عناصر الخطبة
1/بلوغ النبي - صلى الله عليه وسلم- قمَّةَ الكمال البشري 2/كمال خلق النبي - صلى الله عليه وسلم- 3/صدق النبي - صلى الله عليه وسلم-وعدم كذبه 4/صبر النبي - صلى الله عليه وسلم 5/ جود النبي - صلى الله عليه وسلم- وكرمه 6/تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم- 7/رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم- وشفقه 8/حث النبي - صلى الله عليه وسلم-على الأخلاق الحسنة 9/وجوب تعلم أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - والتخلق بهااهداف الخطبة
اقتباس
من تأمَّلَ حياةَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أدركَ بسهولةٍ ووُضوحٍ كيفَ يبرُزُ العنصُرُ الأخلاقيُّ في حياته وتصرُّفاته، في علاقاته ومعاملاته، الصغيرة والكبيرة، والعامة والخاصَّة، والفردية والجماعية والدَّوْلية، وهذه الأخلاقُ وتلكَ الكمالاتُ عنصرٌ لا ينفكُّ عن الإسلام بِحال إلاَّ إذا ضَعُفَ استمساكُ النَّاس بالإسلام الحقيقي الذي بلَّغهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وتمثَّلَهُ في النَّاس. لنستمع -معشرَ المؤمنين- لبعض معالم العَظَمة الأخلاقيَّة في السيرة النبويَّة، لندركَ منزلةَ الأخلاق في حياته صلى الله عليه وسلم، وكيفَ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ربّ العالمين، حمدا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضَى، وأشهد أن لا إله إلا الله، سبحانه، سبّحت له السمواتُ وأملاكُها، والنجومُ وأفلاكُها، والأرضُ وسُكّانُها، والبحارُ وحيتانُها، والنجومُ والجبال، والشجرُ والدّوابّ، والآكامُ والرّمال، وكلّ رطبٍ ويابس: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)[الإسراء:44].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خيرتهُ من خلقه، و أمينُهُ على وحيه، ذو الأخلاق الطاهرة، والبراهين الباهرة، المبعوث بالدّين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأجلاها، وافترض على العباد طاعته وتعزيره، ومحبّته وتوقيرَه، وسدّ دونَ جنّتِه الطرق، فلن تفتح لأحدٍ إلاّ من طريقِه، صلى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين وسلّم.
ثم أما بعد:
معشر المؤمنين: قضى ربنا -سبحانه- أن تكونَ رسالةُ الإسلام خاتمةَ الرسالات جميعًا، وهي لذلك تحوي من العظمة والشمول والكمال والعَالمَيِة بحيثُ لا يحملُها إلا الرَّجُلُ الذي يُطيقُ تبليغها، وتُطيقُ شخصيَّتُهُ تلقّي أحكامِها الجليلةِ، وما تدعوا إليه من الكمالات والأخلاق.
وقد كان محمَّدٌ –صلى الله عليه وسلم- هوَ الشخصَ الذي يستحقُّ هذا المقام، وعلمَ اللهُ منهُ ذلكَ، فاصطفاهُ لتبليغها واجتباه، ولذلكَ أثنى عليه ثناءً فريدًا يدلُّ على ذلك، فقال سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم)[القلم: 4].
وهي شهادةٌ من الله العلي العظيم على بلوغ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قمَّةَ الكمال البشري في مكارم الأخلاق والفضائل، والطهارة النفسية، وهو ما جعلهُ يُطيقُ عظَمَةَ الرسالة وكمالَها والصبرَ على تبليغها للعالَمين.
من تأمَّلَ حياةَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أدركَ بسهولةٍ ووُضوحٍ كيفَ يبرُزُ العنصُرُ الأخلاقيُّ في حياته وتصرُّفاته، في علاقاته ومعاملاته، الصغيرة والكبيرة، والعامة والخاصَّة، والفردية والجماعية والدَّوْلية، وهذه الأخلاقُ وتلكَ الكمالاتُ عنصرٌ لا ينفكُّ عن الإسلام بِحال إلاَّ إذا ضَعُفَ استمساكُ النَّاس بالإسلام الحقيقي الذي بلَّغهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وتمثَّلَهُ في النَّاس.
