عناصر الخطبة
1/حال العرب قبل الإسلام 2/فضل الإسلام على العرب والبشرية عامة 3/دين الإسلام هو العزة والكرامة والسعادة.اقتباس
ما شرفنا الله وأعزنا إلا بهذا الدين العظيم؛ فهو عزنا ومصدر رفعتنا وسيادتنا على الأمم كلها، وتاريخ المسلمين شاهد على ذلك؛ فكلما أقبلوا على الإسلام وتمسكوا به رفع الله شأنهم, وإذا فرطوا في ذلك هانوا, قال الفاروق -رضي الله عنه-: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام؛ فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر المسلمين: لقد كانت حياة البشرية في ظلام حالك وفي جاهلية عمياء؛ انتهاك للحرمات، وظلم وعداوات، وفواحش ومنكرات، وبطش بالضعفاء، وقتل واضطهاد للأبرياء، حتى جاء الإسلام منقذاً ومخلصاً وهادياً ومطهراً، جاء ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن مستنقعات الجاهلية إلى مكارم الأخلاق ونور الشريعة الربانية.
ثم بعث الله نبيه محمداً -صلوات ربي وسلامه عليه- بالهدى القويم والطريق المستقيم؛ لتظهر للبشرية شرائعه ولو كره المشركون، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة: 33]؛ فجاء بشريعة هي أعظم الشرائع وأحكمها، ودين هو خير الأديان وأضبطها؛ فقد جاء يدعو إلى عبادة الخلاق، وإلى التحلي بمكارم الأخلاق، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
بعث الله رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- في وقت كان الناس فيه أحوج ما يكونون إلى رسول, يخرجهم مما هم فيه من الجهل والفرقة والتنازع والتقاتل؛ قبائل متناحرة متصارعة تمزقها العداوات, يأكل القوي منهم الضعيف, لا تربطهم رابطة دينية تؤلف بينهم, ولا عقيدة عندهم تجمعهم, كانت النفوس تائهة حيرى, والتسلط بينهم للأقوى؛ فأرسل نبينا -صلى الله عليه وسلم- لتخليص الناس من هذه الجاهلية, وتبديد ظلماتها ومعتقداتها الباطلة التي كانت تسيطر على عقولهم, وتغشى على قلوبهم؛ فتعميهم عن رؤية الحق والهدى؛ فأيده بالمعجزات, والآيات البينات, ما يشهد له على صدق رسالته, وأنه مبعوث من ربه -سبحانه وتعالى-.
لقد هيأ الله -تعالى- لرسالة نبيه -عليه الصلاة والسلام- رجالاً يحملونها للناس, مضحين بكل ما يملكون من أهلٍ وديارٍ ومال، نافحوا عن رسول الله ودعوته, وقدموا في ذلك أرواحهم قبل أموالهم رخيصةً في سبيل الله، وقد أثنى الله -تعالى- على هجرتهم وجهادهم ونصرتهم؛ فقال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[الأنفال: 74].
عباد الله: إن كل النِّعم والمنن التي تفضل الله بها على عباده ناقصة، مهما كثرت أو عظمت فهي ناقصة, ولا تكمل هذه النعم إلا بنعمة الإسلام, وقبول الإنسان للدين الذي ارتضاه الله منهجاً لعباده المؤمنين, قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3], وقد جعله الله ناسخاً لما قبله من الأديان, ومهيمناً عليها, (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85], وقد ضمَّن تشريعاته وأحكامه وهديه في كتابه الكريم, معجزة نبيه الخالدة, قال -تعالى-: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت: 41- 42]، فمن يبتغي الهدى في غيره ضل, قال -تعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153]، والمراد بصراط الله: "طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده"(تفسير الطبري).
إخوة الإيمان: ما شرفنا الله وأعزنا إلا بهذا الدين العظيم، فهو عزنا ومصدر رفعتنا وسيادتنا على الأمم كلها، وتاريخ المسلمين شاهد على ذلك؛ فكلما أقبلوا على الإسلام وتمسكوا به رفع الله شأنهم, وإذا فرطوا في ذلك هانوا, قال الفاروق - رضي الله عنه-: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام, فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"؛ فما أعز الله من سبقنا من المسلمين الأوائل إلا بتمسكهم بالإسلام؛ فعلى قدر تمسك الأمة بدينها, واعتزازها به؛ يكون النصر من الله لها, ورفعتها على الأمم, وكلما ابتعد المسلمون عن دينهم تسلط عليهم أعداؤهم حتى يرجعوا إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم -عليه الصلاة والسلام-.
وقد بين لنا نبينا -صلوات ربي وسلامه عليه- المنهج الواضح الذي ينبغي للناس التزامه, والاعتصام به, وعدم الميل عنه؛ فقال في جموع المؤمنين يوم عرفة: "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللهِ وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟’ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ"(صحيح مسلم).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عباده الذين أصطفى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:
عباد الله: ما بال أمة الإسلام اليوم تتخبط في الجهالة وتتبع أعداءها، وتقلدهم حتى في سيء ما عندهم, وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال إخباراً وتحذيراً: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه"(رواه الشيخان)؛ وهذا التبديل والتغيير نرى آثاره فيما تعيشه اليوم الأمة من ضعف وهوان, قال -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الأنفال: 53], أي: "من الطاعة إلى المعصية؛ فيكفروا نعمة اللّه ويبدلوها كفرا؛ فيسلبهم إياها ويغيرها عليهم؛ كما غيروا ما بأنفسهم"(تفسير السعدي).
إنه لن يصلح حال آخر الأمة إلا بما صلح به أولها؛ ألا وهو التمسك بالإسلام، وتطبيق أحكامه, والتزام أخلاقه؛ فإن ابتعدوا عن هذا الدين وهديه ذُلوا, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"(رواه أبو داود).
إن المسلم ينتسب إلى دين عظيم، دين الإسلام الذي شرعه الله لعباده ورضيه لهم، يقول -سبحانه-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة:3]، وأخبر -سبحانه- أنه لا يقبل من أحدٍ سواه؛ فقال -جلَّ وعلا-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإْسْلاَمُ)[آل عمران: 19]، وقال -سبحانه-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإْسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85].
أيها المسلمون: كل الناس يبحثون عن السعادة, لكنهم -أبداً- لن يجدوها في غير هذا الدين العظيم؛ فهو مصدر السعادة في الدنيا, وسبيل والسعادة الأبدية في الآخرة، وغيره شقاءٌ ونكدٌ وضيقٌ ضنك, قال الله -تعالى-: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 123], قال السعدي -رحمه الله-: "المعيشة الضنك عامة في دار الدنيا؛ بما يصيب المعرض عن ذكر ربه، من الهموم والغموم والآلام، التي هي عذاب معجل، وفي دار البرزخ، وفي الدار الآخرة".
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، الذي أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات