عناصر الخطبة
1/خطر إهمال قسمة تركة الإنسان بعد موته 2/حث الإسلام على المبادرة بقسمة التركة بين الورثة 3/بعض الآثار الناجمة عن إهمال الورثة لقسمة التركة 4/أسباب إهمال الورثة لقسمة التركة 5/علاج مشكلة إهمال قسمة الورثة للتركة 6/جهود وتضحيات رجال الأمن ضد الروافض 7/بعض ما يجب علينا تجاه رجال الأمن 8/تذكير الأغنياء بواجباتهم تجاه إخوانهم الفقراءاهداف الخطبة
اقتباس
التركةُ أمرُها عظيم، والنزاع بسببها كثيرٌ وشنيع, ولأجل ذلك تكفَّلَ سبحانه بتحديدِها وتوزيعها، ولم يَكِلْها إلى عباده؛ لعلمه أنهم لن يُوزعوها بالعدل والإنصاف. وكلُّ هذا الاهتمام لأجل الحفاظ على الترابط بين الأسرة، وإزالة أسباب الخلاف والشقاق بين الورثة، ولذا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، فتقواه سبحانه تستجلب رضاه, ومن رضي عنه فما أسعده وأهناه.
معاشر المسلمين: توفي أحدُ رجال الأعمال, وكان قد خلَّفَ تركةً تُقدّر بمئات الآلاف, من بُيُوت وفُرشٍ وبُسط وأمتعة, وطال الزمن عليها, ولم يُحرّك أحدُ الورثة ساكنًا, حتى إنَّ الكثير من الأمتعة فسدت وتلفت, وهي تُقدّر بعشرات الآلاف, فبدلاً مِنْ أنْ يبيعوها ويقسموها على المحتاجين من الورثة وغيرِهم, أهملوها ليأكلَ عليها الزمنُ, وتكونَ طعامًا لدوَابِّ الأرض.
إنّ تعطيل كثيرٍ من الأملاكِ بعد وفاةِ أصحابِها, لَهِيَ ظاهرةٌ مُنتشرةٌ.
بل هُناك أملاكٌ مضى عليها عشراتُ السنين, تحتلّ مساحةً كبيرةً في وسط البلاد وعلى أطرافِها, ولم يستفدْ منها الأحياءُ ولا الأموات.
إنّ الورثةَ الذين لا يُبادرون إلى توزيع التركة, يكونون قد جنوا وظلموا الميّتَ, وبقيّةَ الورثةِ والمسلمين أيضًا.
فأما ظلمهم للميت, فبحرمانِه مِن الأجر الذي سيحصل عليه في قبره, من هذا المال, الذي سينتفع به الفقراء والمحتاجون من الورثة.
وأما ظلمهم لِبَقيّةِ الورثة, فبحرمانهم من نصيبِهم من التركة, وهم بأمسّ الحاجة إليها.
فكم في الورثة من فقيرٍ ومُحتاج, يُمنعون من حقّهم, بسبب تقاعس المسؤولين عن التركة, أو بسبب خلافاتهم.
فما ذنبُهم وما ذنبُ أبنائهم, يُحرمون حقًّا من حقوقهم؟
وأما ظلمهم لِلْمُسلمين وعامّة الناس, فبحرمانهم من عقاراتٍ وأراضٍ يستفيدون منها, فكم من شركةٍ سعت في شرائها, لِتَعمل عليها مشاريع تنفع البلاد والعباد.
وهناك أراضٍ زراعيّةٌ كثيرةٌ وكبيرة, يتمنّى كثيرٌ من رجال الأعمال شِراءها, لِأِحيائها وتنميتِها ونفعِ الناس منها.
والتركةُ أمرُها عظيم، والنزاع بسببها كثيرٌ وشنيع, ولأجل ذلك تكفَّلَ سبحانه بتحديدِها وتوزيعها، ولم يَكِلْها إلى عباده؛ لعلمه أنهم لن يُوزعوها بالعدل والإنصاف.
وكلُّ هذا الاهتمام لأجل الحفاظ على الترابط بين الأسرة، وإزالة أسباب الخلاف والشقاق بين الورثة، ولذا, فإن الإسلام هو النظام الوحيدُ, الذي يكفُل ويحمي حقوق الآخرين, ويقسم المال بينهم بالعدل، ويحافظ على الترابط الأسري، ويزيل أسباب الخلاف والمشاكل.
والخلافات بين الورثة على التركات, من أكثر أسباب القطيعة، والمشاكلِ الأُسرية, وقد وصل الأمر إلى الشكاوى والتقاطع, بل والقتل أيضًا.
وقد "ارتفعت معدلات قضايا الخلافات العائلية على الميراث, في المحاكم الشرعية, إلى أعلى مستوى يمكن أنْ نتصوره، حتى بلغت أكثر من مائتي قضية في العام المنصرم, في المملكة العربيةِ السعوديَّة فقط".
"وكشف خبيرٌ في الشركات العائلية, أن هناك قرابةَ خمسةَ عشر مليارِ ريال, مجمّدةٌ في الشركات العائلية, بسبب النزاعات بين أبناء العائلة".
ومن أسباب إهمال الورثة في توزيع التركة: تَأَخُّرُ الوصيِّ أو الوليِّ أو أحدِ الورثة في تقسيم التركة, دون ضرورةٍ لذلك, مما يُسبب في وقوع المشاكل والخلافات العظيمة.
