عناصر الخطبة
1/ أبرز أسباب العزوف عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند بعض الناس 2/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب رئيس من أسباب التمكين في الأرض 3/ فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4/ خطأ بعض الناس في فهم بعض النصوص الشرعية في قضايا الحسبة 5/ الغفلة عن العواقب والأضرار الفردية المترتبة على ترك الحسبة أو التخاذل عنها 6/ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأمة؛ كلّ بحسب استطاعتهاهداف الخطبة
اقتباس
من أبرز أسباب العزوف عند بعض الناس: عدم إدراك حقيقة أهميتها الكبيرة، وفضلها العظيم في الدنيا والآخرة. يغفل كثير من الناس عن حقيقة هذه الشعيرة وأهميتها وما ورد في فضلها العظيم في الدارين ..
الحمد لله...
عباد الله: تكلمنا في الخطبة الماضية عن شبهتين اثنتين مؤثرتين حالت بين بعض الناس وبين شعيرة عظيمة عدها بعض أهل العلم سادس أركان الإسلام ألا وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واليوم كما وعدناكم نتكلم عن بعض منها، ولعلنا نختم الحديث عن باقي الشبه والمعوقات وأسباب العزوف في الخطبة القادمة بإذن الله.
فمن أبرز أسباب العزوف عند بعض الناس: عدم إدراك حقيقة أهميتها الكبيرة، وفضلها العظيم في الدنيا والآخرة. يغفل كثير من الناس عن حقيقة هذه الشعيرة وأهميتها وما ورد في فضلها العظيم في الدارين، ولعلي أذكر شيئًا من فضائلها بإيجاز، فمن ذلك:
1- أنها سبب خيرية هذه الأمة. قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ) [آل عمران:110].قال أبو هريرة رضي الله عنه في تفسيرها: "خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاَسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلاَمِ".
وقال الفخر الرازي (606ه):" المؤثر في حصول هذه الخيرية هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأما الإيمان بالله فهو شرط لتأثير هذا المؤثر في هذا الحكم".
2- أنها تجارة رابحة مع الله عز وجل، وثمرتها الجنة. قال تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآَمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [التوبة: 111-112].
3- أنها سبب رئيس من أسباب التمكين في الأرض. قال تعالى (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج:41]. وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ وَمَفْتُوحٌ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَلْيَتَّقِ الله وَلْيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ».
4- أنها أمان للأمة من العذاب العام المهلك. قال تعالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:116-117].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَاب». وفي لفظ: «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ»..
5- أن المحافظة عليها سبب صلاح المجتمعات وتقويمها وهدايتها لإقامة الشعائر الأخرى. قال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا».
6- أنه تكفّر الذنوب والخطايا. قال صلى الله عليه وسلم: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ».
7- أنها من أنواع الجهاد في سبيل الله. قال صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ - وفي لفظ حَقٍّ - عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ».
المعوق الرابع: الخطأ في تفسير بعض النصوص الشرعية. فللأسف الشديد يعمد بعض الناس لترك هذه الشعيرة متعلقًا بظاهر أحد النصوص الشرعية دون النظر إلى باقي النصوص الأخرى المتعلقة بهذه الشعيرة.فعلى سبيل المثال يتعلق بعضهم بظاهر قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [المائدة:105]، على سلامة موقف من اكتفى بإرشاد نفسه وهدايتها دون السعي لهداية وإرشاد الغير ممن ضل، والحقيقة أن تفسير الآية بهذا خاطئ من عدة أوجه:
الأول: أن من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يسع لهداية الناس لم يهتد، كما ذكر ذلك جمع من الصحابة، والتابعين، والمفسرين. فقد قال جمعٌ من المفسرين قوله: "(إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، والهدى هنا: هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
الثاني: ورود التفسير الصريح لتصحيح هذا المعنى عن أبي بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خشي أن تفهم الآية على غير مرادها فقام خطيبًا في الناس فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَإِنَّكُمْ تَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ، لا يُغَيِّرُوهُ، أَوْشَكَ اللهُ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِعِقَابِهِ».
وثالثًا: أن من قال بهذا قد عطل النصوص الواردة في الأمر والتأكيد على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحلول العقاب والهلاك لمن تركها كقوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [الأنفال:25].وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَاب». وفي لفظ: «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ».
رابعًا: أن الله عز وجل أقسم بخسارة الإنسان إلا من استثناه منهم في قوله تعالى: (وَالعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1- 3]. وتارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يتواصَ بالحق ولا بالصبر فهو ممن عده الله في عداد الخاسرين.
