عناصر الخطبة
1/ظاهرة التكاسل عن الصلاة والتهاون فيها 2/أصناف الناس في تضييعهم للصلاة 3/الحث على صلاة الجماعة /التحذير من التأخر عن الصلاة وعقوبتهاقتباس
ومع أنها خمس صلوات في اليوم والليلة إلا أنك تلاحظ تقصيرا كبيرا من بعض الناس، بل وبعضهم قد لا يؤديها بالكلية تكاسلا، فكيف لو بقيت على ما هي عليه خمسين صلاة؟! أي: ما يقارب كل ساعتين صلاة؛ لرأيت عجز الناس، وضعفهم عن القيام بها...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد الله الهادي إلى سواء السبيل، أحمده وأشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
عباد الله: وصيتي لي ولكم تقوى الله -تعالى- وطاعته؛ فتقوى الله هي خير زاد ليوم المعاد، وبها تتحقق سعادة الدارين؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 71 -70].
عباد الله: إن الصلاة هي عمود الدين، وأهم أركان الإسلام، وقد فرضها الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في السماء ليلة الإسراء والمعراج، وقد فرضت أول ما فرضت خمسين صلاة، ثم من رحمة الله على هذه الأمة أن خففت من خمسين إلى خمس صلوات، وبقيت في الأجر كما هي خمسين صلاة، فما أرحم الله، وما أحلم الله! فقد علمَ ضعفنا وعجزنا وقلة حيلتنا عن القيام بخمسين صلاة، فجعلها خمس صلوات.
ومع أنها خمس صلوات في اليوم والليلة إلا أنك تلاحظ تقصيرا كبيرا من بعض الناس، بل وبعضهم قد لا يؤديها بالكلية تكاسلا، فكيف لو بقيت على ما هي عليه خمسين صلاة؟! أي: ما يقارب كل ساعتين صلاة؛ لرأيت عجز الناس، وضعفهم عن القيام بها، وعن الموازنة بينها وبين أعمالهم ونومهم وسائر حياتهم، ولكن من رحمة الله خففها إلى خمس، فلله الحمد والمنة، فهل بعد هذه النعمة من كفران؟ وهل بعد هذه الرحمة من تقصير؟ أما يستحق الشكر ليلا ونهارا على رحمته بنا، فما أجحد هذا الإنسان، وما أظلمه!.
عباد الله: يقول الله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[البقرة: 43]، فالله -سبحانه وتعالى- أمر بإقامة الصلاة في أوقاتها المحددة، ومع جماعة المسلمين في المساجد، ولا تؤخر عن وقتها إلا لعذر، وإقامة الصلاة هي أن تؤدى بعناية كاملة، بكافة أركانها وشروطها وواجباتها، وطمأنينته فيها، ولكن من المؤسف الشديد أننا نجد الناس تختلف اهتماماتهم من حيث الاهتمام بأداء هذه الصلاة.
فقسم لا يؤدونها بالكلية وهؤلاء على خطر عظيم، فتارك الصلاة -يا عباد الله- كافر، في أصح قولي العلماء، كما أفتى بذلك سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله-، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر"، وتارك الصلاة لا يزوج، وإذ امات لا يغسل ولا يكفن، ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يدفن في الصحراء بثيابه، ولا يرث ولا يورث، نعوذ بالله من حالهم، ومن سوء الخاتمة.
وقسم لا يتمّون ركوعها ولا سجودها وينقرونها نقرا كنقر الغراب للدم، فهؤلاء على خطر عظيم؛ لأنهم ما أدوها كما أمر الله -تعالى-، وكما أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، فهل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما يصلي ينقرها نقرا؟ وهل كان لا يتم أركانها وواجباتها؟ لا والله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِي اللَّه عَنْه-: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: "وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، فَارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فعَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فعلّمه كيفية الصلاة كما جاء في بقية الحديث.(أخرجه البخاري ومسلم)، فانظروا -رحمكم الله- كيف حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على هذا الرجل بعدم صحة صلاته وكلفه بإعادتها؟! وقال له: "فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثلاث مرات، يعيدها ولم تحسب له، مع أنه صلى، ولكن ليس كل من صلى صحت صلاته.
