عناصر الخطبة
1/ الناس من لدن آدم إلى نوح على التوحيد 2/ بداية الشرك الغلو في الصالحين 3/ دعوة نوح قومه إلى ترك الأوثان 4/ انتشار الأصنام في قبائل العرب 5/ الأصنام شرها خطير على المعتقدات 6/ محاربة الأصنام للشرك بكافة صوره 7/ تلبيس الغرب على المسلمين فيما يخص التماثيل التاريخية 8/ تأريخ صنمي بوذا بأفغانستان 9/ بيان عقيدة البوذييناهداف الخطبة
اقتباس
وما زالت هذه الأصنام منتشرة بين القبائل حتى بعثة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ أخرج البخاري من حديث ابن عباس موقوفًا عليه قال: "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وكونوا عباد الله إخوانًا، كما أمركم الله بذلك، فبمقتضى هذه الأخوة تتحابون، وبمقتضاها على الحق تتناصرون، وبمقتضاها تؤدون الحقوق بينكم، فإن الأخوة في الدين أعظم وأقوى من الأخوة في النسب.
عباد الله: لقد خلق الله تعالى الخلق من لدن آدم وهم على العقيدة الصحيحة التي لا تشوبها شائبة، وامتد الأمر على ذلك حتى زمن نوح -عليه السلام-، أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس موقوفًا عليه قال: "كان بين آدم ونوح -عليهما السلام- عشرة قرون، كلها على الإسلام.
فلما جاء زمن نوحٍ وهلك فيه رجال صالحون وحزن عليهم أقوامهم، بدأ الشيطان يحبل الأحابيل لإيقاع البشرية في مهاوي الشرك، ولو كان ذلك على المدى البعيد.
أخرج البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال في قوله تعالى: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) [نوح: 23]، قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عُبدت".
قال ابن القيم -رحمه الله-: "قال غير واحد من السلف: لمّا ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم حال الأمد فعبدوهم، فحينئذ وقع الشرك في الخلق، بعد أن لم يكن معروفًا"، (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) [البقرة: 213].
(وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) [يونس: 19]، فلما وقع الشرك أرسل الله تعالى نوحًا -عليه السلام- إلى الأرض ليطهرها من دنس الشرك، فلبث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل.
فأوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، فعندئذ دعا عليهم نوح فقال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) [نوح: 26، 27]، فأرسل الله عليهم الطوفان فطبق الأرض وما نجا منه إلا المؤمنون الذين ركبوا مع نوح في السفينة، (وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ) [الشعراء: 65، 66].
(وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ) [الصافات: 75-77]، فلما أقلعت السماء وغيض الماء عاش الناس على التوحيد ردحًا من الزمن، ثم دبّ الشرك فيهم وظهرت الأصنام، وكان آخر موطن ظهرت فيه الأصنام هو جزيرة العرب، وكان الجالب للأصنام المغير لدين إبراهيم -عليه السلام- هو عمرو بن لحي الخزاعي، جلبها من أرض الشام، ونشرها في الجزيرة.
أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت جهنم يحطم بعضها بعضًا، ورأيت عمرًا يجر قصبه وهو أول من سيب السوائب".
وما زالت هذه الأصنام منتشرة بين القبائل حتى بعثة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ أخرج البخاري من حديث ابن عباس موقوفًا عليه قال: "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع".
ولقد كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، كلها تعبد من دون الله تعالى، حتى دخل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مكة فاتحًا، فكسر تلك الأصنام وطهّر مكة من الشرك، وانتشر في أرجائها التوحيد.
أخرج البخاري من حديث عبد الله بن مسعود قال: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) [الإسراء: 81]، (جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) [سبأ: 49].
بهذا تبيّن أن الأصنام مبدأ الشرك، وأن الغلو في الصالحين بداية عبادة الأصنام، ولهذا كسرها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ليكسر معها الغلو في الصالحين أو غيرهم، كما كسر إبراهيم الخليل أصنام قوم ليبين لهم عجزهم وضعفهم.
اللهم بصرنا بديننا، وثبتنا عليه حتى الممات.
الخطبة الثانية:
أيها المؤمنون: إن الأصنام شرها خطير على معتقدات الخلق، خصوصًا مع قلة العلم وانتشار الجهل، ولقد حذّر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من الأصنام وأمر بطمسها ومحو آثارها، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله: ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته". وفي رواية: "ولا صورة إلا طمستها".
وأخرج مسلم من حديث عمرو بن عبسة قال: قلت يا رسول الله: بأي شيء أرسلك الله؟! قال: "بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله ولا يشرك به شيئًا".
بل إنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوفاء بالنذر إذا كان في مكان وثن أو عيد من أعياد الكفار، لو انمحت وانطمست آثارها، وذلك لما يجر من المعتقدات الفاسدة، أخرج أبو داود من حديث ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟!"، قالوا: لا، فقال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟! قالوا: لا، قال:" أوفِ بنذرك".
