اقتباس
نعم 300 مليون يحضرون خطبة الجمعة، وهذا الحضور ليس عاديًا، ليس كحضور المحاضرات أو اللقاءات العامة أو حتى المؤتمرات، لكنه حضور من نوع خاص، حضور ألزم فيه الحاضر بالإنصات التام...
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه على يوم الدين وبعد،
فيعتبر دين الإسلام في الوقت الحاضر أسرع الأديان انتشارًا في الأرض، ويقدر عدد المسلمين بنحو مليار و 200 مليون؛ فلو أننا أردنا أن نحسب عدد الرجال الذين تلزمهم صلاة الجمعة وطرحنا عدد النساء والأطفال والرجال الذين لا يحضرون الجمعة إما لمرض أو لعدم تمسكهم بدينهم أو لغير ذلك من الأسباب ولنفترض أنهم ثلاثة أرباع هذا الرقم فسيبقى لنا على الأقل 300 مليون! نعم 300 مليون يحضرون خطبة الجمعة، وهذا الحضور ليس عاديًا، ليس كحضور المحاضرات أو اللقاءات العامة أو حتى المؤتمرات، لكنه حضور من نوع خاص، حضور ألزم فيه الحاضر بالإنصات التام وعدم الحديث مع غيره ولو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قلتَ لصاحبِك يومَ الجمُعةِ أَنصِتْ، والإمامُ يَخطُبُ، فقد لَغَوتَ"(صحيح البخاري:934) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من مسَّ الحصَى فقد لغا"(صحيح مسلم:857)، كما أن الحاضر ليس له الاعتراض على الخطيب ولا مناقشته وهو يخطب! كما رتب الأجر العظيم على الاستعداد لهذا المنبر بالتبكير ففي صحيح البخاري عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “من اغتسَلَ يومَ الجمعةِ، وتَطَهَّرَ بما استطاع َمن طهرٍ، ثمَّ ادَّهَنَ أو مسَّ من طيبٍ، ثمَّ راحَ فلمْ يُفَرِّقْ بينَ اثنينِ، فَصَلَّى ما كُتِبَ لَهُ، ثم إذا خرجَ الإمامُ أنصتَ، غُفِرَ لهُ ما بينَهُ وبينَ الجمعةِ الأخرَى"(صحيح البخاري:910).
هذا المنبر ليس له نظير في أي دين من الأديان أو ملة من الملل، بل حتى ليس له نظير في منابر الدنيا بما فيها المنابر السياسية! هذا المنبر يحضره جميع طبقات المجتمع، الغني والفقير، الرئيس والمرؤوس، الأمي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة والمثقف الذي يحمل أعلى الشهادات! هذا المنبر قد هيء للخطيب تمامًا لكي يغرس في نفوس الحاضرين القيم الإيمانية وتعظيم الله وتعظيم رسوله صلى اله عليه وسلم، ويعظهم ويربطهم بالله والدار الآخرة قال ابن القيم رحمه الله: "كان مدار خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبيين موارد غضبه، ومواقع رضاه، فعلى هذا كان مدار خطبه" (زاد المعاد:1/188)، ولهذا فإن منبر الجمعة فرصة عظيمة للدعوة على الله تعالى، وغرس تعظيم الله تعالى وتعظيم رسوله -صلى الله عليه وسلم- في نفوس الحاضرين، وفي تذكير الناس ووعظهم وتصحيح المفاهيم الخاطئة في الدين ومعالجة أبرز مشكلات المجتمع.
وإذا نظرنا إلى واقع خطباء المسلمين نجد أن كثيرًا منهم لم يعطوا هذا المنبر حقه فغاية ما يفعله بعض الخطباء أن يختار له خطبة مطبوعة لأحد الخطباء ثم يقرؤها على الحاضرين وكأنه يقرأ جريدة، أو أنه يأتي بخطبة وكأنها سواليف مجالس، أو يكون الخطيب له اهتمام بالسياسة وفي كل مرة يأتي بتحليل سياسي لما يقع من أحداث وفق رؤيته! فليس هناك اهتمام بإعداد الخطبة وربما يكون الخطيب غير مؤهل أصلاً للخطبة أو أنه مؤهل لكنه يفتقد مهارات توصيل الفكرة للحضور، ولهذا فإن على المؤسسات الدعوية والجهات المشرفة على الخطباء مسؤولية كبيرة في تأهيل الخطباء، وينبغي أن تجعل المؤسسات الدعوية من أبرز اهتماماتها تأهيل الخطباء المؤثرين وأن تعقد لهم دورات متنوعة؛ دورات في كيفية إعداد الخطبة واختيار موضوع الخطبة وفق المنهج الشرعي الصحيح، ودورات في كيفية إلقاء الخطبة واكتساب مهارات الإلقاء والتأثير.. وهكذا.
ولو أن المسلمين عنوا بهذا المنبر العظيم لكان لذلك أعظم الأثر في توجيه كافة الشعوب الإسلامية وربطها بدينها الحنيف.
أسأل الله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى وأن يبارك في الجهود ويسدد الخطى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
التعليقات
زائر
15-09-2022