لنستمع -معشرَ المؤمنين- لبعض معالم العَظَمة الأخلاقيَّة في السيرة النبويَّة، لندركَ منزلةَ الأخلاق في حياته صلى الله عليه وسلم، وكيفَ أحاطت بجميع حركاته وتصرفاته.
محمّدٌ -صلى الله عليه وسلم-: الرجُلُ الذي بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمين، لم يكذب في حياته كَذبةً قط، لا جادًّا ولا مازحَا، لا مسالمًا ولا مُحاربَا، ولم يخُن ولم يغدر قبل البعثة ولا بعدها، وقد كان يلقّبُهُ قومُهُ بالصادق الأمين، لاشتهاره بالصدق وعدم الكذب، ففي البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لما نزلت: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: 214] خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى صعد الصفا، فهتف: "يا صباحاه"، فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه: فقال: " أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟" قالوا: "ما جربنا عليك كذبا.. " [البخاري 4770)].
والشاهدُ أنّهم شهدُوا لهُ بالصدق، وما جرَّبُوا عليه الكذبَ مطلقَا، وهذا من أعظم دلائل عظم الأخلاق وجلالها، وإنَّ العبدَ الصالحَ تشهدُ عليه سيرتهُ قبل الهداية بالرجولة والعفاف والطُّهر، فإذا ما عرفَ الهدايةَ واستقامَ عليها ازدادَ عفافًا وصدقًا وطهارةً وارتقاء، وصدقَ صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" [رواه مسلم].
محمّدٌ -صلى الله عليه وسلم-: أعظمُ النَّاس صبرًا، وأوسعُهُم صدرًا، وأثبتُهم قلبًا، فقد صبرَ على اليُتم والجوع والفقر والعَوز، وكان يأكلُ من كسب يده قانعًا متعفّفَا، قال كما في البخاري: "لقد كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة".
وصبرَ عليه السلام على تجهُّم القريب وتكالب البعيد، صبر على قتل القرابة، والفتك بالأصحاب، وتشريد الأتباع المؤمنين، والطرد من الوطن، صبر على الكلمة النابية، واللفظة الجارحة، والإيذاء المتعمَّد، والاتهام بالجنون والسحر، ولم يجعل شيئًا من ذلك يُثنيه عن السبيل!.
محمّدٌ -صلى الله عليه وسلم-: أجودُ النَّاس وأكرمُهم وأسخاهُم، يُعطي -عليه السلام- عطاءَ من لا يخشى الفقر، سألهُ سائلٌ ثوبًا كان عليه فأعطاه إياه؛ ففي حديث سهل الساعدي -رضي الله عنه-: أن امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببردة، فقالت: يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي لأكسُوكَهَا، فأخذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محتاجا إليها، فخرج علينا فيها وإنها لإزارُهُ، فجاء فلان بن فلان فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه البردة أكسنيها؟ قال: "نعم" فلما دخل طواها وأرسل بها إليه.. " [صحيح: سنن ابن ماجة 3555)].
وإنه لعملٌ جليلٌ يدلُّ على عظيم الخلق وجميل الأدب!.
محمّدٌ -صلى الله عليه وسلم-: أشدُّ الناس تواضُعًا على المنزلة التي رفعَهُ اللهُ إيَّاها، جاءه وفدٌ من بني عامر، فقالوا: أنت سيدنا، فقال: "السيد الله -تبارك وتعالى-" فقالوا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا فقال: "لا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشيطان" [صحيح: سنن أبي داود 4806)].
"لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله"[البخاري].
