عناصر الخطبة
1/من أعظم النعم نعمة الإسلام 2/قواعد الشكر الخمس 3/الشكر عبادة المتقين المحسنين 4/فوائد وإرشادات من حديث الطاعون 5/الإجراءات الاحترازية لدخول بلاد الحرمين لها هدف نبيل وغاية ساميةاقتباس
ومن هذا المنطلق -يا عباد الله- جاءت الإجراءات التي اتخذتها حكومةُ المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسُمُوّ ولي عهده الأمين -أيَّدَهُما اللهُ بتأييده- بتعليق العمرة والزيارة مؤقَّتًا للحدِّ من انتشار هذا الوباء القاتل متوافقةً مع نصوص الشريعة، فحفظُ الأرواح من مسئوليات الحاكم الكبرى...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أما بعدُ: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عبادَ اللهِ: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن تقوى الله -جل وعلا- هي أساس السعادة، وسبيل الفوز في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطَّلَاقِ: 2]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 4].
أيها المسلمون: إنَّ نِعَمَ اللهِ علينا لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ومن أعظم هذه النعم وأكملها نعمةُ رسالة خاتم النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم-، فاشكروه عليها، وأدُّوا حقَّها بالاقتداء بها، واتِّباع نبيها -عليه الصلاة والسلام-، قال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[الْأَعْرَافِ: 43]، وقال تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الْحُجُرَاتِ: 17]، ولو تأمَّل المسلمُ هذه النعمةَ لَهزَّت مشاعره، ولَعرف قدرها وفوائدها، لقد فتَح اللهُ بها قلوبًا غُلفًا، وآذانًا صُمًّا، وأعينًا عميًا، أخرج اللهُ بها الناسَ من الظلمات الى النور، ومن الضلالة إلى الهداية، ومن الجهالة إلى المعرفة، ومن الرذالة إلى الفضيلة، ومن الظلم إلى العدل، والعبد -دائمًا- بين نعمة من الله تحتاج إلى شكر، وذنب يحتاج فيه إلى استغفار، وكلٌّ من هذين الأمرين من الأمور اللازمة للعبد دائمًا، فإنه لا يزال يتقلَّب في نِعَم الله وآلائه.
ومن تلكم النعم أيضا يا عباد الله: نعمة السمع والبصر والفؤاد قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النَّحْلِ: 78]، ومن تلكم النعم أيضًا: نعمة الأمن في الأوطان، فحاجةُ الناس إليه أعظمُ من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لذا قدَّمَه نبيُّ الله إبراهيمُ الخليلُ -عليه الصلاة والسلام- على الرزق فقال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ)[الْبَقَرَةِ: 126]، ولأن الناس لا يهنؤون بطعام ولا شراب مع الخوف، قال تعالى ممتنًّا على قريش بهذه النعمة: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قُرَيْشٍ: 3-4].
والقواعد التي يقوم عليها الشكر خمس: أوَّلُها خضوع الشاكر للمشكور. ثانيها: حُبُّه له، ثالثها: اعترافه بنعمته، رابعها: الثناء عليه بها، خامسها: لا يستعملها فيما يَكرَه، فمتى فُقِدَ واحدةٌ منها اختلَّت قاعدةٌ من تلكم القواعد، وحياءُ العبدِ مِنْ تتابُع نِعَم الله عليه شكرٌ، ومعرفته بتقصيره عن الشكر شكرٌ، والمعرفة بعظيم حِلْم الله وستره شكر، والاعتراف بأن النعم ابتداءً من الله بغير استحقاق شكرٌ، والعلم بأن الشكر نعمة من نِعَم الله شكرٌ، وحُسْن التواضع في النِّعَم والتذلل فيها شكرٌ، وتلقِّي النعمِ بحُسْن القَبُول واستعظام صغيرها شكرٌ، فما يندرج من الأعمال والأقوال تحت اسم الشكر لا ينحصر، والشكرُ قيدُ النعمِ وحافِظُها، فإذا انفكَّ هذا القيدُ ذهَبَت ولم ترجع، (روى مسلم في صحيحه) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -تعالى- يقول للعبد يوم القيامة: أَيْ فُلُ، ألم أكرمك وأزوجك وأسودك وأُسَخِّر لكَ الخيلَ والإبل، وأَذَرْكَ ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، فيقول: أفظننتَ أنكَ ملاقِيَّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساكَ كما نسيتَنِي".
ولقد شكر اللهُ -عز وجل- عبادَه المحسنين، وهو -سبحانه- غنيٌّ عنهم، فمن باب أَوْلَى أن يشكر العبدُ مَنْ أحسَن إليه بالمعروف، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صُنِعَ إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاكَ اللهُ خيرًا فقد أبلَغ في الثناء"(أخرجه الترمذي).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 7].
بارَك الله لنا في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه غفور شكور.
الخطبة الثانية:
اللهم ربنا لك الحمد، حمدا كثيرًا طيبا مباركًا فيه، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيء بعدُ، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال لك العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيتَ، ولا معطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، والصلاة والسلام على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، القائل: "أفلا أكون عبدا شكورا".
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن.
عبادَ اللهِ: جاء في الأثر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرَج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه -رضي الله عنهم-، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: فقال عمر -رضي الله عنه-: "ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم، وأخبَرَهم أن الوباء قد وقَع بالشام فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجتَ لأمرٍ ولا نرى أن ترجِعَ عنه، وقال بعضُهم: معكَ بقيةُ الناس وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا نرى أن تُقدِمَهم على هذا الوباء، فقال: ارْتَفِعُوا عنِّي، ثم قال: ادعُوا لي الأنصارَ، فدعوتُهم فاستشارَهم فسَلَكُوا سبيلَ المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارْتَفِعُوا عنِّي، ثم قال: ادع لي مَنْ كان هاهنا من مشيخة قريش من مُهاجِرَة الفتح، فدعوتُهم فلم يختلف منهم عليه رجلانِ فقالوا: نرى أن تَرجِع بالناس ولا تُقدِمَهم على هذا الوباء، فنادى عمر -رضي الله عنه- في الناس: إني مُصَبِّح على ظهرٍ فأصبحوا عليه، قال أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-: أفرارًا من قدر الله؟ فقال عمر -رضي الله عنه-: لو غيرُكَ قالها يا أبا عبيدة؟ نَعَمْ، نَفِرُّ من قدَرِ الله إلى قدر الله، أرأيتَ لو كان لكَ إبلٌ هبطت واديًا له عُدْوَتَانِ؟ إحداهما خصبة والأخرى جدبة؟ أليس إن رعيتَ الخصبةَ رعيتَها بقدر الله؟ وإن رعيتَ الجدبةَ رعيتَها بقدر الله؟ قال: فجاء عبدُ الرحمن بنُ عوف -رضي الله عنه- وكان متغيِّبًا في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علمًا؛ سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا سمعتُم به بأرضٍ فلا تَقْدُمُوا عليه، وإذا وقَع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه، قال: فحَمِدَ اللهَ عمرُ -رضي الله عنه- ثم انصرف"(رواه البخاري ومسلم)، وهذا الحديث يدلُّ على وجوب الحرص خوفًا من تفشِّي الوباء.
ومن هذا المنطلق -يا عباد الله- جاءت الإجراءات التي اتخذتها حكومةُ المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسُمُوّ ولي عهده الأمين -أيَّدَهُما اللهُ بتأييده- بتعليق العمرة والزيارة مؤقَّتًا للحدِّ من انتشار هذا الوباء القاتل متوافقةً مع نصوص الشريعة، فحفظُ الأرواح من مسئوليات الحاكم الكبرى، وله تقديرُ ذلك بعدَ سؤال أهل العلم والاختصاص، والواجب على المسلمين كافةً التوكلُ على الله -عز وجل-، والتضرُّع والالتجاء إليه بالدعاء أن يرفَع عن خلقه ما نزَل بهم، فالدعاء ينفع ممَّا نزَل وممَّا لم ينزل، قال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)[الْفُرْقَانِ: 77].
اللهم إنا نعوذ بك من الطعن والطاعون والوباء، وعظم البلاء في النفس والأهل والمال والولد، الله أكبر، الله أكبر مما نخاف ونحذر، اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام، ومن سيئ الأسقام.
ثم إن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال عز من قائل عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا"، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين، الذي قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وذي النورين عثمان، وأبي السبطين علي.
وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، واجعل عملهم خيرا لشعوبهم وأوطانهم، اللهم إنا نسألك مما عندك، فأفض علينا من فضلك، وانشر علينا رحمتك، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، يا رب العالمين.
اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات