عناصر الخطبة
1/ العفو اسم من أسماء الله الحسنى ومعنى هذا الاسم 2/بعض الأدلة على أن العفو من أسماء الله الحسنى 3/ثلاثة أمور تتعلق باسم الله العفو 4/محبة الله للعافين عن الناس 5/أثر اسم العفو على عقيدة المسلم وأخلاقهاقتباس
اللهُ -تَعَالَى- هُوَ الْعَفُوُّ سُبْحَانَهُ، يُحِبُّ الْعَفْوَ وَالسَّتْرَ، فَيَصْفَحُ عَنِ الذُّنُوبِ، وَيَسْتُرُ الْعُيُوبَ، وَلاَ يُحِبُّ الْجَهْرَ بِهَا، فَهُوَ يَعْفُو عَنِ الْمُسِيءِ كَرَمًا وَإِحْسَانًا، وَيَفْتَحُ وَاسِعَ رَحْمَتِهِ فَضْلاً وَإِنْعَامًا، حَتَّى يَزُولَ الْيَأْسُ مِنَ الْقُلُوبِ، وَتَتَعَلَّقُ فِي رَجَائِهَا بِمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ. وهُنَاكَ ثَلاَثَةُ أُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِاسْمِ اللهِ الْعَفُوِّ؛ فَهُوَ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَو مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى: الْعَفُوُّ؛ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ بِالْعَفْوِ مَعْرُوفًا؛ فَاللهُ كَثِيرُ الصَّفْحِ عَنْ ذُنُوبِ عِبَادِهِ إِلَى مَا لاَ نِهَايَةَ لَهُ، فَهُوَ جَلَّ وَعَلاَ يَتَجَاوَزُ عَنِ الذُّنُوبِ، وَيُزِيلُ آثَارَهَا كَامِلَةً، وَيَمْحُوهَا مِنْ دِيوَانِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ، بَلْ وَيُثْبِتُ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً؛ إِذْ هُوَ سُبْحَانَهُ كَثِيرُ الْخَيْرِ، وَخَيْرُهُ لاَ يَنْقَطِعُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يَقْبَلُ الْعَفْوَ، وَهُوَ الَّذِي بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ يَسَّرَ الْوَاجِبَاتِ عَلَى عِبَادِهِ؛ إِذْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ حِجَابٌ.
وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الاِسْمُ فِي كِتَابِ اللهِ -تَعَالَى-، فَقَالَ: (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)[الحج: 60]، وَقَالَ تَعَالَى: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)[النساء: 149]، وَقَالَ تَعَالَى: (فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)[النساء: 99]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)[المجادلة: 2].
وَلَمَّا كَانَ اسْمُ الْعَفُوِّ دَالاًّ عَلَى سَعَةِ عَفْوِهِ سُبْحَانَهُ عَنْ ذُنُوبِ عِبَادِهِ مَهْمَا بَلَغَتْ، وَمَغْفِرَتِهِ لَهُمْ، وَتَجَاوُزِهِ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ إِذَا لَجَأَوُا إِلَيْهِ؛ أَرْشَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- لِلتَّضَرُّعِ بِهِ فِي الأَسْحَارِ عِنْدَ تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الْمُبَارَكَةِ عِنْدَمَا سَأَلَتْهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي"[رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَالْعَفْوُ وَالْعَافِيَةُ لاَ يَمْنَحُهُمَا إِلاَّ الْعَفُوُّ الْغَفُورُ؛ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَامَ رَسُولُ اللهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: "اسْأَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ"(أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
وَاللهُ -تَعَالَى- هُوَ الْعَفُوُّ سُبْحَانَهُ، يُحِبُّ الْعَفْوَ وَالسَّتْرَ، فَيَصْفَحُ عَنِ الذُّنُوبِ، وَيَسْتُرُ الْعُيُوبَ، وَلاَ يُحِبُّ الْجَهْرَ بِهَا، فَهُوَ يَعْفُو عَنِ الْمُسِيءِ كَرَمًا وَإِحْسَانًا، وَيَفْتَحُ وَاسِعَ رَحْمَتِهِ فَضْلاً وَإِنْعَامًا، حَتَّى يَزُولَ الْيَأْسُ مِنَ الْقُلُوبِ، وَتَتَعَلَّقُ فِي رَجَائِهَا بِمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ.
وَمِنْ حِكْمَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- تَعْرِيفُهُ عَبْدَهُ أَنَّهُ لاَ سَبِيلَ لَهُ إِلَى النَّجَاةِ إِلاَّ بِعَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، وَأَنَّهُ رَهِينٌ بِحَقِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَمَّدْهُ بِعَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَإِلاَّ فَهُوَ مِنَ الْهَالِكِينَ.
وَهُنَاكَ ثَلاَثَةُ أُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِاسْمِ اللهِ الْعَفُوِّ: فَهُوَ يُزِيلُ وَيَمْحُو، ثُمَّ يَرْضَى، ثُمَّ يُعْطِي، فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَزَالَ وَطَمَسَ وَمَحَا ذُنُوبَ عِبَادِهِ وَآثَارَهَا، ثُمَّ رَضِيَ عَنْهُمْ، ثُمَّ أَعْطَاهُمْ بَعْدَ الرِّضَا عَفْوًا دُونَ سُؤَالٍ مِنْهُمْ.
نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا، أَنْ يَرْزُقَنَا الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، وَالْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَكَمَا أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- عَفُوٌّ كَرِيمٌ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ الْعَافِينَ مِنَ النَّاسِ عَنِ النَّاسِ؛ وَقَدْ حَثَّ اللهُ -تَعَالَى- عِبَادَهُ عَلَى الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَقَبُولِ الأَعْذَارِ، فَاعْفُ يَعْفُ اللهُ عَنْكَ، وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَتَصَدَّقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أَثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، فَلَمَّا شَارَكَ الْمُنَافِقِينَ فِي اتِّهَامِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ بِالإِفْكِ، وَبَرَّأَهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَال لعَائِشَةَ، فَأَنْزَل اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النور:22] (رواه البخاري).
فاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى -عِبَادَ اللهِ-، وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلإِيمَانِ بِاسْمِ اللهِ الْعَفُوِّ أَثَرًا فِي عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِ وَأَخْلاَقِهِ؛ فَعِنْدَمَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ بِأَنَّ رَبَّهُ لَهُ كَمَالُ الْعَفْوِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَغْرِسُ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةَ خَالِقِهِ، وَالَّتِي تُثْمِرُ صِدْقَ التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَسُؤَالِهِ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
التعليقات