريده في رمضان, نظام صارم للقنوات الفضائية في المنزل، ينتقى فيه الطيب وهو القليل، ويستبعد فيه الخبيث وهو الأكثر من قنواتنا العربية وللأسف.
إن الله تعالى قد أعاننا على شياطين الجن التي تصفد في رمضان؛ كما أخبر بذلك المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ويبقى الواجب علينا أن نصفد القنوات الشيطانية في بيوتنا، حتى لا تفسد علينا شهرنا, إنه لا بد من التحذير، ولا بد من التغيير (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) [البقرة:143] نسأل الله أن يقر أعيننا بصلاح أحوالنا وبيوتنا، وصلاح نياتنا ذرياتنا، إنه جواد كريم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه.
عباد الله: إن من علامات التوفيق والقبول أن يستعد المسلم لشهر رمضان ويهيئ نفسه للاستفادة من هذا الموسم الكريم قبل دخوله.
وإن من أعظم ما يستقبل به رمضان التوبةَ الصادقةَ من جميع الذنوب، فهو موسم التائبين، ومن لم يتب فيه فمتى يتوب، ونستقبله كذلك بالعزيمة على مضاعفة الجهد، والاستكثار من الطاعات، من برٍّ وإحسان وقراءة قرآن وذكر وقيام، وغير ذلك من أنواع الخير، ونستقبله بالدعاء أن يوفقنا الله لصيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيه عنا.
فاحرص -أخي المسلم- على استقبال هذا الوافد الكريم، وأحسن استغلال أيامه ولياليه فيما يقربك من مولاك، وتعرض لنفحات ربك، لعلك تدرك نفحة واحدة من نفحاته، فلا تشقى بعدها أبدًا.
وإياك أن تكون ممن لا يعرفون الله إلاّ في رمضان، فإذا دنا رمضان ختموا شعبان بالمعاصي التي سيُحال بينهم وبينها بالصيام، كما قال قائلهم في الخمر:
إذا العشرون من شعبـان ولّت *** فواصـل شـرب ليلك بالنهارِ
و لا تشـرب بأقـداح صغـارٍ *** فإن الوقت ضاق عن الصغـارِ
أيها الأحبة: ونحن في آخر جمعة من شعبان، وعلى شفا بلوغ شهر الخير والرحمة, نسأل الله –تعالى- أن يبلغنا شهره، وأن لا يحرمنا خيره وبره.
ربنا هذه الزفرات منا تتصاعد، والأنفاس منا تتلاحق، والقلوب منا تهتف، وقد تعلقت برحمتك وإحسانك, أتيناك -يا ربنا- بقضنا وقضيضنا، بمطيعنا ومسيئنا, أتيناك -يا ربنا- وألقينا ببابك أحمالنا وأثقالنا، وذنوبنا وأوزارنا، اللهم فمنَّ علينا ببلوغ رمضان، وأحسن فيه أعمالنا، وحقق فيه آمالنا, إنك خير مأمول وأجود مسئول.
التعليقات