عناصر الخطبة
1/أهمية العقيدة الصحيحة والهداية إلى السنة 2/النشأة على العقيدة الصحيحة ومحاربة المحدثات والبدع 3/فرح المسلم بطاعة الله 4/وسائل استغلال الإجازة الصيفيةاهداف الخطبة
اقتباس
الإسلام -يا أمة الإسلام-: لا يحجّر على أتباعه أن يروّحوا عن أنفسهم، أو يُدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، بل قد يكون مطلوباً أحياناً لأغراضٍ شرعية، وأهدافٍ صالحةٍ، ولكن يجب أن يكون الترفيه في حدود ما أباحه الله -تعالى- لنا، فنحن عبيدٌ لله -تعالى-، لا نخرج عن طاعته طرفة عين. ومن الترفيه المباح: السفرُ لأغراضٍ حميدةٍ، وأماكن مرضيَّة، يقول الثعالبيُّ -رحمه الله-: "من فضائل السفر أنّ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي مَنَّ بظاهرِ النِّعَمِ وفرُوعِها وأصولِها، فأعْطى النفوسَ من سوابغ نعمائه غايةَ مُنْيَتِها، ومنتهى سُؤْلِها، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ الذي تفرد بإيصال الخيرات والمسار، ودَفْعِ العقوبات والمكروهات والمضار، وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسولُه المصطفى المختار، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً.
أما بعد:
معاشر المسلمين: اتقوا الله تعالى-، واشكروا مولاكم على ما خصكم به من النعم والآلاء، واعلموا أنكم لا تقدرون على العدّ لها والإحصاء، فاشتغلوا بالتفكر بأصول النعم وقواعدها، وما ترتب على ذلك من ثمراتها ونتائجها وفوائدها.
فإننا إذا ألقينا نظرةً على حالة الأمم، وانحرافهم عن دين الإسلام القويم، امتلأت قلوبُنا من شكر الرَّب الرحيم، الذي منَّ علينا بدين الإسلام وبالسنة وبالصراط المستقيم.
ثم إذا نظرنا في المنتسبين إلى دين الإسلام، وتفرُّقها على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة، إلاَّ أهلَ السنة التي منَّ الله علينا بها.
فما أكبرها من منحة، وما أعلاها مِن مِنِّة، ونقَّى لنا ديننا من البدع والإشراك، وسلمنا من وسائل الغيّ والهلاك، بوسائلَ وأسبابٍ يَسَّرها الرَّبُ الكريم.
ومن توفيق الله ونعمته علينا: أنْ جعل أئمتنا وأصحابَ مذاهبنا، على عقيدةٍ سليمةٍ صافية، قد استقاموا على الصراط المستقيم، والْنَّهْجِ السليم، فهذا مالكٌ وأبو حنيفة، والشافعيُّ وأحمدُ بن حنبل، لم يَبْتدعوا ولم يخرجوا عن اتِّباع السنة.
فهم أئمةٌ نصروا السنة والكتاب، وبهم وأتباعِهم يُعرف السُّني من البدعي، من سائر الطوائف والأحزاب.
وانظروا على من حولنا من البلدان، نجد كثيراً من أهلها، يتبعون أئمةً مبتدعة، ويتبركون ويتوسلون بالأموات، قد غيِّبتْ عنهم السنة، وضلُّوا عن التمسك بالعقيدة الصافية.
لكنَّ كثيراً من أتباع المذاهب، قد شابهم شيءٌ من البدع والْمُحدَثات، وتلوَّثتْ عقائدُهم بشيءٍ من الضلالات، كبدعةِ المولدِ وتأويلِ الصفات.
فكادت السنةُ الصافية، والعقيدةُ الخالصةُ أنْ تغيب وتتلاشى، وتُمْحى من قلوب الناس وتتوارى.
فأقام الله شيخ الإسلام، ومُفتي الأنام، أحمدَ بنَ تيمية الحراني، فجاهد الكفّار والمنافقين، وسائرَ الْمُبتدعة والملحدين، وأظهر من صريح السنة وأعلامِها وعلومها، ما عجزت عنه مَداركُ الأوَّلين والآخرين.
وسلك طريقتَه تلامذتُه، من فحول العلماء المحققين، حتَّى جاءتِ النَّوبةُ لشيخ الجزيرة وإمامِها التقيِّ الأوَّاب، شيخِ الإسلامِ محمدِ بنِ عبد الوهاب، فقام بهذا الأمر أتمَّ القيام، ودعا الناسَ إلى التمسُّكِ بالقرآن وسنَّةِ النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ولم يزل في جهادٍ ونُصحٍ وتعليم، حتى نشر التوحيد الخالصَ والسنةَ المحضة بين العباد، وقمع الشرك والبدعَ والفساد.