أو تَأَخُّرُ بعض الورثة في المطالبة بحقوقهم خجلاً أو تهاونًا, أو بسبب تعقيدِ الإجراءات الْمُتَّخذَةِ في ذلك.
وينبغي أن يُبادر الورثةُ في تقسيم التركة بعد استكمال الإجراءات المطلوبة للقسمة, من حصرِ الورثة والتركة, وإنفاذِ الوصايا التي لا محذور فيها شرعًا.
فإنْ كانت التركةُ بيد أحدِ الورثة, وهو القائم عليها, فالواجب أنْ يتقيّ الله -تعالى-, ولْيُبادرْ إلى تقسيمها على الورثة.
وينبغي على بقيّة الورثة: أنْ يطلبوا منه القسمة, فإنْ لم يستجب, فلْيرفعوا أمره إلى القاضي, لِتُنزعَ الوكالةُ منه.
فإلى متى تظل هذه التركات من أراضٍ وعقارتٍ مُعَطّلة؟ أما في الورثة رجلٌ يأخذ زِمِامَ الْمُبَادَرة؟
وينبغي على كلّ من علم عن حال أمثال هؤلاء الورثة المهملين: أنْ يُناصحهم بالحسنى.
والواجبُ على الجهات المختصّة: أنْ يُولوا هذا الموضوع أهميّةً وعناية, وأنْ يُلزموا الورثة تقسيم التركة, فإنّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
معاشر المسلمين: إنّ ما يَبْذُلُه جنودُنا ورجالُ أَمْنِنَا -وفقهم الله تعالى-, من جهودٍ عظيمةٍ، وتضحياتٍ جسيمةٍ, في حفظ الأمن، وردعِ الخوارج والروافض, وحمايةِ أمْنِنَا وأعراضِنا وأموالِنا, له أمرٌ يُوجب علينا أنْ نُساندهم ونقف معهم, وخاصةً في تنظيم الوقوف عند المساجد وغيرِها, وأنْ نتقيَّدَ بتعليماتِهم وأوامرهم.
لقد ضحوا بأرواحهم وأوقاتهم لحمايتنا وراحتنا, حتى قُتل وجُرح منهم العشرات, وهم الآن في جبهات القتال ساهرون وحذرون, ونحن آمنون مُطمئنون, لا نشعر بمثقال ذرّةٍ من ويلات الحرب، وبغيِ المفسدين.
وهذا يُحتّم علينا: أنْ ندعو الله -تعالى- لهم, وأنْ نشكر جهودهم, ونُثنيَ على تضحياتهم.
كلّ يوم نسمع عن قتيل أو جريح منهم, إما من رافضيٍّ أو خارجيّ, وهم في جهادٍ إنْ أخلصوا لله -تعالى-, وصدقوا في عملهم.
فسدّدهم الله وثبّتهم, ونصرهم على عدوّنا وعدوّهم, وغفر لميّتهم, وجعله في عداد الشهداء, إنه جوادٌ كريم.
معاشر الْمُسلمين: إنّ هذه الأجواءَ الحارّةَ التي نمرّ بها, قد قتلت مِئَاتِ المساكينَ في بلدان أُخرى, وذلك لاضطرارهم للعمل في أشعّة الشمس الحارقة, وقلّةِ أو انْعدامِ سُبُلِ الوقايةِ مِنْ ضررها, كالتكييفِ والشرابِ والطعام.
أمّا نحن -والحمد لله- فلم تُؤثر علينا إلا نزرًا يسيرًا, فالأجواء الباردة تحت المكيفات لم تُفارقنا ليلا ونهارا, والكهرب لا ينقطع عنا إلا شيئًا يسيرًا, وصنوفُ الطعام والشراب بين أيدينا, فلْنحمد الله على ما نحن عليه, ولْنحذر من أنْ نُبارزه بالمعاصي وهو يُنعم علينا ويُكرمنا, فإنّ النعم قد تكون اسْتدراجًا لا تفضّلا, قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].
وانظروا إلى من حولنا من الدول, كانت قبل ذلك مَضْرِبَ الْمَثَلَ في الأمنِ، ورَغَدِ العيش, حتى كان أجدادُنا يُسافرون إليها طلبًا للرزق, وإطعامِ أهليهم وأبنائهم.
وأما الآن, فأصبحت مضرب المثل في الفقر والتشريد، والجريمة والقتل.
من الذي أفقرهم وأغنانا؟ من الذي أذلّهم وأعزّنا؟ من الذي فرّقهم وجمعنا؟ من الذي خوّفهم وأمّننا؟
إنه الله الحَكَمُ العدل, الذي أَخْبَرَ عن سنّته في ذلك بقولِه: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد: 11].
أخبر تعالى عن تمام عدلِه وقِسْطِه في حُكْمِه، بأنه تعالى لا يغير نعمةً أنعمها على أُمّة, إلا بسبب ذنوبٍ ارتكبوها، ومعاصٍ فعلوها.
فاتق الله يا من تُصرّ على المعاصي والذنوب, فإنْ سَتَرَكَ الله أيَّامًا, فلك يومٌ يفضحك في الدنيا أو في الآخرة, ولا تكن سبب زوال النعمة التي نحن فيها.
نسأل الله -تعالى- أنْ يُديم علينا نعمه, وألا يُذيقنا بأسَه وغضبه, إنه على كلّ شيءٍ قدير.
التعليقات