عناصر الخطبة
1/ صورٌ لمنكرات الأفراح 2/ أسباب تلك الظواهر 3/ العلاج وتصحيح المساراهداف الخطبة
اقتباس
زواج هذا العصر محفوفٌ بمجموعة من المخالفات الشرعية، تتنافى مع مقاصده وغاياته، عبر سلسلة من المنكرات، ابتداء من المهور، وانتهاء بالقصور!.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها، وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الأرض فراشاً والسماء بناء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أسمى البشرية سناً وسناء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، فمن اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه.
حينما كان الناس يخافون الله ويتقونه، وحينما كانوا يقدرونه حق قدره ويعظمونه، حينما كان شرع الله حاكماً ومهيمناً على كل تقاليد الناس وسلوكياتهم، يتقبلونه بالرضا والتسليم، وحينما كان مبدأ القوامة ساري المفعول، وكان الناس يتعاملون بالحكمة والعقول، وحينما كان الناس تربيهم المساجد بمواعظها وخطبها، والآيات التي تتلى فيها، حين ذاك، كان كل شيءٍ في الحياة يذكر بالإسلام، معاملاتنا لا غش فيها ولا رياء، ولا خداع ولا تزوير، ولا رشوة ولا حسد، تدخل الأسواق فلا ترى إلا كبيرات السن قد خرجن فرادى تفلات، في حشمةٍ ووقار، وحياءٍ واستتار، وبعدٍ عن الأنظار، ملتصقاتٍ بالجدار، تأتي المساجد فتجدها عامرةً بالمصلين الراكعين الساجدين، الذاكرين المخبتين، ممن قلوبهم معلقة بالمساجد، زيجاتهم تكسوها البساطة والاعتدال، فلا إسراف ولا اختيال، تسودها الأفراح، أفراحٌ بلا بطر، بلا نغمة ولا وتر، كانت كل صور حياتهم ترسم لك الإسلام الحقيقي، والتمسك الصحيح بالمنهج الحق.
أما يوم أن ضعفت هيبة الله في النفوس، وقل الخوف من الله، وغرق الناس في وحل الشهوات، يوم أن أصبحت التقاليد والأعراف مسيطرة على حركات الناس وسكناتهم يرسفون في أغلالها، يوم أن أصبح الناس يتربون على الغثائية والسطحية، والمظهرية الجوفاء، يستلهمون الأخلاق والسلوك من منابع العفن ومستنقعات العطن، من قنوات فضائية سافلة، أو إعلام هابط ومجالس ساقطة، يوم أن أصبحت الكلمة النافذة للسفهاء والضعفاء من النساء والصبيان، وانتزعت الهيبة والقوامة من الرجال، يوم أن أصبح الهوى حاكما، والشهوة رائدة، والمصالح الشخصية غرضا، يوم أن أصبحنا كذلك ظهرت صورٌ من الفصام النكد بين الواقع والواجب، بين ما نعلمه وما نفعله، ظهرت في المجتمع صورٌ من الخلل الأخلاقي، تجلى في مظاهر عديدة من المخالفات الشرعية، يصعب حصرها، والمجتمع يصطلي بلظى آثارها وأخطارها.
ولست في سياق الحصر والعد، وإنما أشير إلى جانب من جوانب حياتنا، تجلى فيه ذلك الخلل، وكان لسلطان العادات والتقاليد عليه أثرٌ بالغ ، ذلكم هو حفلات الزواج.
أيها المسلمون: لقد شرع الزواج لتحقيق غايات نبيلة، وأهداف سامية، شرع لتحصين الفروج، وغض الأبصار، وتحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي، وبناء مجتمع إسلامي يعمر الكون، ويعبد الله، لكن الزواج في عصرنا تحول بفعل العادات والتقاليد وحب المظاهر إلى عنت وعناء، بدلا من تحقيق السعادة والهناء، وأصبح سكّينة بدلا من تحقيق السكينة.
إن الزواج في عصرنا تحكمه عاداتٌ وتقاليد، جعلت منه غاية يصعب الوصول إليها، وجنة لا يصلها الإنسان إلا بدَيْن يورث الهم بالليل، والذل بالنهار.
أيها المسلمون: زواج هذا العصر محفوفٌ بمجموعة من المخالفات الشرعية تتنافى مع مقاصده، وغاياته عبر سلسلة من المنكرات، ابتداء من المهور، وانتهاء بالقصور!.
تبتدئ تلك المخالفات من حين العزم على الزواج يوم أن يفرض على الشباب مهور عالية، وشروط قاسية، فيصبح الشاب رهينا مهينا، إما بهمّ الزواج بتكاليفه الباهظة، أو همّ مواجهة تيار هائج من الفتن والمغريات والشهوات.
لقد فرض الشرع الشريف المهر للزوجة منحة وتقديرا، يحفظ عليها حياءها وخفرها ويعبر عن تكريم الزوج لها، ورغبته فيها، إلا أنه -من جانب آخر- حثّ على يسره وخفته، ففي الحديث: "خير النكاح أيسره مؤونة".
وخطب عمر-رضي الله عنه- فقال: "ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله، كان أولاكم بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ما أصدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأةٌ من بناته، أكثر من اثنتي عشر أوقية".
بل، قد غضب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من كثرة المهر، فقد جاءه رجلٌ من الصحابة يستعينه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "على كم تزوجتَها؟"، قال: على أربع أواق، فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: "على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل" أخرجه مسلم.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار، أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- ولا بناته... فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة، فهو جاهلٌ أحمق، وكذلك صداق أمهات المؤمنين، وهذا مع القدرة واليسار، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة، إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة، وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق. انتهى كلامه.
لقد خلف من بعد السلف خلفٌ سيطر على أفكارهم النظرة التجارية، فتراهم يغالون في المهور، حتى إنه لا يكاد يخرج بعضهم من عقد زواج إلا وهم يتحدثون عن المهر، وكم بلغ من الأرقام القياسية، وترى بعضهم إذا خطب إليه رجلٌ ابنته أو موليته، أخذ يحد شفرته ليفصل بين لحمه وعظمه، فإذا قطع منه اللحم، وهشم العظم، وأخذ منه كل ما يملك، سلمها له وهو في حالة بؤس وفقر شديدين، مثقلا بأوزار الديون، والتي من لوازمها الهموم والغموم التي تكدر عليه صفوه، فتذله بالنهار، وتقض مضجعه بالليل.
إن المغالاة في المهور، والغلو في الشروط، وعدم تيسيرها، أنتجت أسوأ العواقب، فتركت البنات العذارى عوانس وأيامى في بيوت آبائهن، يأكلن شبابهن، وتنطوي أعمارهن سنة بعد سنة، وتعذّر النكاح على جمهور الشباب، بل تعسّر، فعزفوا عنه رغم رغبتهم فيه، وحاجتهم له، وبهذا يعلم مدى شؤم مخالفة مَن هديه خير الهدى- صلى الله عليه وسلم-. فهل من عقلائنا وصلحائنا من يتبنى زواجا ذا مواصفات نبوية؟ ولله در أب كان عونا على عفاف ابنته! ولله در ولي ساهم في تحصين فرج، وغض بصر!.
أيها المسلمون: ويزيد الطين بلة، منكرٌ جديد، وبدعةٌ قذرة، تزيد الشباب أثقالا مع أثقالهم، تلك ما يسمونه بالشبكة، حيث يفرض على الشباب أعباء مالية لا مبرر لها، وتلك -وَرَبِّي!- عادة سيئة استلهمها الناس من تعاليم المسرحيات والأفلام والتلفاز، التي أفسدت كثيرا من أخلاقنا.
وبعد أن يعزم القوم عقدة النكاح، تبدأ سلسلة أخرى من المنكرات والتجاوزات، فباسم الزواج والأفراح كل شيء مباحٌ، فمع الأفراح يكثر الخروج إلى الأسواق لأدنى الحاجات، وأتفه المطالب، وعن الأسواق ومآسيها حدث ولا حرج، هناك نصب الشيطان رايته، وأرسل جنوده.
في الأسواق، يوأد الحياء، وتوطأ القوامة، وتبدأ الخطوات الأولى للانحراف، في الأسواق عباءات متبرجة تصنعها دولة الكفر والإباحية فرنسا، وأخرى يصنعها أو يستوردها قومٌ لا خلاق لهم، وإن تدرعوا بدرع من الالتزام الأجوف، والتدين المظهري، في الأسواق مشاهد لنساء كاسيات عاريات يلبسن العباءة ولكن بشكل يثير الغرائز، ويحرك الشهوات.
في الأسواق نقابٌ فاتن، يبرز ما حسن، ويخفي القبيح، في الأسواق مشاهد لنساء نزعن الحياء، تتحدث إحداهن مع البائع كأنه زوجها أو أخوها، تستعرض الملابس الداخلية وتقيسها أمام الملأ وكأنها في غرفة نومها، سقط الحياء، وتزلزل جبل الخجل من فعلها! في الأسواق نساءٌ يسرن بكل جرأة، أصواتهن تجلجل وتسمع من بعد، يسمعن الجميع تلك الضحكات السمجة، والأحاديث المصطنعة، في الأسواق باعة ذكور في خلقتهم، لكنهم إناثٌ بتميعهم، ولباسهم وحركاتهم وضحكاتهم، وأسلوب كلامهم.
في الأسواق شبابٌ ضائع، لم يأت لقضاء حاجة، وإنما لاقتناص الساذجات، وإيذاء المحصنات الغافلات، في الأسواق كانت بدايات الانحرافات، فمن الأسواق زالت رهبة محادثة الرجال، فبدأت المرأة تتحدث مع الرجل، وترى الرجل، وتتعرض للرجل، وهناك بدأت النظرات تتوالى، والخطوات تتقابل، هناك استعذبت الكلمة، واستنشقت الرائحة، واستطعم الفعل، هناك بدأت خطوات التعثر الأولى:
نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ *** فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ
هناك غالب من جنح من النساء، كانت الخطوات السوداء في حياتهن بدأت من الأسواق، كانت الوسيلة النظرات، والهاتف هو الواسطة، في الأسواق تنقطع الأصوات، ويسقط الحياء، وللشيطان راية.
يا عباد الله: ومن الأسواق إلى المشاغل النسائية، والتي كنا نرى فيها بديلا عن مشاغل الرجال، فإذا بنا نغسل البول بالدم، لم تعد المشاغل النسائية اليوم مكانا لخياطة الملابس، وإنما وكرا لكل منكر من القول والفعل، تسترت باسمها الكوافيرات بما فيها من صور للكافرات، وأنواع للقصات، وزكم الأنوف ما فيها من منكرات.
في المشاغل النسائية نساءٌ كافرات، وتفصيلٌ للملابس المحرمة، فيها يمارس الحرام من نمص وقصات محرمة، وتشبه بالكافرات، فيها تتجرد العروس من كل ملابسها، وتري غيرها ما لا يحل إلا لزوجها، بل في بعضها انتهاكات أخلاقية، واسألوا إن شئتم رجال الهيئات، وهنا أوجه دعوة للغيورين من الصالحين والصالحات، بأن يتبنوا مشاغل نسائية نزيهة تتجنب ما يسخط الله من ألبسة وموضات، وتكون فرصا وظيفية لمسلمات محتاجات.
أيها المسلمون: ومظاهر أخرى مؤلمة، من منكرات أفراحنا، وهي تلك الصور المؤلمة للتبذير والإسراف، والتي تجاوزت الحدود، مما ينذر بعقاب إلهي لإخوان الشياطين، (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء:27].
مظاهر من الإسراف والبذخ تبدأ في شراء الملابس الباهظة الثمن، وتنتهي بمأكولات ومشروبات لا تجد من ينظر إليها، مرورا باستئجار قصور أفراح تزيد أجرتها على مهر شاب يصارع طوفان الشهوة، ومرارة التباهي والتفاخر الممقوت، هذا مع ما يبذل لأجل اللهو والطرب، وما يدفع لبطاقات الدعوة باهظة الثمن، وما يدفع كهدايا ونحو ذلك.
أيّها المسلمون: إنّ الترف والمترفين هم سبب هلاك كلّ أمة؛ (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء:16].
وإن ما نراه من صور التباهي والتنافس المذموم في حفلات الزّواج، لهو جريمة في حقّ المجتمع وفي حقّ كلّ مسلم. لماذا تقام أعراسنا في قصور تقارب قيمتها عشرين ألف ريال، مع إمكانية إقامتها فيما هو أرخص وأجود؟ إنّما هي المظهريّة الزائفة، والتمدن الكاذب، هذا في وقت يعاني فيه إخوان لك من فقر مدقع، وجوع مطبق، أفلا نخشى عقاب الله؟ فهل من عقلائنا من يتبنى زواجا إسلاميا خاليا من مظاهر البطر والأشر، موافقا لهدى خير البشر؟.
ويستمر مسلسل المخالفات والمنكرات في أفراحنا، لنصل إلى سلبيّة فرضها الواقع المألوف، وكان نتيجتها ضياع دين ودنيا، تلكم هي السهر إلى قبيل الفجر، تبدأ زواجاتنا باجتماع عند أهل الزوج، يستمر لساعة فأكثر، يعقبه انطلاق الموكب في مسيرة تخترق شوارع المدينة، فلربما بدأت في غرب المدينة وانتهت بشرقها، لتصل إلى مكان الزواج ، ثمّ يلي ذلك فترة انتظار إلى حين إعداد الطعام، وبعد انتهاء الرجال يبدأ استعداد لطعام النساء، وفي النهاية تبدأ عملية قيصرية لإخراج النساء من القصر، ليجد الإنسان نفسه في الساعات الأخيرة من الليل، مسلسل يتكرر كلّ ليلة تقريبا، وثمنه قتل الأوقات، وضياع العمر في فقرات من العبث والفوضويّة، بينما تجد أهل الكفر ممن هم كالأنعام، بل هم أضل، من أشدّ الناس حرصا على دقائق أوقاتهم!.
ولقد سبق أن طرحت مشروع زواج بلا سهر، تبدأ فعالياته باجتماع عام للجميع بعد صلاة المغرب وبعد صلاة العشاء مباشرة، يكون العشاء للرجال ثمّ للنساء دون تلك الفقرات الهامشية، التي تقتل الأوقات وتزيد في التكاليف، وترهق الجميع، فمن منكم -أيّها العقلاء- يقول: أنا لها! ليسنّ بذلك سنّة حسنة له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وليقضي بذلك على عادات تأصلت وفرضت نفسها، أضاعت علينا ديننا بترك صلاة الفجر، وبنوم في النّهار، وكسل عن العمل، وإنّا لمنتظرون، فمن يعلق الجرس؟.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين؛ إنّه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
أمّا بعد: أيّها المسلمون: فمن صالات الأفراح والقصور تنبعث روائح السفه والتفاهات والقصور، وحبّ الظهور يقصم الظهور، إنّه نتيجة لضعف الغيرة، وقلة هيبة الرجال، وبسبب التأثير المباشر للإعلام بمسلسلاته ومسرحياته التلفازية، وبقنواته الفضائية، وبمجلاته الهابطة، وبكلّ وسائله بدأنا نسمع عن منكرات ومخالفات في حفلات الزواج، لم نكن نسمع بها من قبل.