فأصْبحتْ الجزيرةُ صافيةً نقيَّةً -ولله الحمد والْمنَّة-، وانْصبغت بالسنة والتوحيد، وسَلِمَتْ بمساعيه المشكورة، ومساعي تلاميذه وأحفاده وأنصاره من الشرك والتنديد.
فلم تَجِد فيها -ولله الحمد- قبةً على قبرٍ ولا مشهداً، ولا توسلاً بالمخلوقين، ولا مَوْلِداً ولا مَعْبَداً.
ثم نحن وآباؤنا وأولادنا، نشرب من معين الشريعة أصفى شراب، ونغترف من زُلَالِهَا أحسن اغتراف، لم ندركْ هذا بوسيلةٍ منَّا، ولا قوةِ علمٍ وذكاء، وإنما ذلك فضل الله وحده، الذي ليس له غايةٌ ولا انتهاء: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58].
أي (قل) يا مُحمَّد للناس، بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودينِ الحق، والعقيدةِ الصافية، واجتماعِ الكلمة: (فَلْيَفْرَحُوا) فإنه أولى ما يَفرحون به: (فهُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من حُطَامِ الدنيا، وما فيها من الزهرة الفانية، والأموالِ والقصورِ الذاهبة.
بينما نرى الأقطار الأخرى، محشوةً بالشرك والكفر والإلحاد، مملوءةً من البدع والخرافات، وبناءِ المشاهد على القبور.
فاحمدوا ربكم على هذه النعمة، التي لا تستطيعون لها عدّاً ولا شكوراً، واستغفروه من تقصيركم، وتوبوا إليه؛ إنه كان غفوراً قديراً.
ونسأله -تعالى- أن يحفظ علينا ديننا، وأن يثبتنا على الحق إلى الممات، وأن يجعلنا في عافيةٍ مما أحاط بنا من الشرور والأمورِ المهلكات؛ إنه قريبٌ مجيبٌ الدعوات.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: ها نحن نستقبل إجازةً صيفيَّةً طويلة، وكثيرٌ منَّا يُخطِّط في اسْتغلالها، وكلٌّ سيقضيها حسب ما يراه مُناسبًا له.
ومن أهمّ الأمور: أن نقضيها فيما ينفعُنا ويَنْفَعُ أهلَنا وأولادَنا.
واعلموا: أنَّ الدروس العلمية بدأت بفتحِ أبوابها، وعرضِ نفائسِها وخيراتها، فتسابقوا للحاق بها، وحثُّوا أبناءكم ومَن تحت أيديكم لحضورها، فالقائمون عليها ثُّلةٌ من العلماءِ وخيارِ طلاب العلم، وطلبُ العلم من أعظم ما يقضي به المسلمُ وقته، ويُفني فيه عمره، ويستغلُّ به إجازته.
والإسلام - يا أمة الإسلام-: لا يحجّر على أتباعه أن يروّحوا عن أنفسهم، أو يُدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، بل قد يكون مطلوباً أحياناً لأغراضٍ شرعية، وأهدافٍ صالحةٍ، ولكن يجب أن يكون الترفيه في حدود ما أباحه الله -تعالى- لنا، فنحن عبيدٌ لله -تعالى-، لا نخرج عن طاعته طرفة عين.
ومن الترفيه المباح: السفرُ لأغراضٍ حميدةٍ، وأماكن مرضيَّة، يقول الثعالبيُّ -رحمه الله-: "من فضائل السفر أنّ صاحبه يرى من عجائب الأمصار، وبدائعِ الأقطارِ، ومحاسنِ الآثار، ما يزيده علماً بقدرة الله - تعالى-، ويدعوه شكراً على نعمه".
ومن فوائد السفر: أنه يُعيد للإنسان النشاط بعد طول تعبٍ وعناء، وهذا مطلبٌ يُؤْجر عليه، إذا نوى أنْ يعود إليه النشاط للعلم والعمل النافع.
وصدق القائل:
لا يُصلح النفسَ وهي مدبرةٌ *** إلا التنقلُ من حالٍ إلى حال
وينبغي اصْطحابُ الأهل والأولاد، فلهم حقٌّ في الترويح عن أنفسهم.
والبعض من الناس لا يُبالي إلا بنفسه، ويترك أولادَه وأهلَه غيرَ مُبالٍ بمشاعرهم، وغير آبهٍ بتربيتهم وإسْعادهم، فهذا من أعظم أسباب انحرافهم -والعياذ بالله-.
نسأل الله -تعالى- أنْ يستعملنا في طاعته، إنه جوادٌ كريم.
التعليقات