فكيف بمن يتساهل بتمام الصلاة على الوجه المطلوب ولا يتم التسبيحات والتحميدات فيها؟ فهذا سارق، وأخطر سارق، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلاتَهُ"؛ قالوا: وَكَيْفَ يَسْرِقُ صَلاتَهُ؟! قَالَ: "لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلا سُجُودَهَا"، الله أكبر! فهل بعد هذا الحديث يتجرأ أحد على أن يسرق صلاته، أو يتهاون أحد بأدائها؟!.
عباد الله: اسمعوا إلى هذا الحديث وما فيه من ترهيب لمن ينقر صلاته ويستعجل في أدائها، "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِأَصْحَابِهِ ثُمَّ جَلَسَ فِي عِصَابَةٍ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَامَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ لا يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ، وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: "تَرَوْنَ هَذَا لَوْ مَاتَ عَلَى هَذَا لَمَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ نَقَرَ صَلاتَهُ كَمَا يَنْقُرُ الْغُرَابُ الدَّمَ، مَثَلُ الَّذِي يُصَلَّى وَلا يَرْكَعُ، وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ كَالْجَائِعِ لا يَأْكُلُ إِلا تَمْرَةً أَوْ تَمْرَتَيْنِ فَمَا تُغَنِّيَانِ عَنْهُ، فَأَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَوَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، وَأَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ"(حسنه الألباني)؛ "وَوَيْلٌ لِلأَعْقَابِ" يعني: الذين لا يغسلون أسفل القدم تساهلا، ولا يعتنون بغسلها أثناء الوضوء، فهل يرضى أحد أن يموت على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ لا -والله- لا أحد يرضى ذلك، فاعتبر يا من يضيّع الصلاة، ويا من يتهاون بالصلاة بهذا الحديث الشريف.
فانتبهوا -يا معشر المسلمين- الصلاة الصلاة؛ هي أول ما يحاسب عليها العبد يوم القيامة، فمن صلحت صلاته صلح سائر عمله، ومن فسدت صلاته، فسد سائر عمله.
وقسم من الناس: ينامون عن الصلاة المكتوبة سواء الفجر أو العصر أو أي فرض كان، فجزاؤهم هو أن يوكل ملك في قبر النائم عن الصلاة يشدخ رأسه بصخرة حتى تقوم الساعة، فقد ثبت في البخاري "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في رؤيا فقال: "وَإنَّا أتيْنَا عَلى رجلٍ مُضْطجِع، وَإذَا آخرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإذَا هُوَ يَهْوي بِالصَّخْرَةِ لِرَأسِهِ، فَيَشْدَخُ به رأسَهُ، فَيَتَهَدْهَدُ الحَجَرُ هَاهُنَا، فَيَتْبعُ الحَجَرَ فَيَأخُذُهُ، فَلا يَرْجعُ إليْهِ حَتّى يَصِحَّ رَأسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيفعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المرَّةَ الأُولى"، وهكذا حتى تقوم الساعة، فلما سئل -صلى الله عليه وسلم- عنه قيل: "فَإنَّهُ الرَّجُلُ يَأخُذُ القُرآنَ فَيَرْفُضُه، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المكْتُوبَةِ"(رواه البخاري)، فهل يتحمل رأسك يا من تنام عن الصلاة هذا الشدخ بالصخرة في القبر حتى تقوم الساعة؟.
فاتقوا الله -عباد الله- وحافظوا على الصلاة؛ لتنالوا سعادة الدارين، واعتنوا بأدائها تنالوا الرضى من الله.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد الله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
عباد الله: ومن المؤسف الشديد أن هناك بعض لا يهتمون بإقامة الصلاة، ولا بأدائها مع جماعة المسجد، ويتأخرون عن الجماعة دائما، ولا يخرج أحدهم إلى المسجد إلا بعد فوات كثير منها، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"؛ قال الشيخ ابن عثيمين في معنى الحديث: "رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- قوماً يتأخرون في المسجد، يعني: لا يتقدمون إلى الصفوف الأولى فقال: "لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"، وعلى هذا فيخشى على الإنسان إذا عود نفسه التأخر في العبادة أن يبتلى بأن يؤخره الله -عز وجل- في جميع مواطن الخير" اهـ.
فاتقوا الله -عباد الله- واهتموا بصلاتكم -يرحمكم الله-، وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقد قال -جل من قائل عليما-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات