مع أول الرسل نوح عليه السلام

راكان المغربي

2022-09-05 - 1444/02/09
عناصر الخطبة
1/كيف بدأ الانحراف في البشرية؟ 2/نوح أول رسول إلى البشرية ليعيدها إلى التوحيد 3/دعوة نوح عليه السلام على قومه وصبره عليهم 4/إعراض قوم نوح عن دعوته وحلول العذاب عليهم 5/ موقف نوح عليه السلام من ابنه الهالك 6/اعتذار نوح عليه السلام عن الشفاعة للخلق يوم القيامة.

اقتباس

فلئن انتفش الباطل مدة؛ (فاصبر إن العاقبة للمتقين)، ولئن هُزم الحق حقبة (فاصبر إن العاقبة للمتقين)، ولئن طغى الكفر والفجور برهة (فاصبر إن العاقبة للمتقين).

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: خلق الله آدم على الفطرة والتوحيد وعبادة الخالق الواحد -عز وجل-، وكان التوحيد هو دينه ودين أبنائه، يعبدون الله ولا تتوجه قلوبهم إلى غيره -عز وجل-، وظلوا على ذلك عشرة قرون، والأرض لم تعرف الشرك ولا أهله..

يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على ملة الحق".

 

ولكن يا ترى! هل سيتركهم إبليس على ذلك؟!

إبليس الذي توعد آدم وذريته من بدء خلقه حين قال:  (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ).

 

بدأ إبليس يحرض على أول انحراف عن التوحيد في تاريخ البشرية، يضل الناس بأساليبه وتزيينه وتضليله، وكانت الحيلة أنه كان في قوم نوح عباد صالحين هم ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر , "وَكَانَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ يَقْتَدُونَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَاتُوا قَالَ أَصْحَابُهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِمْ: لَوْ صَوَرناهم كَانَ أَشْوَقَ لَنَا إِلَى الْعِبَادَةِ إِذَا ذَكَرْنَاهُمْ. فَصَوَّرُوهُمْ، فَلَمَّا مَاتُوا وَجَاءَ آخَرُونَ دَبَّ إِلَيْهِمْ إِبْلِيسُ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَبِهِمْ يُسْقَوْنَ الْمَطَرَ، فَعَبَدُوهُمْ".

 

فجرهم الشيطان بخطواته خطوة خطوة حتى وقع أول شرك على وجه الأرض..

 

وهذا هو سبيل الشيطان اللعين وهذه هي غايته العظمى.. فلن يبرح يضل الناس عن الله ويجرهم بخطواته حتى يوقعهم في الشرك والكفر، ولذا قال ربنا محذرا: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).

 

وفي ذلك الحين أرسل الله نوحا ليكون أول رسول إلى أهل الأرض، وليصحح الانحراف الذي وقع في البشرية.. بدأ نوح -عليه السلام- يبلغ رسالات الله، وكله رحمة وشفقة على أولئك الأقوام الذين وقعوا في الشرك.. كان يخاطبهم خطاب الحريص المشفق عليهم؛ (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

 

بدأ يؤمن مع نوح نفر قليل يستجيبون له وكانوا من الضعفاء والفقراء، وأما عامة القوم وساداتهم فاتخذوا سبيل الإعراض والاستكبار عما جاءهم من الهدى والرشاد، فآثروا أهواءهم وشهواتهم وحظوظ أنفسهم؛ (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ).

 

أخذ نوح يوضح لهم حقيقة دعوته وأنه لا يريد منهم مالا ولا جاها ولا يدعي أنه أرفع منهم خَلْقاً؛ (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ).

 

لم ينفعهم نصحه ولا تذكيره ولا شفقته عليهم، بل زادوا عنادا وكبرا.. ملوه وملوا كلامه وملوا دعوته؛ (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَاءَ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ * وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

 

ظل نوح على هذه الحال يغشى المجالس ويجالسهم جماعات وفرادى فلا يجد إلا الصد والإعراض إلا قليل ممن ءامن معه..

 

ظل على هذه الحال ألف سنة إلا خمسين عاما، تسعمائة وخمسين عاما، ثم يقول الله: (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)، وأكثر ما قيل في عدد من آمن معه أنهم ثمانون نفسا رجالا ونساء، أي أنه بمعدل كل اثني عشر سنة تقريبا يؤمن واحد فقط.