خامسًا: أن تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارك للتعاون على البر والتقوى المأمور به في قوله تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [المائدة:2].ومما يمكن أن يساء فهمه في هذا الباب أيضًا قوله تعالى (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف:164]. فالله عز وجل ذكر نجاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وذكر هلاك أصحاب المنكرات، وسكت عن الفئة الثالثة وهم الساكتون، وهذا يدل على عدم وجوب الإنكار إذ الساكتون أمنوا العقوبة كونهم لم يشاركوا أصحاب المنكرات في منكراتهم.والجواب: أن هذا الفهم مردود من عدة أوجه:-أولها: أن هذه الفئة الساكتة التي قالت:(لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) [الأعراف:164]، هي من عامة الناس فيما يظهر لي، وسؤالها عن سبب الوعظ يدل على أن الفئة الآمرة بالمعروف أعلم منها هذا من جهة.
ومن جهة أخرى أنهم اكتفوا بإنكار تلك الفئة على هؤلاء المعتدين لكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وقد قام به هؤلاء.ومن جهة ثالثة أنهم وإن سكتوا عن الإنكار باللسان فقد أنكروا بقلوبهم، وأبدوا غضبهم وكرههم لفعل هؤلاء وآمنوا بأن الله لن يتركهم بل سيعاقبهم عذابًا شديدًا بقولهم للآمرين بالمعروف: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) [الأعراف:164].
المعوق الخامس: الغفلة عن العواقب والأضرار الفردية المترتبة على تركها أو التخاذل عنها، ومن أبرزها:
1- تحقق الضلال وعدم الاهتداء.قال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، قال الشنقيطي (1393ه): "من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد، وممن قال بهذا حذيفة، وسعيد بن المسيب...".
2- قسوة القلب.ففي الحديث الصحيح: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».
3- حرمان إجابة الدعاء. قال صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لـتأمُرُن بِالْمَعْرُوفِ، ولـتنهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لـيوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ».
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم و...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين....
ومن أبرز أسباب العزوف عباد الله وهو السادس: الجهل بحقيقة العواقب والأضرار الاجتماعية المترتبة على تركها، أو التخاذل عنها، ومن ذلك:
1- انتشار المعاصي والموبقات المسببة هلاك المجتمعات رغم وجود الصالحين فيها. قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِه».
2- تحقق الاختلاف والتناحر. قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)، ثم قال عقبها مباشرة: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 104- 105]. قال ابن كثير (774ه): "ينهى هذه الأمة أن تكون كالأمم الماضية في تفرقهم واختلافهم، وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليهم".
3- زوال وصف الخيرية عن هذه الأمة.4. حرمان الإجابة كما تقدم.
المعوق السابع: الجهل والذهول عن حقيقة العواقب والأضرار الاقتصادية من ذهاب البركات والخيرات. إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لمحق البركة، وحلول الآفة الإلهية وفي هذا المعنى يقول الله جل وعلا: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96]. قال الشنقيطي: "أن الأمة إذا استقامت على الطريقة القويمة شرعةِ الله لفتح عليهم بركات من السماء والأرض".
المعوق الثامن: الغفلة عن إدراك حقيقة العواقب والأضرار الطبية المترتبة على تركها من انتشار الأمراض، أو الأضرار الطبيعية من قلة الأمطار، وحلول الجدب في الأرض. قال صلى الله عليه وسلم: «خَمْسُ خِصَالٍ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ أَنْ تَنْزِلَ بِكُمُ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فَشَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَمَا مَنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْمَطَرَ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ وَيَتَّخِذُوا فِيمَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَّا جَعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ».
المعوق التاسع: الجهل بالعذاب الأخروي المترتب على تركها، ومن ذلك:
1- حصول اللعنة.قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [المائدة:78].
2- حصول الذلة، والهوان، والنسيان. قال تعالى: (المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [التوبة:67]. وقال بعض السلف: "من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة من المخلوقين نزعت منه الطاعة، ولو أمر ولده أو بعض مواليه لاستخف بحقه...".
3- الهلاك. قال صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ » .
معاشر المصلين: الله الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل حسب استطاعته، فالأمر جد خطير إما حياة أو هلاك، إما نصر أو ذلة، وإياكم والانجراف خلف الشهوات والشبهات، فلنرد عليها بكل ما أوتينا من قوة وعلم ولنعلم أننا اؤتمنا، فليؤد كل منا أمانته على الوجه الصحيح.
اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم...
التعليقات