عناصر الخطبة
1/وجوب تعلم أحكام الصيام 2/حقيقة الصيام ومفهومه 3/شروط وجوب الصيام 5/التحذير مما تبثه القنوات في رمضان من برامج هابطةاقتباس
أما الشرط الرابع: لوجوب الصيام فهو القدرة على الصيام؛ لأن الله -تعالى- لا يكلف نفساً إلا وسعها, أما العاجز عن الصيام فلا يجب عليه, وله صور منها: أن يكون عجزه مستمراً كالكبير والمريض الذي لا يؤمل شفاؤه, فمن هذه حاله لا يجب عليه الصيام...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد: فإن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينتظرون حلول ضيف عزيز يوشك أن ينزل, ضيف طالما اشتاق المسلمون للقياه, واستعدوا له كل بحسب همته ومطمحه, والرابح من أكرمه الله -تعالى- بلقاء هذا الضيف العزيز, واستغلاله بالطاعة والتقرب إلى الله -تعالى- بالأعمال الصالحات.
عباد الله: إن ربنا -سبحانه- شرع لنا صيام رمضان وجعله أحد أركان الإسلام, فكان لزاماً على كل مسلم أن يتعلم من الأحكام ما يتعلق بالصيام؛ حتى يعبد الله -تعالى- على بصيرة, وليؤدي الواجب عليه عن علم ومعرفة, وفرق بين من يتعبد الله -تعالى- عن علم وإدراك وبين من يبني عبادته على مشاهدة الناس, وما يتناقله العوام أو يدعونه, وقد قرر أهل العلم أنه يجب على المكلف تعلم ما تصح به عبادته, والعلم خير كله.
وإليكم -أيها الأحباب- جملة من أهم مسائل الصيام التي لا غنى للمسلم عنها, فلو سئلت -يا عبدالله- عن معنى الصيام فقل: إنه الامتناع عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني حتى غروب الشمس, بنية التعبد لله -تعالى-, فوقت الصيام والإمساك يبدأ من طلوع الفجر وهو وقت دخول صلاة الفجر, والعبرة بدخول الوقت لا برفع الأذان, فلو بكر المؤذن أو تأخر في الأذان فلا عبرة بذلك في الصيام, وكذلك في غروب الشمس.
وحقيقة الصيام الامتناع عن تناول المفطرات خلال وقت الصيام, فمن تناول شيئاً من المفطرات عامداً ذاكراً لصومه لم يصح صيامه, أما الناسي فلا شيء عليه وصيامه صحيح, أخرج البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا نَسِىَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ", وعلى من يرى صائماً يأكل أو يشرب في نهار رمضان أن ينبهه قياماً بواجب النصيحة.
وقد علمنا أن الأعمال بالنيات, فمن صام بلا نية, أو نوى الحمية والتخفيف, أو تقليد الناس فحسب لم يصح صيامه, ولن ينوي المسلم بهذا الصيام أداء الواجب والتقرب إلى الله -تعالى-, أما عن دخول رمضان فإنه يدخل ويجب الصوم بأحد أمرين: إما برؤية هلال شهر رمضان, أو بإكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً, ولا عبرة بالحساب الفلكي كما قرره أهل العلم.
عباد الله: اعلموا أنه يجب الصيام على من توفرت فيه هذه الشروط الستة؛ وأولها: أن يكون مسلماً, فلا تقبل عبادة من كافر, والشرط الثاني: العقل للحديث المعروف عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ"(أخرجه أبو داود وغيره), فالمجنون لا يصح صيامه, أما من أغمي عليه في جميع النهار فلا يصح صيامه ويلزمه القضاء, أما من أغمي عليه جزءاً من النهار فصومه صحيح بشرط أن لا يتناول مفطراً.
والشرط الثالث: البلوغ, فلا يجب الصيام على الصغير حتى يبلغ للحديث السابق, ولكن ينبغي لولي الصغير أن يأمره بالصيام عند استطاعته عليه؛ تمريناً له على الطاعة, ويتأكد ذلك عند اقتراب البلوغ, وقد عمل الصحابة -رضي الله عنهم- بهذا الأدب, فعن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: "وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ"(أخرجه البخاري).
أما الشرط الرابع: لوجوب الصيام فهو القدرة على الصيام؛ لأن الله -تعالى- لا يكلف نفساً إلا وسعها, أما العاجز عن الصيام فلا يجب عليه, وله صور منها: أن يكون عجزه مستمراً كالكبير والمريض الذي لا يؤمل شفاؤه, فمن هذه حاله لا يجب عليه الصيام ولا القضاء, ولكن يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً, ومقدار الإطعام كيلو ونصف الكيلو من البر أو الأرز أو غيرهما من الطعام, وإن شاء صنع طعاماً ودعا إليه من المساكين بعدد الأيام التي أفطرها كما فعله أنس -رضي الله عنه-.