اسمع له وهو يناجي الله فيصف دعوته وجهوده ونصحه لقومه، ثم ما قابلوه هم من الإعراض والتكذيب؛ (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا).

 

وبعد أن لبث هذه القرون كلها في الدعوة والبلاغ، أوحى الله إليه أنه (لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ).

 

يئس من إيمانهم، فرفع يديه داعيا ربه أن يطهر الأرض من هؤلاء المجرمين (وَقَالَ نُوحٌ  رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)؛ فاستجاب الله له بعد كتب على القوم الضلال، وكان منهم زوجته وابنه..

 

(وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ  -فيرد عليهم نوح وكله ثقة ويقين بنصر الله له- قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ * حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ).

 

وحانت اللحظة وأتى الفرج بعد ألف سنة إلا خمسين عاما من التعب والكد في سبيل الله، وفار التنور وأمر نوح أتباعه بصعود السفينة؛ (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ).

 

وبدأ الطوفان العظيم يبتلع الأرض ومن عليها؛ (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ).

 

لا زال في غوايته ولا زال الشيطان يغره ويخدعه! أبعد أن رأيت هذه الآية تظن أنك تفر من أمر الله؟

فيرد عليه نوح لعله وهي الفرصة الأخيرة لنجاة ابنه: (قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ).

 

غرق ابن نوح وغرق كل من كفر به وعادت الأرض إلى طهرها ونقائها.. (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

 

لكنّ نوحا بقي في نفسه شيء! نعم لقد فرح بالنصر، لكنه في نفس الوقت حزن لغرق ابنه فهو بشر يرق له كما يرق الناس لأولادهم.. (وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ).

 

فيأتي العتاب من الله ليوضح أنه لا محاباة في دين الله وأنه لا ينفع الإنسان نسب ولا حسب ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.. (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ).

 

فيرجع نوح إلى ربه منكسرا خاضعا ذليلا خائفا من فعلته التي فعلها وهو من هو.. (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ).

 

ثم يتوجه الخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولأمته من بعده ليؤكد له الدرس الأعظم من هذه القصة؛ (تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ).

 

فلئن انتفش الباطل مدة؛ (فاصبر إن العاقبة للمتقين)، ولئن هُزم الحق حقبة (فاصبر إن العاقبة للمتقين)، ولئن طغى الكفر والفجور برهة (فاصبر إن العاقبة للمتقين).

 

اصبر صبر نوح وادع إلى ربك دعوة نوح وأيقن بالنصر المبين؛ (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ).

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المؤمنون: سيموت الناس أنا وأنت وكل الخلق، ثم سنخرج جميعا سراعا مبعوثين من القبور، وسنقف في المحشر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيأتي الناس آدم يستشفعون به فيدلهم على نوح عليه السلام..

 

نوح! ذلك الذي سمعتم من أمره ما سمعتم.. أول الرسل.. لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما.. ما ءامن معه إلا قليل.. من أولي العزم من الرسل.. وغير ذلك..

 

يقصده الخلق كلهم في ذلك اليوم ويقولون له: "يا نوحُ أنتَ أوَّلُ الرُّسلِ إلى أَهلِ الأرضِ وقد سمَّاكَ اللَّهُ عبدًا شَكورًا اشفع لنا إلى ربِّكَ ألا ترى ما نحنُ فيهِ ألا ترى ما قد بلَغنا فيقولُ لَهم نوحٌ إنَّ ربِّي قد غضبَ اليومَ غضبًا لم يغضبْ قبلَهُ مثلَهُ ولن يغضبَ بعدَهُ مثلَهُ وإنَّهُ قد كانت لي دعوةٌ دعوتُها على قومي نَفسي نَفسي نَفسي اذْهبوا إلى غيري...".

 

فأي خوف سيكون في ذلك اليوم، وأي تعظيم في قلب نوح من ربه حتى يخاف أن يعاقبه الله على دعوة دعاها على قوم كفار مجرمين بعد تسعمائة وخمسين عام من الصبر عليهم وعلى كفرهم وأذاهم..

 

فأي إخواني! لمثل ذلك اليوم فأعدوا..

 

اللهم ارحم أحوالنا واغفر تقصيرنا وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.

 

اللهم أبرم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك ويعافى فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر

 

المرفقات
ZG38Ic5ttmnFvW4lPiwIdgBCjJVmYU4Q40QiDyj4.pdf
cxKhY5YJnKQqE0YsvnmpQyrmeWuNuZKfIo5e8eCH.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life