لقد درستنا تلك الوسائل الإعلامية أنّ الانحلال حلال، وأنّ الكفر فكر، وأنّه لا بدّ من الاستسلام للفساد، إذا فشا وساد.
علّمتنا تلك المسلسلات والقنوات أنّ الحبّ قبل الزواج ضرورة، وأنّ خروج المرأة مع خطيبها في غاية الأهمية، وأنّه لا بأس بخروجها كاسية عارية بملابس فاضحه.
علمتنا أنّ استقبال المرأة لأصدقاء زوجها أمر مألوف، وأنّ الاختلاط لا ضرر منه ولا حرج!.
علمتنا أنّ القوامة تخلف، وأنّ الغيرة تسلط، وأنّ الحرية والإباحية تحضر وتمدن، سلبت هذه الوسائل من المرأة حياءها، ومن الرجال غيرتهم ورجولتهم، ومن الجميع إحساسهم، وكثرة المساس تقلل الإحساس.
إنّه نتيجة لهذه الوسائل المفسدة، فقد نشأت سلوكيات في زواجاتنا، تنبيك عن خلل أخلاقيّ في المجتمع، وتنذرك بانهيار في المبادئ والقيم، لقد سمعنا عن زواجات اختلط فيها الرجال بالنساء، وجلس الزوج مع زوجته أمام النساء، وتمّ التصوير، سمعنا عن زواجات مورست فيها شعائر نصرانية، من إطفاء للأنوار، وإضاءة للشموع، وزفة للعروسين، في ظلّ هذا التحول الأخلاقي عاد إلى الأعراس انحرافها، باستقدام المغنيات والمطربات.
إنّه لا بأس بإعلان النكاح باللهو المباح، بضرب الدفوف أو إنشاد الجواري الصغار، بأشعار مباحة، أمّا الواقع فهو كلام محظور، وغناء ساقط، ومعازف إبليسية، ورفع للأصوات.
في أعراسنا تجلى أثر الدشوش والمسلسلات التلفازية بظهور موجة من الملابس الفاضحة، الكاشفة لما يستحيا من كشفه غالبا، فمتى كانت نساؤنا يكشفن عن الظهور والصدور، إلا يوم أن شاهدن ذلك عبر هذه الوسائل، وتلك -وَرَبِّي!- بداية القطاف لثمر غرقد الدشوش، وحنظل الأفلام، والقادم أمرّ، ما لم يتدارك الأمر.
أصبحت أعراسنا صالات لعرض الأزياء وأنواع التسريحات، ترى في أعراسنا نساء كالدمى، يلبسن كلّ غريب، ويرتكبن كلّ عجيب، ولو كان مضحكا مزريا، في أعراسنا تمارس النساء رقصا مشابها لرقص الكافرات، وهو ممّا جلبته لنا القنوات الفضائية، فهل هذا ممّا تمدح به المرأة، أو يرفع من قدرها؟.
إنّ شعور التبعية النفسية، والإحساس بالنقص، والانخراط في بوتقة التقليد الأعمى، هو الذي يحمل النساء غير الواعيات أن ينسقن بحكم عواطفهنّ وأهوائهنّ في هذا التيار الجارف من أزياء فاضحة، وممارسات هابطه، ولست أدري كيف ترضى المرأة المسلمة أن تنقاد وراء ذلك التيار الآسن، الذي يسلبها خصائصها وأصالتها، ويحيلها إلى مسْخ شامل، باسم الرقي والتحضر والتقدمية؟.