ولقد كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- إرسال البعوث والسرايا لهدم الأصنام والأوثان: فأرسل سرية بقيادة خالد بن الوليد إلى العزى فهدمها وكسرها، وأرسل عمرو بن العاص إلى سواع صنم لهذيل فكسرها بيده، وأرسل علي بن أبي طالب إلى صنم طيء يدعى الفلس، وكان صنمًا منحوتًا على جبل من جبالهم.
وأخرج البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لجرير بن عبد الله: ألا تريحني من ذي الخلصة؟! قال: فنفرت في مائة وخمسين راكبًا فكسرناه، وقتلنا من وجدنا عنده، وأرسل -صلى الله عليه وسلم- سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى مناة الطاغية، فهدماها في مشهد عظيم من أهلها.
وغيرها كثير، ومن بعده هكذا كانت سيرة الخلفاء المصلحين حتى زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأمره معروف مشهود في تحطيم الأصنام والأوثان.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يومًا واحدًا، فإنها شعار الكفر والشرك، وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة".
أمة الإسلام: إن من تهاوي العقول، واندراس العقيدة، والانهزامية في وجه الغرب، زعم بعض المتعالمين أن بعض الأصنام يكون تراثًا، ومناطق سياحية، والإنكار على من أزالها وطمس آثارها.
سبحان الله!! أين يذهب بعقول المسلمين؟!
أصنام تُعبد من دون الله تعالى، يزعم المخرفون أنها من التراث ومعالم السياحة، أو يزعمون أن في إزالتها تشويهًا للإسلام والمسلمين، سبحانك هذا بهتان عظيم.
بل إن في تركها وإقرارها بيانًا ظاهرًا في ضعف المسلمين، وتهاوي عقيدتهم.
عباد الله: إن صنمي بوذا في أدغال أفغانستان من الأصنام المعظمة عند البوذيين، ويرجع تاريخ نشأتهما -حسب زعمهم- إلى ما قبل زمن النبوة، ولا ينقدح في أذهان البعض سؤال يطرحه ضعاف النفوس من قولهم: لِمَ لم يكسره الصحابة ومن بعدهم؟! وقولهم: إن إقرارهم له دليل على جواز تركه.
فنقول: إنه لا حجة مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ذكرنا وأمره بإزالة الأصنام والأوثان وفعل الأنبياء قبله.
ثم إن هذين الصنمين جبلان منحوتان على صورة بوذا، وفي إزالتهما مشقة عظيمة، بل قد تستحيل في تلك الأزمان لقلة الإمكانات، أما وقد ظهرت الآلات الحديثة التي تزيل هذه الأوثان، فيجب إزالتها ويحرم بقاؤها.
فإياكم وخزعبلات المضلين ممن خدعتهم ضلالات الغرب الكافر، وأصابتهم الهزيمة النفسية لبعدهم عن الصراط المستقيم.
عباد الله: إن ما سلف قوله ليس خاصًا بما يحصل في أفغانستان، بل هو عام في جميع أصقاع المعمورة، فكل صنم مهما بلغ حجمه، تجب إزالته وإنكاره سواء كان معبودًا أم مهملاً.
ولعلنا نختم هذه الخطبة ببيان عقيدة البوذيين، ومن هو بوذا؟!
إن البوذية ديانة ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية في القرن الخامس قبل الميلاد، وكانت في بدايتها ذات طابع صوفي يدعو إلى نبذ الترف، والمناداة بخشونة العيش، حتى تحوّلت بعد موت مؤسسها إلى الطابع الوثني، ولقد غالى أتباعها في مؤسسها حتى ألَّهوه.
أسسها رجل لُقِّب ببوذا، وهي كلمة تعني العالِم، نشأ في بلدة على حدود النيبال وفيها نشر مذهبه الفاسد، فلما مات صوروا له الأصنام وعبدوه من دون الله.
وهم يزعمون أن بوذا هو ابن الله، وهو المخلص للبشرية من مآسيها وآلامها، وأنه يتحمل عنهم جميع خطاياهم، وهم يصلون له ويعتقدون أنه سيدخلهم الجنة.
وهم يزعمون أن بوذا لما مات صعد إلى السماء بعد إكمال مهمته، وأنه سيعود مرة أخرى ليعيد السلام على الأرض، وكان بوذا ينكر الألوهية والنفس الإنسانية، ويقول بتناسخ الأرواح.
عباد الله: بعد هذا كله يتضح لنا ما يرمز إليه هذان الصنمان في أفغانستان وما المعتقدات فيهما، أفبعد هذا يقول عاقل: إنهما رمز للتراث والسياحة، اللهم إنا برأ إليك مما يقوله البطالون.
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه...
التعليقات