من فضائل يوم عرفة والأضحية

الشيخ د محمد أحمد حسين

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/تأملات في يوم عرفة المبارك العظيم 2/اجتماع عيد الجمعة وعيد عرفات في يوم واحد 3/فضل الله تعالى على عباده بمغفرة الذنوب والتجاوز عن السيئات 4/فضيلة يوم عرفة والأيام التي تليه 5/بعض فقه وآداب الأضحية 6/الوصية بكثرة ذكر الله تعالى وصلة الأرحام 7/وصية أهل فلسطين بشد الرحال للمسجد الأقصى

اقتباس

إنَّ هذه الأيام المبارَكة هي أيام الذِّكْر، والتسبيح، والتحميد، والتهليل؛ فأكثِروا من التهليل في أيامكم هذه، واذكروا اللهَ على كل حال، بعد الصلوات، وفي الطرقات، وحيثما تيسَّر لكم أن ترفعوا ذكر الله -تعالى-...

الخطبة الأولى:

 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمَر، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير البشر، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، بلَّغ حُجَّاجَ بيته الحرام إلى صعيد عرفات الطاهر، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا، محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومَنْ سار على نهجهم، واقتفى أثرَهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والراكعين الساجدين في المسجد الأقصى، وفي صنوه الحرمين الشريفين، وعلى كل ساجد في دُنيا المسلمين.

 

وبعد أيها المسلمون، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: هذا يوم عرفة، يوم عرفات الله؛ حيث يجتمع حُجَّاجُ أمتِكم الإسلاميَّةِ، في ذاك الصعيد الطاهر، الذي أكرَم اللهُ به عبادَه الصالحينَ، يضجُّون بالدعاء إلى الله، بطلب غفران الذنوب، وستر العيوب، والتجاوز عن الخطايا ما كَبُرَ منها وما صَغُرَ، في هذا اليوم العظيم؛ حيث يجتمع هذا الحجيجُ على هذا الصعيد الطاهر، الذي جعَلَه الله ركنًا من أركان الحج، لا يتم الحج إلا بهذه الوقفة، في يوم عرفات؛ فهو ركن أساسي من أركان الحج، وهو يوم مبارك، كما ورد في الآثار؛ إنَّه خير الأيام، فخير يوم طلعت عليه الشمس وغربت هو يوم عرفة، هذا اليوم العظيم الذي وردت الأحاديث الكثيرة بالحث على الطاعات فيه؛ كما هو الحال في العشر الأوائل من ذي الحجة، فَمِمَّا جاء في فضل هذا اليوم العظيم أن صيامه يكفر السنة الماضية، والسنة اللاحقة؛ ولذلك أيها الأحبابُ شرع صيام يوم عرفة لغير الحاج في دُنيا المسلمين؛ لِمَا وَرَدَ من الحثِّ على الطاعة فيه، وصيامه والإكثار من أعمال الخير؛ فهو يوم ذكَرَه اللهُ في كتابه الكريم، فقال تعالى: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)[الْبُرُوجِ: 3]، وهو قَسَمٌ من الله بهذه الأيام العظيمة؛ الشاهدُ هو يومُ الجمعةِ، والمشهودُ هو يومُ عرفةَ، والموعودُ هو يومُ القيامةِ، وفي هذا اليوم العظيم المبارك يدنو اللهُ -سبحانه وتعالى- من حُجَّاج بيته الكرام، في ذاك الصعيد الطاهر، ويباهي بهم ملائكته الكرام، قائلًا: "انظروا إلى عبادي هؤلاء، جاءوني شعثًا غُبرًا، أُشهِدُكم أني قد غفرتُ لهم"، وفي رواية: "ماذا أرادوا؟"، نعم؛ أرادوا أن يُنفِّذوا أمرَ الله -تعالى-، لأداء فريضة الحج، والوقوف في عرفات الطاهر، هذا الركن العظيم من أركان الحج، وهذا المشعر العظيم الذي من فاته الوقوف فيه فاته الحج في عامه.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ومن فضائل هذا اليوم المبارَك، الذي أكرمنا الله في هذا العام، أن يكون يوم الوقوف هناك في صعيد عرفات الطاهر، وأن يكون كذلك يوم الجمعة في دُنيا المسلمين، فنسأل اللهَ -تعالى- أن يجعل هذا اليومَ الذي اجتمعت فيه خصوصياتُ الزمان والمكان، أن يغفر ذنوبنا، وأن يتجاوز عن سيئاتنا، وأن يتقبَّلَنا مع عباده الصالحين، وأن يمنَّ على أمتنا الإسلاميَّة بوحدة الكلمة وجمع الصف، والنصر المبين؛ إنَّه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وفي مساء هذا اليوم العظيم الكبير يدفع حجاجُ بيت الله نحو المشعر الحرام، يُفيضون مُلَبِّينَ مُهلِّلِينَ مُكبِّرينَ: لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شريكَ لكَ لَبَّيْكَ، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريكَ لكَ، نشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، خير من حج وَصَلَّى وصام، وقال هناك في المشاعر والشعائر: "لتأخذوا عني مناسككم؛ فلعلي لا أحج في عام قادم"؛ ولذلك سميت حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- بحجة الوداع؛ لأنَّه ودع فيها المسلمين، ولم يحج غيرها، بل توفي وانتقل إلى الرفيق الأعلى، في بداية السنة الهجرية، التي تلت الحج، فصلى الله وسلم وبارك على سيد الوجود، الرحمة المهداة من الحق إلى الخلق، وصدق الله العظيم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 107].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: في يوم عرفة يتجاوز الله عن الخطايا والآثام، وما رئي الشيطان أدحر ولا أحقر مما يرى في يوم عرفة؛ لما يشاهد من تنزل الرحمات على عباد الله المؤمنين، الذين لبوا نداء الله، فجاءوا شعثًا غُبرًا مُلبِّينَ؛ لأداء فريضة الحج، حتى قال كثير من العلماء: "إن الله -تعالى- في هذا الموقف يتجاوز عن صغائر الذنوب وكبائرها؛ إذا ما اقترنت النيات بالإخلاص لله -تعالى-، وبالتوبة الصادقة لوجهه الكريم، وطلب المغفرة في ذل وانكسار من الله رب العرش العظيم".

