عناصر الخطبة
1/التعريف بأشراط الساعة الكبرى وكون ظهور المهدي منها 2/المنهج العلمي في التعامل مع أخبار المهدي 3/الحذر من الخلط بين مهدي السنة ومهدي الشيعة.اقتباس
والمهدي إمام هدى وصلاح يجمع الله به الخير كله للأمة في ذلك الزمان؛ فتكون في سلامة في دينها وخير في دنياها، قال ابن كثير في الفتن والملاحم: "في زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
أيها المسلمون: أشراط الساعة قد تكون صغرى وقد تكون كبرى، وفي هذه الخطبة سنقف مع بعض أشراط الساعة الكبرى، وأشراط الساعة الكبرى: هي علامات الساعة وأماراتها ذات الأحداث الكبرى الجسيمة وهي قريبة من حدوث الساعة؛ إذ على إثرها تقوم الساعة، فأشراط الساعة الكبرى تكون بوابة الساعة الرئيسة، وهي تقع متسلسلة ومتقاربة؛ كحبات العقد، إذا انفرطت حبة تكون الباقي وراءها.
عباد الله: فإن من أشراط الساعة الكبرى التي جاءت بها السنة النبوية ظهور المهدي، وهو رجل صالح، يقيم الله به أمر هذه الأمة بعد إعوجاج عن الصراط شديد البأس، وشطط عن الهدى عميق القعر، وبعد عن الهدى واسع الردى.
والمهدي إمام هدى وصلاح يجمع الله به الخير كله للأمة في ذلك الزمان؛ فتكون في سلامة في دينها وخير في دنياها. قال ابن كثير في الفتن والملاحم: "في زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم، والخير في أيامه دائم".
أيها المؤمنون: لا بد من التنبيه لأمر غاية في الأهمية وبه نصون عقيدتنا من الضلالات والتنكر لها بدعوى العقليات، وهو: أن أحاديث أشراط الساعة الخاصة بأخبار المهدي التي تُروى في المؤلفات المختلفة في هذا المجال ليست كلها صحيحة، شأنها شأن أغلب ما يروى في الكتب عن علامات الساعة الكبرى، قال ابن القيم في بيان ذلك: "منها الصحاح والحسان، والغرائب، والموضوعة".
ومنهجنا في عرض أشراط الساعة هو المنهج الموافق للقرآن والسنة ولعلماء السلف، وهو المنهج الذي يعتمد على الأحاديث الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتجنب الأحاديث الموضوعة والضعيفة في أخبار الساعة؛ لأن أشراط الساعة هي من الغيبيات، والغيبيات لا بد فيها من النقل الثابت، حتى لا يدخل في اعتقادنا الأساطير والخرافات والأوهام، بل تبقى نقية كما جاء بها الوحي.
ومن هنا فإنه لا بد من التأكيد على ورود أحاديث صحيحة ثابتة في الوحي وأخباره؛ لأنه وجد في الأمة من حاول أن ينكر عقيدتنا في المهدي؛ لأسباب متعددة، وتحليلات مختلفة، ووجهات نظر خاصة بأصحابها، ولكنها لا تساوي شيئا أمام المنهج العلمي الحديثي.
نعم، نحن ما يعنينا أن الخبر إذا ثبت في السنة صدقناه وأخذنا به وأظهرناه، ولا نرده بعقولنا وأهوائنا، ولا لأن هناك من انحرف في فهمه أو استغل فكرة ظهور المهدي بطريقة تخدم مصالحه أو فرقته الضالة؛ فهذا شيء نبين ضلاله ونرفضه ونقف في وجهه، ولكن دون أن يدفعنا لرد الأحاديث الصحيحة في المهدي.
قال الشوكاني: "الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا؛ فيها الصحيح والحسن والضعيف، وهي متواترة بلا شك وشبهة؛ بل يصدق وصف التواتر على ما دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضا لها حكم الرفع؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك، وقال محمد صديق خان بن حسن القنوجي في كتابه الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة: "الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف روايتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر المعنوي، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد".
ولقد تبين لنا في الأحاديث الثابتة في المهدي، أن اسم المهدي هو محمد، وأن اسم أبيه عبد الله؛ ففي الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي ومسند أحمد، والرواية لأبي داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ولَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا يَوْمٌ"- قَالَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ: "طَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ"، ثُمَّ اتَّفَقُوا- "حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلا مِنِّي"- أَوْ "مِنْ أَهْلِ بَيْتِي"- يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي".
وأما نسبه فيعود إلى آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة؛ ففي سنن ابن ماجه -والحديث صحيح- عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ فَتَذَاكَرْنَا الْمَهْدِيَّ، فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يَقُولُ: "الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ"، وفي رواية له: عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ"، وفي سنن أبي داود والحديث صحيح عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي، مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ"؛ فالروايات الثابتة -كما هو مبين- تدل على أن نسب المهدي هو من نسل فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم-، فنسبه ظاهر في أنه يرجع إلى بيت النبوة؛ كما تشير الأحاديث إلى أن الله تعالى يهدي هذا الرجل الذي هو المهدي، ويصلح أحواله، ويهيئه ليقوم بدوره الإصلاحي الكبير بعد أن يكون صالحا في ذاته، وهذا واضح في رواية: "يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ".
وهنا نؤكد أن المهدي هو رجل عادي كغيره من الرجال، وليس نبيّا، ولا خارقا للعادة، ولا فوق البشرية، تجري فيه سنن الله في الهدى والصلاح وحمل الأمانة والقيام بالاستحلاف في الأرض.
أيها المؤمنون: هذا الرجل الصالح المهدي بينت لنا السنة النبوية الصحيحة شيئا من صفاته الخَلقية الجسدية وتفيد في التحقق من شخصه، كما بينت لنا كذلك السنة جانبا من دوره الإصلاحي المجتمعي العالمي الكبير، كما بينت لنا الفترة الزمنية التي يُمكّن الله له فيها من قيادة الأمة؛ ففي سنن أبي داود والمسند وصححه الألباني، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمَهْدِيُّ مِنِّي، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ".
وفي مستدرك الحاكم وصححه الألباني، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَخْرُجُ فِي آخِرِ أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ يَسْقِيهِ اللَّهُ الْغَيْثَ، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا، وَيُعْطِي الْمَالَ صِحَاحًا، وَتَكْثُرُ الْمَاشِيَةُ وَتَعْظُمُ الْأُمَّةُ، يَعِيشُ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا"؛ فالأحاديث تبين أن من صفات المهدي الشخصية أنه أجلى الجبهة وهو الخفيف الشعر ما بين النزعتين من الصدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته، وأنه أقنى الأنف؛ أي فيه طول ورقة وحدب في أوسطه.
كما بينت الأحاديث الدور المهم الذي سيقوم به المهدي وهو الدور الإصلاحي العظيم لواقع المسلمين والناس، حيث يأتي في زمان يكون فيه الفساد السياسي والاجتماعي والخلقي والغياب الكامل لقيم العدالة في المجتمعات، وتسلط قوى الشر والباطل والعدوان، فيعينه الله تعالى وينصره وييسر له أسباب القوة ما يستطيع به أن يغير الواقع المظلم إلى واقع يرى فيه الناس العدل والحق والأمانة، وانتشار القيم الصحيحة في واقعهم بما يعود على الجميع بالخير والبركات. وهو إصلاح يقوم به المهدي على منهاج النبوة ويحقق في الناس قيم الكتاب والسنة. ويمكنه الله تعالى في الحكم والإصلاح والدعوة قرابة السبع سنوات، فيسود في عهده الأمان والرخاء وتظهر الاستقامة في الناس، فيجمعون بين الدنيا والدين.
أيها الأخوة: إن الحديث عن ظهور المهدي في مستقبل الأمة، وعن دوره الإصلاحي ليس معناه التواكل ولا التقاعس ولا انتظار المخلّص حتى يأتي، فالمهدي له زمانه ورجاله وأسبابه، والأمة مطالبة في كل زمان بالعمل على تحقيق العبودية لله في الأرض والدعوة إلى الله وإصلاح المجتمعات بالحكمة والموعظة الحسنة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
عباد الله: فإنه لا بد أن ننبه إلى أمر غاية في الأهمية يتعلق بعقديتنا في ظهور المهدي، وهو أننا نحن أهل السنة المتبعين للكتاب والسنة، نؤمن بظهور المهدي الذي جاءت أخباره الثابتة في السنة النبوية، وهو غير ما يعتقده الشيعة الرافضة من ظهور المهدي الخاص بطائفتهم، وهو باعتقادهم هذا الذي بنوه على خرافات وروايات موضوعة يشابهون اعتقاد اليهود وغيرهم من أصحاب الضلالات والأديان المحرّفة الذين اعتقد كل واحد منهم في وجود المهدي الخاص بهم.
يقول ابن القيم: "وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن، الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا، ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا من أكثر من خمسمائة سنة- وهذا منذ زمانه-، فلم تره بعد ذلك عين، ولم يحس فيه بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم!! يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم: اخرج يا مولانا، اخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه، ولقد أحسن من قال:
ما آن للسرداب أن يلد الذي *** كلمتموه بجهلكم ما آنا؟
فعلى عقولكم العفاء فإنكم *** ثلثتم العنقاء والغيلانا
ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم، وضحكة يسخر منهم كل عاقل". وهم يزعمون كذبا وزورا أنه لما يخرج يتوجه إلى المدينة المنورة فيحي الله له أبا بكر وعمر فيقتلهما انتقاما منهما. يا له من تصور باطل فضيع الفرية على الوحي والعقيدة وعلى رب العالمين وعلى رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
نعم، أين هذه الضلالات والخرافات والأساطير الرافضية الشيعية حول المهدي التي لا يتقبلها العقل السليم ولا يقدمها الدين القويم مما عرضناه من خبر الوحي الثابت في السنة النبوية عن المهدي ودوره الإصلاحي.
أيها المؤمنون: لقد وجد في الزمان من استغل عقيدتنا في ظهور المهدي وإخبار الوحي عنه؛ استغلها إما جهلا منه، أو لمصالح سياسية وذاتية وسيادية، فادعى لنفسه أنه هو المهدي وحاول حشد الحشود حوله، وإقناع عوام الناس بأنه هو المهدي المنتظر، ولكن واقعه وحاله تكذبه أخبار الوحي؛ ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ"، قال النووي: "مَعْنَى يُبْعَثُ يَخْرُجُ وَيَظْهَرُ، والدَّجَّالِ وَأَنَّهُ مِنَ الدَّجْلِ وَهُوَ التَّمْوِيهُ وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ هؤلاءخلق كَثِيرُونَ فِي الْأَعْصَارِ وَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَلَعَ آثَارَهُمْ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ".
أيها المؤمنون: حتى لا نضل ولا نهلك باتباعنا أهل الضلالة والدعاوى الكاذبة؛ فإن الواجب الشرعي يتحتم علينا دائما الرجوع لأهل العلم بالكتاب والسنة من أصحاب العقيدة الصحيحة الذين هم على منهج السلف الصالح.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة واجعلها لوجهك خالصة.
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
التعليقات