عناصر الخطبة
1/بعض حكم مشروعية تسوية الصفوف في صلاة الجماعة 2/وجوب تسوية صفوف الصلاة وتحريم ذلك 3/التراص في الصلاة وإتمام الصفوف وسد الخلل 4/تأخير الأطفال عن الصف الأول وتحريم ذلك 5/مشروعية اقتراب أولي الأحلام والنهى من الإمام 6/إعادة صلاة المنفرد خلف الصف 7/هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه في إقامة صفوف الصلاة وتسويتهااهداف الخطبة
اقتباس
إن الله -تعالى- شرع للمسلمين إذا صلَّوْا جماعة أن يصفُّوا صفوفاً منتظمة، ولعل من حكمها ومقاصدها أن تذكر المسلمين بما ينبغي أن يكونوا عليه من الألفة والاجتماع والاتفاق على الحق والخير، حتى يكونوا كالجسد الواحد. وشَرع لهذه الصفوف أحكاماً كثيرة نحن في أمس الحاجة إلى العلم بها، والفقه فيها؛ لأننا...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
إن الله -تعالى- شرع للمسلمين إذا صلَّوْا جماعة أن يصفُّوا صفوفاً منتظمة، ولعل من حكمها ومقاصدها أن تذكر المسلمين بما ينبغي أن يكونوا عليه من الألفة والاجتماع والاتفاق على الحق والخير، حتى يكونوا كالجسد الواحد.
وشَرع لهذه الصفوف أحكاماً كثيرة نحن في أمس الحاجة إلى العلم بها والفقه فيها؛ لأننا مأمورون أن نصلي جماعة خمس مرات في كل يوم وليلة.
فمن مسائل الصف في الصلاة:
أولاً: تسوية الصفوف، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" [متفق عليه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-].
ومعنى: تسوية الصف، أن يحاذي المصلي أخاه بعنقه، ومنكبه وكعبه، فيكون الكعب مقابل الكعب والمنكب محاذياً للمنكب، والعنق محاذياً للعنق، كان صلى الله عليه وسلم يقول: "حاذوا بالأعناق".
وقال النعمان بن بشير وهو يصف أصحاب رسول الله، وحرصهم على تسوية الصف، قال: "فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه" [رواه أبو داود].
وقال أنس: "وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه" [رواه البخاري].
وعامة الناس اليوم يظنون التسوية إنما هي بأطراف أصابع القدمين، وهذا غلط مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كما تقدم.
أيها المسلمون: إن التهاون في تسوية الصفوف وإقامتها، وحصول الخلل فيها بتقدم بعض على بعض من أسباب الوعيد، وحلول النَّقِمات الإلهية، ففي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام يريد أن يكبر للصلاة، فرأى رجلاً بادياً صدره، أي أنه متقدم على الصف، فقال: "عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" [متفق عليه].
وفي رواية: "والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم" [رواه أبو داود].
ففي اضطراب الصفوف وعدم تسويتها هذا الوعيد الشديد، وهو الوعيد باختلاف القلوب، وحصول الفرقة والكراهية فيما بينها، وكذلك الوعيد بمسخ الوجوه بتحويل صورها أو طمسها -والعياذ بالله-.
ثانياً: التراص في الصف حتى لا يكون بين المصلي وأخيه فرجة؛ لأن وجود الفرج من أسباب دخول الشياطين بينها، وكأن ذلك -والله أعلم- لإفساد الصلاة على المصلين والتشويش عليهم، ونقص أجورهم وحسناتهم، عن أنس بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحَذَف" أي كأنها صغار الغنم.
ثالثاً: إتمام الصف الأول فالأول، فلا يقام الصف الثاني إلا بعد إتمام الأول، ولا يقام الثالث إلا بعد إتمام الثاني، عن جابر بن سمرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" قلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأول، ويتراصُّون في الصف" [أخرجه مسلم].
رابعاً: مشروعية سد الفرج، فإذا رأيت فرجة في الصف الذي أمامك فتقدم إليه، ولو كنت في الصلاة؛ لأنها حركة يسيرة لمصلحة الصلاة.
وقد رغب الشارع في وصل الصفوف، وسد الفرج ترغيباً كبيراً، عن عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف" [رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني].
وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف الأول، وما من خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها العبد يصل بها صفا" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله" [رواه النسائي والحاكم وصححه].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سد فرجة رفعه الله بها درجة وبنى له بيتا في الجنة" [أخرجه المحاملي وغيره صححه الألباني].
خامساً: اعتاد بعض الناس تأخير الصبية عن الصف الأول مطلقاً، وهذا غلط، فإذا كان الصبي عاقلاً مميزاً، أي تم له سبع سنين، وسبق إلى مكان من الصف فهو أحق به، ففي تأخيره عنه ظلم له كما أن في تأخيره تنفيراً له عن الصلاة في المساجد، وبالمقابل ففي تركه في الصف الأول تشجيعاً له على المسابقة إلى الصلاة.
سادساً: يشرع أن يلي الإمام أولو الأحلام والنهى وهم أهل السن والعلم والفضل لحكم كثيرة، منها: تذكير الإمام إذا نسي واستخلافه إذا قطع صلاته لعارض، وتبليغ من وراءه إذا ضعف صوته، ولغير ذلك من الحكم.
والمعنى أن يبادر هؤلاء إلى التبكير، وليس المقصود إخراج الناس عن أماكنهم التي سبقوا إليها لأجلهم.
سابعاً: من صلى وحده خلف الصف، فإنه يعيد الصلاة، عن وابصة بن معبد -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد الصلاة" [رواه أحمد وصححه ابن حبان].
وفي صحيح ابن حبان عن علي بن شيبان: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم ثم لما قضى صلاته إذا رجل فرد، فوقف عليه نبي الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قضى الرجل صلاته، ثم قال له نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: "استقبل صلاتك، فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف".
ومن أهل العلم من لا يبطل الصلاة إذا كانت الصفوف مكتملة، ولكنّ الموافق لظاهر الأحاديث هو القول بالبطلان، ووجوب إعادة الصلاة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
إن من الأمور الظاهرة من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهدي خلفائه من بعده عنايتهم التامة بإقامة الصفوف وتسويتها قولاً وفعلاً، وهكذا ينبغي أن يكون حال الأئمة في مساجدهم.
وينبغي أيضاً أن يكون المسلم متجاوباً مع هذه التعاليم الإسلامية، فيعتني بالصف، ويتقدم إذا كان متأخراً، أو يتأخر إذا كان متقدماً، ولا يكون قليل المبالاة ضعيف الاهتمام بتسوية الصف، أو تأخذه الأنفة الجاهلية إذا قيل له تقدم أو تأخر لتسوية الصف، فإن هذا من تلاعب الشيطان بالإنسان، وتزيين الباطل له.
عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح" أي كأنما يقوم بها خشب السهام حين تبرى وتنحت لشدة استوائها اعتدالها.
وعن أبي مسعود الأنصاري قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح مناكبنا في الصلاة" [رواه مسلم].
وعن البراء بن عازب: "كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا، ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" [رواه أبو داود].
وعن نافع مولى ابن عمر -رضي الله عنهم-: "أن عمر بن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذا جاؤوا فأخبروه: أنْ قدِ استوت كبَّر" [أخرجه مالك في الموطأ].
وعن أبي سهيل نافع بن مالك الأصبحي عن أبيه قال: "كنت مع عثمان، فقامت الصلاة وأنا أُكلمه في أن يَفرِضَ لي، فلم أزل أكلمه وهو يسوي الحصباء بنعليه، حتى جاءه رجال قد كان وكلّهم بتسوية الصفوف، فأخبروه أن قدِ استوتْ، فقال لي: اسْتَوِ في الصف، ثم كبر" [أخرجه مالك في الموطأ].
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر الناس بإقامة الصوف بألفاظ متنوعة، ومنها: قوله: "أقيموا صفوفكم وتراصُّوا".
ومنها: "سوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة".
ومنها: "أتموا الصفوف فإني أراكم خلف ظهري".
ومنها: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدُّوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فُرجات للشيطان، ومن وصل صفّاً وصله الله، ومن قطع صفّاً قطعه الله".
ومنها: "استووا، استووا، استووا" يكررها ثلاثاً.
وهذا كله يدل على عظيم عنايته بشأن تسوية الصفوف.
أيها الإخوة: بقي التنبيه على أن بعض الأئمة، ربما يقول للناس: "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج".
وقد نبه أهل العلم إلى أن هذا حديث باطل لا أصل له، ولا تحل روايتُه.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- ... الخ.
التعليقات