في القصور يمارس التصوير، حيث تخرج الصور لتصبح ألعوبة بأيدي السفهاء، وفي الجوالات الجديدة ذات الكاميرا، خطر أيّما خطر، فكيف حالك يا غيور يوم أن ترى صورة زوجتك أو ابنتك يتبادلها السفهاء في الاستراحات، أو عبر الانترنت؟
فكن على حذرٍ *** قد ينفع الحذرُ
في القصور نساء سقطن ضحية للسِّحْر والعين يوم أن تباهين بجمالهنّ، فكانت الحاسدات لها بالمرصاد، عند القصور حدثت حالات إركاب وخلوة محرمة، وعند القصور كانت مواعيد الساذجات مع الذئاب، والأولياء في غفلتهم يعمهون!.
أيّها المسلمون: أيّها الرجال الشرفاء، أيّها الغيورون النبلاء، إنّ التبعية الكبيرة والمسؤولية العظيمة ملقاة على كواهلكم في المحافظة على أخلاقيات أسركم ومجتمعكم، قبل أن تغرق السفينة، وتذبل الزهرة، لا بدّ من ممارسة القوامة بمفهومها الشرعي، والذي يعني القيام بالمسؤولية في رعاية الأسرة وتربية أفرادها على الخوف من الله ومراقبته، والتحلي بآداب الإسلام وقيمه.
يوم أن ترى زوجتك أو ابنتك وقد اكتست ليلة زواجها بملابس لا ترضي الله، حينها تجرد من عواطفك ومشاعرك، وتذكر أنّ بكاءهم ودموعهم حين تمنعهم منها أهون من بكائهم في يوم يفرّ فيه المرء من أخيه، وأمّه وأبيه، وصاحبته وبنيه، قارن بين بكائهم حينها وتذكر قول الحقّ (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا) [فاطر:37]، وقرِّر، وأنتَ الحكم، ما يمليه عليك دينك وعقلك لا هواك، قاطع كلّ زواج تعلم أنّ فيه منكرا من القول وزورا، ولو فعلنا ذلك لقلت المنكرات بل وتلاشت، ولكن المجاملات قد طغت علينا!.
أيّها المسلمون: وإنّ بعض أصحاب قصور الأفراح يتحملون مسؤولية في بعض هذه المنكرات، فماذا يعني أن يوضع في القصور منصة للعروسين؟ وماذا يعني وجود مكبرات صوت في قاعات النساء؟ فليتقوا الله في أخلاق الأمة! فدرهم من حلال خير من ألف من السحت الحرام.
تلك -أيّها المسلمون- دعوة لأن تكون أفراحنا إسلامية، تقام وفق الضوابط الشرعية، والآداب المرعية، و تكوّن منها بيوت إسلامية تعمر الكون بطاعة الله، وإنّ زواجا أوّله معصية للخالق لحريّ أن تنزع بركته، وأن يسلب أهله التوفيق والوئام، وما كثرة حالات الطلاق إلا نذير بذلك!.
هذه دعوة إلى تصحيح الحال، والرضا بشريعة ربّ العزة والجلال، أوجّهها إلى كلّ من يشعر بانتمائه لهذا الدين، ومن يخشى لقاء ربّ العالمين ، فهل من سامع للدعوة؟ وهل من ملبّ للنداء؟ هذا هو المؤمل والمنتظر من خير أمة ومعشر، مَن إذا دُعُوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم قالوا سمعنا وأطعنا، وأولئك هم المفلحون.
وأخيرا، فإنّ النفس تقف إعجابا وإكبارا لتلك الأسر المسلمة المتحضرة الواعية، تلك التي أحالت زواجها إلى أفراح إسلامية يتخللها الكلمة الطيبة، واللهو البريء، والإنفاق المعتدل، أسر جعلت زواجها في استراحات، وقصرت الدعوة على الأقرباء والقريبات، أسر جعلت من زواجها موسما للدعوة، ومجالا للتوجيه، أسر نزهت أفراحها عن اللغو والفسوق ومنكرات الأفعال والأقوال، فلهذه الأسر نهدي التحايا، ومثلها جدير أن توفق وتسدد.
التعليقات