عناصر الخطبة
1/مكانة القرآن 2/من فضائل القرآن 3/من حقوق القرآن علينااقتباس
القرآنِ العظيمِ أبلغُ موعظةٍ وهو أنجعُ الأدويةِ فيه شفاءٌ لما في القلوبِ من الآفاتِ والأمراضِ، وفيه شفاءُ أمراضِ الشبهاتِ، وشفاءُ أمراضِ الشهواتِ، وشفاءُ أمراضِ الأبدان...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
[أَمَّا بَعْدُ]
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ: فيا أمةَ القرآنِ اشكروا الله على نعمه الوفيرة، ومن أعظمها وأَجَلِّها نِعمة القرآنِ، الذي جعلَه اللهُ رَبيعَ قلوبِ أهلِ البصائرِ والإيمانِ.
إنَّه كتابُ اللهِ الحكيمَ يُحْيِي به اللهُ قلوبَ المتقين، (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)[الشُّورَى:52]؛ فكَم من ميتٍ القَلْبِ، أَحْيَا اللهُ تعالى فُؤَادَهُ بتلاوَةِ هذا الكتابِ، (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)[الْأَنْعَامِ: 122]، فلْنَطْلُب حياةَ قلوبِنا بِـتِلاوَةِ كتابِ ربنا وتَدَبُّرِه، فلا أطيبَ ولا أكملَ من الحياةِ بروحِ القرآنِ.
عباد الله: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[المائدة: 15-16]؛ فالقرآنُ نورٌ تُشرِقُ به قلوبُ المؤمنين، ويُضيء اللهُ به السبيلَ للسَّالكين المتقين، وذلك لا يكونُ إلا لمن تمسَّكَ به، فعمِلَ بأوامرِه وانتهى عن زواجرِه.
والقرآنِ العظيمِ: فرقانٌ، يفرقُ الله به بين الحقِّ والباطلِ، وبَيْنَ الهدى والضَّلالِ، قال اللهُ تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)[الفرقان:1]، فرَّقَ اللهُ فيه وبه بينَ المؤمنين الأبرارِ والكافرين الفجارِ، فاحرصوا عبادَ اللهِ على التَّحلِّي بصفاتِ المؤمنين، والتخلي عن صفاتِ الكافرين والفاسقين.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يونس: 57] فالقرآنِ العظيمِ أبلغُ موعظةٍ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37]، وهو أنجعُ الأدويةِ فيه شفاءٌ لما في القلوبِ من الآفاتِ والأمراضِ، وفيه شفاءُ أمراضِ الشبهاتِ، وشفاءُ أمراضِ الشهواتِ، وشفاءُ أمراضِ الأبدان، وهو هدًى ورحمةٌ لمن تمسَّكَ به، يدله على الصراطِ المستقيمِ، ويبيِّنُ له المنهاجَ القويمَ، وسبيلَ المؤمنين.
معاشر المسلمين: من حقِّ كتابُ اللهِ المجيدُ أن نَفرحَ به، فهو من فضل الله علينا، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:57-58]، ومقتضى هذا الفرحِ استشعار أنَّ القرآن نعمة عظيمة، وتعظيمُه وإيثارُه على غيرِه، فإنه واللهِ خيرٌ من كلِّ ما يَجْمَعُه الناسُ من أعراضِ الدنيا وزينتِها.
أيها الأحبة: يحثنا ربنا عز وجل على تلاوة كتابه فيقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر:28-30].
ويحثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلاوته فقال -صلى الله عليه وسلم-: “اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ”(رواه مسلم)؛ فَلْنَسْتَكْثِر مِن تلاوةِ القرآنِ، فإِنَّ فتلاوتَه تجلُو القلوبَ، وتطهِّرُها وتزكيها، وتحملُ المرءَ على فعلِ الطاعاتِ، وتركِ المنكراتِ، وترغِّبُه فيما عندَ اللهِ ربِّ البريات، فَلنَحرِص -عِبادَ اللهِ- على قراءَةِ كِتابِ اللهِ في المصاحِفِ، ولا نستغني عنها بما في أيدينا من تَقْنِياتٍ تشغلنا عنه.
وعلينا -أحبتي- أنْ نَتدبَّرَ مَعَانِيه، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[ص: 29]، وذمَّ اللهُ تعالى المعرضين عن تدبُّرِ كتابِه، فقال جل وعلا: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[مُحَمَّدٍ: 24]، ولا يحصلُ التَّدَبُّرُ والانتفاعُ بالقرآنِ إلا لمن جَمعَ قلبَه عند تلاوتِه وسماعِه، واستشعرَ أنه خطابُ ربِّه جل وعلا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءَ عن بعضِ السلفِ رحمهم الله أنهم كانوا أَحيانًا يَقومونَ الليلَ كُلَّهُ بآيةٍ واحدةٍ، يردِّدُونها ويتدبَّرون ما فيها، وقُدْوَتُهم في ذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: يجب علينا الاستمساكَ بهذا الكتابِ، فقد أمر به الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[الزخرف:43]، ويكون الاستمساكُ بالقرآن باتباعِه، وإحلالِ حلالِه، وتحريمِ حرامِه، والتَّأَدُّب بآدابه، والتحاكمِ إليه، وعدمِ الكفرِ بشيءٍ منه.
ومن حقِّ هذا القرآنِ المجيدِ تعظيمَه وإجلالَه وتوقيرَه، فإنه كلامُ ربِّنا العظيمِ الجليلِ، وقد أجمع العلماء على وجوبِ تعظيم القرآن العزيز، وتنزيهِه، وصيانتِه، والدفاع عنه، فمن استخفَّ بالقرآنِ، أو استهزأ به أو بشيءٍ منه فقد كفر باللهِ العظيم، وهو الخاسر المبين، والمستحق لعقوبة رب العالمين.
فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، وتمسكوا بكتابِ ربِّكم تمسُّكاً صادِقاً، تُرى آثارُه في أعمالِكم وأقوالِكم وأخلاقِكم، وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً، وتدبُّراً وفِكراً، وعِلماً وعَمَلاً، فإنه من اعتصمَ به هُدِي. واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فإنَّه كتابِ الله المجيدِ، جعله اللهُ خاتمَ كتُبِه إلى أهلِ الأرضِ، وهو أعظمُ آياتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بل هو أعظمُ آياتِ الأنبياءِ، أعجَزَ نظامُه الفصحاءَ، وأعْيَت معانيه البلغاءَ، وأَسَرَ قلوبَ العلماءِ، (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)[الزُّمَرِ: 23].
اللهم أَحْيي قلوبنا بالقرآن، وأنِر أفئدتنا بكتابك، ووفقنا لتلاوته وتدبره، وعلمنا منه ما جهلنا، واجعله هاديًا لنا إلى الصراط المستقيم، وارفعنا به في جنات النعيم.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وكُنْ للمستضعَفين منا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَّ عهدِه وأعوانهما ووزراءهما لِمَا تُحِبُّ وترضى، خُذ بِنواصيهم للبر والتقوى، واجعلهم اللهم سلمًا لأوليائك، حربًا على أعدائك، ووفِّقْهم لِمَا فيه خير للإسلام وصلاح المسلمين.
اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لِمَا تحبه وترضاه، اللهم وفقهم لتحكيم شرعك في رعاياهم، والعدل بينهم.
اللهم انصر جنودنا، واحفظ رجال أمننا، برحمتك وفضلك وجودك يا ربَّ العالمينَ.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[الحشر:10].
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا، وَلِوَالِدِ وَالِدِينَا، وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالمسْلِمَاتِ، وَالمؤْمِنِينَ وَالمؤْمِنَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].
التعليقات