محمّدٌ -صلى الله عليه وسلم-: كان يتواضعُ للمؤمنين، ويحب المساكين، ويقف مع العجوز، ويزور المريض، ويمسح على رأس اليتيم، ويداعب الأطفال ويسلم عليهم في الطريق، كان يركب الحمار، ويجلس على التراب والحصير، وكان يقول: "إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد" [صحيح الجامع: 7)].
محمّدٌ -صلى الله عليه وسلم-: كان أرحمَ الناس بالناس، عزيزٌ عليه أن يُدخلَ عليهم المشقَّة، وربما أراد أن يُطيلَ في الصلاة فيسمع بُكاء الطفل فيُخفّفُ لئَلاَّ يشُقَّ على أُمّه. بكت أُمامةُ بنتُ زينبَ ابنتِهِ فحملها، وهو يصلي بالناس - كما في البخاري-، فإذا سجدَ وضعها، وإذا قام رفعها. [البخاري ومسلم].
أيها الإخوة في الله: تلكَ قطوفٌ يسيرة جدًّا من بستان أخلاقه صلى الله عليه وسلم، تفتحُ لنا بابَ التفكُّر في الموضوع، وهي تدلُّ على الوصف العظيم الذي خصَّهُ اللهُ به وشرَّفه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم)[القلم: 4].
نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة في الله: لقد علّمنا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ أثقلَ شيء في الميزان يومَ القيامة الخُلُقُ الحسن، وعلَّمنا بحياته وسيرته أن حدودَ الخُلُقِ الحسنِ، والأدبِ الجميل، تتسع لتشمل كل أقوال العبد وأعماله وأحواله، بينه وبين الله -تعالى-، بينه وبين العباد، بل بينه وبين الكون والجماد!.
فعلَّمنا بذلك خُلُقَ الإخلاص والخشية والمحبَّة في التعامل مع الله، وخُلُقَ الصدق والرحمة والأمانة في التعامل مع الناس، وخُلُقَ إماطة الأذى عن الطريق، والرفقَ بالحيوان عندَ الذبح
وعلَّمنا صلى الله عليه وسلم أنَّ جميع ذلكَ مرتبطٌ بالإيمان ارتباطًا أساسيًّا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه"[رواه البخاري].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير" [الصحيحة: 73)].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار" [الصحيحة: 1058)].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"[صحيح الجامع: 6106)].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين" [رواه مسلم].
علَّمنا صلى الله عليه وسلم أنَّهُ لا يُمكنُ أن ينفصلَ الخُلُقُ الحسَنُ من حياة المسلم إلاَّ إذا انفصلَ بكيانه عن حقيقة الإسلام والإيمان، ولذلكَ لخَّصَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- رسالتهُ العظيمة في هذا الهدف النبيل، فقال: "إنما بُعثتُ لأتَمّمَ مكارم الأخلاق" [الصحيحة: 45)].
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل، وتصَّدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لا خير فيها، هي من أهل النار" قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتَصًدًقُ بأثوار، ولا تؤذي أحدا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هي من أهل الجنة"[الصحيحة: 190)].
أيها الإخوةُ في الله: حقٌّ على كلّ من آمن بالله ربًّا، وبمحمَّد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاَ أن يتعلَّمَ أخلاقَهُ صلى الله عليه وسلم، وأن يسعى لتمثُّلِها في حياته وعلاقاته، فإنَّها من الإيمان، وإنَّهُ لا يزالُ المسلمُ يأخذُ بمعالي الأخلاق ومكارمِ الشَّمائلِ، حتى يفوزَ بجوار النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الجنَّة، ويكونَ عندَ الله -تعالى- أفضلَ من الصائم القائم، ولا يزالُ المسلمُ تفسُدُ أخلاقُهُ وتسوءُ، حتى يدفعَهُ ذلك باستدراج الشيطان إلى الخُروج من شُعب الإيمان، وشرائع الإسلام واحدةً بعدَ واحدة.
نسألُ الله التوفيقَ إلى ما يحب ويرضى.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
وصل اللهم وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه والتابعين.
التعليقات