والصورة الثانية: أن يكون عجزه طارئاً كالمريض الذي يؤمل شفاؤه, فهذا يباح له الفطر ويجب عليه القضاء, وضابط المرض الذي يبيح الفطر كما قال أهل العلم: أن يشق عليه الصوم حال مرضه, أو يتضرر بالصوم من حيث زيادة المرض, أو تأخر الشفاء مع الصيام, فمن كانت هذه حاله جاز له الفطر ووجب عليه القضاء, ولو صام في رمضان أجزأه ولا شيء عليه, ومثله المرأة الحامل والمرضع إذا شق عليهما الصوم.
والشرط الخامس لوجوب الصيام: الإقامة, فالمسافر لا يجب عليه الصيام وله الفطر ثم القضاء, وإن صام حال سفره أجزأه ولا شيء عليه, والسفر المبيح للفطر ما عده الناس في عرفهم سفراً, وهو قريب من ثمانين كيلاً كما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء, ومن سافر لأجل الفطر حرم عليه الفطر كما ذكره أهل العلم.
والشرط السادس لوجوب الصيام خاص بالنساء: وهو السلامة من الموانع, ويقصد بذلك الحيض والنفاس, فالحائض والنفساء يحرم عليهما الصيام ويجب القضاء.
هذه -أيها الأحبة- شروط وجوب الصيام, فمتى اجتمعت كلها وجب الصوم, وقد قال ربنا -سبحانه-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 183 - 185].
أقول ما سمعتم, وأستغفرُ اللهَ لي ولكم, فاستغفروه إنهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فلئن كان عباد الله الصالحون يفرحون بقدوم رمضان؛ لمضاعفة العمل الصالح واستغلال الموسم بما ينفع عند الله, فإن هناك صنف من المسلمين يعدون لرمضان ألواناً من الفتن والمغريات, عبر القنوات الفضائية والشاشات المحلية, فلا ينقضي العجب من أناس ينتسبون إلى الإسلام وتراهم يلوثون أجواء رمضان بالعفن الفني والتمثيليات الهابطة, وتتبارى القنوات الفضائية في استقطاب المشاهدين عبر العروض المغرية المثيرة للشهوات والمؤججة للفتنة!.
ويا له من عار حين تستغل هذه المناسبة الإسلامية الغالية والموسم الكريم بمثل هذه الترهات والمغريات, التي تسلب الألباب وتؤثر في أفراد المجتمع المسلم, لا سيما الشباب والفتيات الذين يبقون أسرى هذه القنوات والمشاهد التي تملأ عقولهم بالرذيل من الكلام والفعال, وتقضي على القيم والأخلاق, وتحارب كل أصيل من خلق وتربية وعادات اجتماعية حميدة نشأت عليها أجيالنا وتربى عليها شبابنا, ولكن أين دور المعلمين والمربين والدعاة والناصحين في هذه المعضلة؟ وأين المحاضن التربوية التي تؤوي شبابنا وتغرس فيهم تعظيم رمضان وتربيهم, بما يحقق لهم معاني التقوى المنشودة من وراء الصيام وتشريعه؟ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].
وما لم نتدارك ناشئتنا ونقف معهم في مواجهة هذه الحملات الإعلامية المسعورة اللاهثة وراء الشهوات والفتنة؛ فإننا نخشى أن يأتي اليوم الذي نرى فيه أبناءنا منساقين خلف هذه الفتن والمغريات, ولا نملك حيالهم حولاً ولا طولاً, وإن هذا الأمر لجلل ولا تكفي فيه الجهود الفردية والمحاولات الشخصية, بل إننا لفي حاجة ماسة إلى استنفار كل ما لدينا من الجهود والإمكانات كلٌ بحسبه, وكلٌ وما أعطاه الله -تعالى- من القدرة والولاية, و"كلكم راعِ ومسؤول عن رعيته".
نسأل الله جلت قدرته أن يجنبنا ويجنب مجتمعنا وبلادنا كل شر وأذية, ونسأله -سبحانه- أن يحفظ شبابنا وفتياتنا من كل سوء, ومن دعاة الرذيلة والفجور الذين أخبرنا ربنا عنهم فقال: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)[النساء: 27].
والحمد لله رب العالمين.
التعليقات