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ويوم عرفة من أيام العشر الأوائل من ذي الحجة، تكثر فيه الحسنات للمحسنين، وتجاب الدعوات للضارعين والداعين، والمتمسكين بحبل الله -تعالى-، والراغبين في عفوه وكرمه، فهو -سبحانه- الذي يُعطي ولا يمنُّ، وهو -سبحانه- الذي يغفر للعباد ما كان لهم، ولا يبالي، وهو -سبحانه- الذي يستجيب دعواتِ الداعينَ، ويُلبِّي دعاءَ المتشبثينَ والراغبينَ، يُجيب دعوةَ المضطر إذا دعاه، فأكثِرُوا -أيها المرابطون في المسجد الأقصى المبارَك وفي هذه الديار المقدَّسة المباركة-؛ أكثِرُوا من التوسل والدعاء لله -تعالى-، أن يفرج كربنا، وأن يَجبُرَ كَسرَنا، وأن ينتصر لنا، وأن يُحرِّر أقصانا ومسرانا وأسرانا، إنَّه على ذلك قدير.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: نعم، إن هذا اليوم والأيام التي تليه هي أيام عبادة، فغدًا هو العاشر من ذي الحجة، وهو يوم النحر، الذي أنزل الله بحقه: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الْكَوْثَرِ: 2]، فكانت صلاةُ العيدِ سنةَ الحبيب المصطفى، -صلى الله عليه وسلم-، وكانت الأضحية التي تُنحَر في يوم العيد يوم النحر والأيام الثلاثة التي تليه عبادة وقربة إلى الله -تعالى-؛ فاحرصوا -أيها المسلمون- على أداء سُنَّة صلاة العيد، وعلى الوفاء بسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بنحر الأضاحي، التي هي سنة أبينا إبراهيم، والذبيح إسماعيل، وهي سنة ماضية في شريعتنا الإسلاميَّة، إلى يوم الدين، فعَلَها حبيُبنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، وفعلها الصحابة الكرام، وحافظ عليها المسلمون، جيلًا بعد جيل، إلى يومنا وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

 

ومن سُنَّة هذا العيد أيها المسلمون: الصلاة أولًا، ثم النحر ثانيًا، وباختيار الأضحية التي تتحقق فيها الشروط، من الأنعام، ولا تجوز الأضحيةُ إلا من الأنعام، من الجَمَل والبقر والغنم بفرعيها؛ الماعز والضأن؛ إذ تكفي البقرة عن سبعة بيوت، والجمل عن سبعة بيوت، والشاة عن صاحب البيت وأهله، وهذه الأضاحي هي بالإضافة إلى كونها سُنَّة، فهي توسعة على الأهل وعلى الفقراء، وعلى الأصحاب والأصدقاء، وإظهارًا لنعمة الله -تعالى- على عباده الطائعين، على عبادة المضحِّين، فاحرصوا على هذه السُّنَّة، وطِيبُوا بها نفسًا، فقد ورَد في الأثر، عن سيد البشر: "يا فاطمةُ، قومي فاشْهَدِي أُضحِيَتَكِ؛ فإنَّه يُغفَر لكِ بأول قطرةٍ دمٍ منها، وإنَّ الدم لَيقَعُ من الله قبلَ أن يقع على الأرض" فطِيبُوا بها نفسًا.

 

نسأل الله أن يتقبلنا في هذه الأيام العظيمة، وأن يغفر لنا، وأن يوفقنا للذكر والدعاء والأضاحي؛ إنَّه سميع قريب مجيب.

 

أقول قُولِي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبيَّ بعدَه، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اقتدى واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

 

وبعد، أيها المسلمون: إنَّ هذه الأيام المباركة هي أيام الذكر، والتسبيح والتحميد والتهليل؛ فأكثِروا من التهليل في أيامكم هذه، واذكروا الله على كل حال، بعد الصلوات، وفي الطرقات، وحيثما تيسَّر لكم أن ترفعوا ذكر الله -تعالى-.

 

وفي هذه الأيام المباركة؛ أيام العيد والنحر، هي أيام لصلة الأرحام، والبر بالأقارب والجيران، وتفقد أسر الأسرى والشهداء والمكلومين، هي أيام التواصُل، وأيام التراحم؛ فأكثروا من فعل الخيرات، وطِيبوا بكل الصدقات والأضاحي نفسًا، فالله طيب لا يقبل إلا طيِّبًا.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: في هذه الأيام العظيمة المبارَكة، لا ننسى أن نُذكِّر المسلمينَ في هذه الديار، وفي كل مكان بشد الرحال إلى المسجد الأقصى؛ لإعماره والتعبُّد فيه والذَّود عنه بكل ما نستطيع، فلا يَخفى عليكم أن المسجد الأقصى المبارَك، مستهدَف من أعداء الله، مستهدَف من قُطعان المستوطنينَ والجمعيَّاتِ المتطرفةِ، من هذا الاحتلال الظالم الغاشم؛ فليكن دائمًا المسجد الأقصى هو عنوان المسلم في كل تحركاته، وفي جميع أعماله؛ كي لا يغيب عن الذهن، ولا يغيب عن القلب، وليبقى حاضِرًا -بإذن الله تعالى- في نفوس وقلوب المؤمنين الصادقين، الذين يعمرونه بكافَّة الطاعات، نسأل الله -تعالى- أن يحفظكم، وأن يحفظ المسجد الأقصى المبارَك، عامرًا بالإسلام والمسلمين.

 

اللهم رُدَّنا إليك ردًّا جميلًا، وهيِّئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات
D5X9zL2nFgDU4p5QYne7EJmtnNdKSVH9WmlAWR4S.pdf
QkVBig7k5XNFQpRUQj64CvO3fPk8gKXW7UHOBT6v.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life