عناصر الخطبة
1/ مبادئ الإسلام تكفل له الخلود 2/ تحقُّق خيرية الأمة بتمسكها بمبادئ الإسلام 3/ نحن أمة الخلوداهداف الخطبة
اقتباس
إن النظام الذي يمد ظله على الناس، ويكتب له الخلود البقاء، ويتلقاه الناس بالرضا والقبول، هو النظام الذي تقوم مبادئه على تحقيق الكرامة الإنسانية، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء:70]...
الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار، ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه الإنسان، وأينما استقر، الحمد لله العلي القادر، العزيز القاهر، الخبير الذي لا ينسى، الحكيم الذي لا يضل.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: إن النظام الذي يمد ظله على الناس، ويكتب له الخلود البقاء، ويتلقاه الناس بالرضا والقبول، هو النظام الذي تقوم مبادئه على تحقيق الكرامة الإنسانية، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء:70]، ولم يقل: كرمنا العرب، أو كرمنا المسلمين، أو كرمنا الرجال، أو كرمنا النساء، أو كرمنا الأغنياء أو الفقراء، أو التجار، أو العمال، أو الفلاحين، أو البيض أو السود.
وتقوم مبادئه على تحقيق المساواة بين الناس جميعا، فلا تمييز ولا تفريق، لأن الناس خالقهم واحد، وهو الله تبارك وتعالى، وطينتهم واحدة وهي التراب، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13].
أيها الناس: إن الرب واحد، وإن الأب واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، "ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، و لا عجميٍّ على عربيٍّ، و لا لأحمرَ على أسودَ، و لا لأسودَ على أحمرَ، إلا بالتقوى".
كما تقوم مبادئه على تحقيق الحرية لكل إنسان: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟".
وعلى مبدأ تحرير الإنسان من كل عبودية لغير الله -تبارك وتعالى- جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
وعلى مبدأ تحقيق العدل بين الناس: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء:58].
كما جاءت مبادئه متناسقة مع فطرة الإنسان، فلا تقاوم ميوله ولا غرائزه؛ بل تفتح المجالات لإشباعها وإروائها، ولكن بالأساليب الصحيحة التي تحقق لها النفع والاستمرار، ويجعلها تبني ولا تهدم، وتصون ولا تبدد: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم:30].
أيها الإخوة والأخوات: هذا الإسلام بمبادئه التي أشرت إلى بعض عناوينها، جعل من هذه الأمة كلما عملت بهذه المبادئ خير أمة أخرجت للناس، جعل منها أمة الخلود، خلدنا في التاريخ بجميل مآثرنا، وعرفنا بنبل حضارتنا، وسبقنا الأمم في المجد بروائع بطولتنا، وقدوة في سلوكنا.
نحن أمة الخلود؛ أيُّ أمة في الدنيا تضاهينا حينما نطبق إسلامنا؟ أعلنا الحرية يوم كانت الأمم ترسف في قيود العبودية، ونشرنا العلم يوم كانت العقول مصفدة بأغلال الجاهلية، وأقمنا العدل يوم كانت فارس والروم تسخّران الشعوب لمطامعهما الحربية.
نحن أمة الخلود؛ بذلنا المال في المكارم حين كان يجمعه غيرنا من المظالم، وصُنّا الأعراض وجميع الحرمات حين كان غيرنا يروي ظمأه من دم الشعوب.
نحن أمة الخلود؛ جباهنا تخضع لله وحده وتعلو عمّن سواه، وقلوبنا تهوى الجمال وتنفر من كل قبيح مسيء، وعقولنا تؤمن بالحق وترفض كل باطل؛ ويدانا: يدٌ مع الله -تبارك وتعالى-، وأخرى مع الناس.
نحن أمة الخلود؛ نؤمن بالدين لنرفع به الدنيا، ونعمل للدنيا لنخدم بها الدين، ونجمع بين الدين والدنيا لنكون في الحياة سعداء، وفي الآخرة من الخالدين.
نحن أمة الخلود؛ أجسامنا في الأرض، وأرواحنا في السماء، وقلوبنا مع الله نراقبه في كل أعمالنا وحركاتنا وتصرفاتنا، وعقولنا مع الأنبياء والعلماء المخلصين، آخَينا بين العلم والدين، وجمعنا بين الدنيا والآخرة، وحكمنا فلم ننس مبادئ إسلامنا.
نحن أمة الخلود؛ لأطفالنا مروءة الرجال، ولرجالنا كرامة الأبطال، ولأبطالنا صفات الخالدين، ولنسائنا عطر الأزاهير وطهر الملائكة، وسحر الطبيعة في فجر الربيع.
نحن أمة الخلود؛ يحكم نظامنا الدنيا ويملؤها أمناً وسلاماً ومحبة وإخاءً وإيثاراً، وتعصف بنا النكبات فنستقبلها بصبر وابتسام، ويراد لنا الذل، فنثيرها حرباً ضراماً، ويُعتدَى علينا في الأرض فنجعلها فوق المعتدين أطلالاً وركاماً.
نحن أمة الخلود؛ نغنَى فلا نبطر، ونقوى فلا نتجبر، ونضعف فلا نذل، ونصاب فلا نيأس، ونستشهد فلا نبكي ولا نصرخ.
نحن أمة الخلود؛ دماء شبابنا عندنا عطر الشباب والرجال، وسهام الأعداء في صدورنا أوسمة العزاء والكمال، وخوض المنايا في سبيل الارتقاء أغنية النساء والأطفال.
نحن أمة الخلود؛ لمواكب الشهداء عندنا أفراح وأعراس، ولرصاص الأعداء في أبداننا موسيقى وأنغام، وللمعارك الحمر تربينا أمهاتنا في الأسرة والمهود.
نحن أمة الخلود؛ (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [التوبة:111]، وقال -تبارك وتعالى- أيضا: (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [طه:72]، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:23].
فلستُ أبالي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمَاً *** على أيِّ جنبٍ كان في اللهِ مَصْرَعِي
ولستُ بِمُبْدٍ للعَدُوِّ تخشّعاً *** ولا جزَعاً، إنّي إلى الله مَرجعي
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله العلي حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، وتزودوا من دنياكم لآخرتكم بعمل يرضاه، واعلموا أنه لا يضر وينفع ويصل ويقطع ويفرق ويجمع ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع إلا الله.
واعلموا أن الله، سبحانه وله الأمر، أمَرَنَا بأمرٍ بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم فصَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على سيدنا محمد، اللهم أيد الإسلام والمسلمين...
التعليقات