عناصر الخطبة
1/بيان الإسلام لأحكام المعاملات بين الناس 2/حفظ كرامة الإنسان 3/بعض مظاهر ظلم العمال 4/حقوق واجبة للعمال.اقتباس
ما بال أقوام يؤخرون حقوق الأجراء والعمَّال، فلا يصرفون رواتبهم بانتظام، بل قد يؤخرونها عدة أشهر، عمَّال قدموا من بلادهم طلباً للرزق، وقد تحمَّلوا همَّ الغربة والبعد عن الأهل والأوطان، لأجل الحصول على لقمةٍ حلال، ثم يماطلهم مماطل في إعطائهم حقوقهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي حرَّم الظلم، وأمر بالعدل والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واتقوا الظلم فإنَّه ظلمات يوم القيامة.
عباد الله: إنَّ من كمال الدين الإسلامي، بيانه لأحكام المعاملات بين الناس بكلِّ وضوح، في نُظُمٍ عادلةٍ لشريعةٍ كاملة، أتمَّ الله بها علينا النعمة، شريعةٌ حفظت حقوق العباد، وحفظت حقوق كبار السن والأطفال، وحفظت حقوق النساء والضعفاء واليتامى والمساكين؛ كما حفظت حقوق العمَّال والخدم، شريعةٌ كاملةٌ حرَّمت كلَّ صور الظلم والاستبداد والتسلط والاعتداء، ولقد حرَّم الله الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرَّماً، قال -تعالى-: (إنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء:40]، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[يونس:44]، وفي الحديث القدسيِّ قال الله -تعالى-: "يَا عِبَادِي: إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا"(أخرجه مسلم).
عباد الله: لقد جاء الإسلام بحفظ كرامة الإنسان سواء كان ذلك الإنسان سيَّداً أو مسوداً أو قويَّاً أو ضعيفاً أو شريفاً أو مُحتَقَراً أو غنيَّاً أو فقيراً، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[الإسراء:70].
عباد الله: إنَّ للعمَّال والخدم حقوقاً يجب أن تحفظ، ومن تلك الحقوق: إعطاؤهم حقوقهم وعدم المماطلة أو التأخير في ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"(أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني). قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نعطيه أجره فورًا؛ لأنَّ الأجير قد يعمل ولا يعرق"، إلى أن قال: "والأجير إنَّما يستحق الأجرة بتمام العمل"(ينظر فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام: 4/ 257).
معاشر المسلمين: ما بال أقوام يؤخرون حقوق الأجراء والعمَّال، فلا يصرفون رواتبهم بانتظام، بل قد يؤخرونها عدة أشهر، عمَّال قدموا من بلادهم طلباً للرزق، وقد تحمَّلوا همَّ الغربة والبعد عن الأهل والأوطان، لأجل الحصول على لقمةٍ حلال، ثم يماطلهم مماطل في إعطائهم حقوقهم، أمَا يعلمون أنَّ بعض العلماء عدَّ ذلك من الكبائر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ"(متفق عليه).
ومن الظلم: أنَّه إذا اشتكى أحدهم من تأخر استلام راتبه هدده بإلغاء عقده وتسفيره، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ"(أخرجه البخاري)، قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "يجب على صاحب العمَّال الذي استأجرهم أن يعطيهم حقوقهم حسب الشروط"(فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر 19/ 298).
كما يجب على الأجير إتقان عمله وعدم الغشِّ فيه، وإنجازه في الوقت المتفق عليه، وعدم تأخيره، قال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: "عمل الأجير أمانة في ذمته، يجب عليه مراعاتها بإتقان العمل وإتمامه والنصح فيه، وأجر الأجير دين في ذمة المستأجِر، وحقٌّ واجبٌ عليه، يجبُ عليه أداؤه من غير مماطلةٍ ولا نقص"(الملخص الفقهي (2/ 151).
عباد الله: ومن حقوق العمَّال والخدم عدم تكليفهم ما لا يطيقون من أعمال، وعدم تكليفهم عملاً لم يكن متَّفَقاً عليه في عقد العمل، وعدم تركهم هملاً ليعملوا في أيِّ مكانٍ بلا حسيبٍ ولا رقيب، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[المائدة: 1] فيجب على المستأجِرِ والأجير الوفاء بما تعاقدا عليه، كل منهما يؤدي ما عليه للآخر، قال الإمام السعدي رحمه الله عند هذه الآية: "هذا أمرٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها"(تفسير السعدي: 218).
معاشر المسلمين: ومن حقوق الأجير: تقديره واحترامه وعدم تحقيره أو إهانته وعدم ذمِّه في لونه وهيئته وجنسيته ولغته، والتعامل معه بالأخلاق الحسنة، قال عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-: "لم يَكُنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا"(أخرجه الشيخان).
ومن حقوق العمَّال والخدم: تعليمهم ما يجهلون من أمور الدين، ونصحهم وإرشادهم إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، ودعوة غير المسلمين منهم إلى الإسلام مع بيان محاسن الدين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ"(أخرجه الشيخان).
معاشر المسلمين: من الآداب في التعامل مع العمَّال والخدم الرفق بهم؛ فإنَّ الرفقَ زينٌ لأهله وخُلُقٌ يؤجر عليه، فارفقوا بهم يُرفَق بكم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ"(أخرجه الشيخان)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ"(أخرجه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ"(أخرجه مسلم). فالرفق -أيها المؤمنون- سببُ كلِّ خير، والله يثيب على الرفق ما لا يثيب على غيره.
عباد الله: لنتذكر ما نحن فيه من النعم والخير العميم، فنحن في بلادنا تأتينا فيها أرزاقنا، وقد كان أجدادنا يتغرَّبون، ويسافرون إلى العراق والشام وبلاد الهند لطلب الرزق، فالحمد لله على ما أنعم به علينا من الخيرات، والشكر له على عطاياه الجزيلات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
التعليقات
محمد
21-10-2019السلام عليكم ألا يوجد ملف لتحميل الخطبة وشكرا لكم