عناصر الخطبة
1/النهي عن الاغترار بالدنيا 2/ وصف الدنيا 3/ العمل الصالح هو الغنيمة 4/ الاستعداد لما بعد الموت.اهداف الخطبة
التحذير من الاغترار بالدنيا / الحث على الاستعداد لما بعد الموت.اقتباس
كونوا من الدنيا على حذر، فإن أسرّ من فيها من خافها وحذرها، وكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، وذللوا دنياكم لآخرتكم، واستخدموها فيما يرضي الله عنكم
الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، نحمده سبحانه ونتوكل على الحيّ الذي لا يموت، ونسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد فيقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) فاطر:5.
عباد الله: ينهى الله تعالى وتقدس في هذه الآية وأمثالها من كتابه الكريم عن الاغترار بالدنيا وحطامها الفاني، عن أمنها والاطمئنان والركون إليها، عن الانخداع بزخارفها البراقة ومباهجها الزائلة، عن إيثارها على الآخرة والاشتغال بها عنها –مؤذناً ومتوعداً من اشتغل بها عن الآخرة، أو آثرها على الآخرة، أو أراد الدنيا بعمل الآخرة أو حابى أو والى أو عادى من أجل الدنيا بالعذاب الأليم وتصلية الجحيم. يقول سبحانه وتعالى: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً) الإسراء:18. الآية.
وإن دارا –يا عباد الله- أوصافها في الكتاب الكريم والسنة الغراء أنها غرور ومتاعٌ قليل، وممر ومعبر كما هو واقعها، دارٌ ملئت بالأحزان والآلام، دار ما أضحَكت إلا وأبكت، ولا أفرحت إلا وأحزنت، دار نهاية قوتها الضعف وشبابها الهرم وحياتها الموت، وجميع ما فيها ظل زائل وعارية مستردَّة.
وما المـال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوماً أن ترد الودائع
وما المرء إلا كالشهاب وضوؤه يحور رماداً بعد إذ هو ساطع
دار هذا شأنها ووصفها خَيْرُ رسولٍ بأنها كراكب قال تحت ظل دوحة، وضرب الله لها المثل في قصر عمرها وسرعة تحولها وزوالها وخيبة آمال أهلها بقوله: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) يونس:24.
يا عباد الله –دارٌ هذا وصفها وواقعها هل يغتر أو ينخدع بها مؤمن! هل يأمنها أو يطمئن إليها عاقل! هل يعادي أو يوالي من أجلها من له مسكة من عقل؟ كلا؛ لا أخال مؤمناً حقاً ينخدع بها.
فاتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر، فإن أسرّ من فيها من خافها وحذرها.
فاتقوا الله وكنوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا وذللوا دنياكم لآخرتكم واستخدموها فيما يرضي الله عنكم فإن الدنيا إذا صلحت واستخدمت، مجال فسيح للتحصيل وسلم إلى ما هو أنفع منها وأطيب، ومزرعة يانعة تجني ثمارها في الآخرة.
ولن ينفعكم ويصحبكم منها إذا غادرتموها إلى الآخرة إلا ما قدمتموه فيها من عمل صالح، فقد روى البخاري ومسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات ابن آدم تبعه ثلاثة: ماله، وأهله، وعمله، فيرجع اثنان: المال والأهل، ويبقى واحد وهو العمل".
وقال يوماً – عليه الصلاة والسلام- لأصحابه: "أيكم ماله أحبُّ إليه من مال وارثه"، قالوا: مالنا أحب إلينا من مال وارثنا، فقال: " مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما خلف".
فاتقوا الله أيها المسلمون وبادروا بالأعمال الصالحة فهي زادكم إلى الآخرة، ورصيدكم الذي ستلقونه إذا غادرتم الدنيا، وأنيسكم بعد الموت. فبادروا بها سرعة النقلة، بادروا بها فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا. روى البخاري رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" فكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك". ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنه: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
أقول قولي هذا وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يرزقنا الاستعداد الصادق لما بعد الموت، وأن يجعل حياتنا حياة نفع واكتساب خير، وأن يغفر لي ولكم ولسائر المسلمين إنَّه غفورٌ رحيم.
التعليقات