عناصر الخطبة
1/ عوامل نجاح أي مشروع 2/ المشروع التغييري الشامل 3/ الفَرَج يأتي بعد الكرب والشدة 4/ ما أصاب المسلمين من بلاء يوم أحد 5/ المعاصي نتيجتها الضعف والذل والهوان والهزيمة والخذلان 6/ ضرورة اتخاذ الرؤية الشاملة الطريق النقدي 7/ أهمية النظرة الشمولية للكون 8/ منطلقات المشروع الحضاري الإسلامي 9/ المقاصد والأهداف من إقامة المشروع الحضاري الإسلامياهداف الخطبة
اقتباس
مقدمات النهضة: إن من المقدمات الأساسية لنهضة المشروع الحضاري الإسلامي وضوح الهدف واستقلال العالم الإسلامي عن التبعيات والارتهان للغرب، وتثبيت دعائم الشورى، وتعميق التعليم والبحث العلمي، والتطور الصناعي والتكنولوجي عمومًا، والتربية العقدية والأخلاقية، وربط الإعلام والاقتصاد بالشريعة الإسلامية، وارتباط الحركات الإسلامية بقيادة سياسية أو مرجعية واحدة كنقطة ارتكاز ..
توطئة: فإن أي مشروع لا يمكن أن ينجح ويؤتي أُكُله كما يريد صاحبه ما لم يكن قد خُطط له مسبقًا هذا التخطيط قد يكون مكتوبًا مسطورًا يرجع إليه ما بين الحين والآخر وقد يكون محفوظا في ذهن صاحبه يكون له خلوات يراجع فيه ما تم تنفيذه وما بقي، فيصحح ويقوم ويستدرك وقد يكون الأمر ربانيًّا كما هو حال مشاريع الأنبياء والرسل.
وإذا نظرنا إلى ما قام به نبينا عليه الصلاة والسلام وقارناه بمن سبقه من الأنبياء وجدناه أعظم مشروع وأنجح مشروع وجد على ظهر الأرض إذ استطاع بعد إعانة الله له وتوفيقه أن يحقق ما لم يحققه من سبقه من إخوانه الأنبياء والرسل وهو ذلك المشروع التغييري الشامل الذي من خلاله غير القلوب والوجود فأقام دولة الإسلام خلال ثلاث وعشرين عاما فقط ورسم للأمة منهجية شاملة كاملة فيه رشدها ومجدها لو سارت عليه كما قال عليه الصلاة والسلام: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وسنتي" يعني ذلك المنهج الذي ذكر في كتاب الله وسنته عليه الصلاة والسلام.
إن سنن الله لا تتغير ولا تتبدل (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب :62] (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11].
فالنكوص على الأعقاب والمخالفات والمعاصي ترجع الأمة إلى الوراء وتنزلها عن مجدها وسؤددها والعكس بالعكس، فكلما رشدت الأمة وأخذت دينها بقوة وتخلت عن العصيان خطت خطوات إلى الريادة والقيادة لبقية الأمم، وإن هذه الأمة قد مرت بمراحل وتجارب كثيرة سواء ما كان من ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد انتقاله للرفيق الأعلى فمن ذلك أن الأمة تعلمت أن الفَرَجَ يأتي بعد الكرب والشدة فبعد البلاء الشديد الذي عاناه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في مكة بالذات ومع صبرهم واحتسابهم الأجر عند الله كان الفرج وزوال الغمة حين أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة النبوية ودخول الناس في دين الله أفواجًا وقوى الله شوكة المسلمين.
ومن ذلك أن المسلمين في غزوة أحد وبعد أن رتّب النبي صلى الله عليه وسلم الجيش لمواجهة قريش رأى ثغرة خطيرة بظهر الجبل فكلف خمسين من الرماة أن يصعدوا إليها ليحموا منها ظهور المسلمين وأمرهم ألا ينزلوا أبدًا من مكانهم مهما حصل للمسلمين وأمَّر عليهم أميرًا، ودارت رحى المعركة وانتصر المسلمون وفر المشركون، فلما رأى أولئك الخمسون من الرماة الذين كانوا بظهر الجبل أن المعركة قد انتهت أرادوا أن ينزلوا، فذكرهم أميرهم بما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فقال بعضهم: إنما أراد منا أن نحمي ظهور المسلين وقد انتهت المعركة وولى العدو الأدبار فانخزل من الخمسين بضعة عشر راميا ونزلوا من الجبل لجمع الغنائم مخالفين بذلك أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام وأمر أميرهم، فلما رأى المشركون هذه الثغرة التفوا من وراء الجبل وصعدوا فيه وسددوا رميهم على المسلمين فانقلب نصر المسلمين إلى هزيمة وصار المسلمون يقلبون أيديهم ويقولون كيف حدث هذا وكيف تغيرت مجريات المعركة بهذه السرعة لقد قتل سبعون من خيار الصحابة وشُجّ وجه النبي صلى الله عليه وسلم وكُسرت رباعيته وسقط في الحفرة حتى صاح صائح المشركين "اعل هبل" .. إلخ.
والمسلمون في حيرة يقولون كيف حدث هذا وبينما هم كذلك إذ أنزل الله على نبيه عليه الصلاة والسلام قوله سبحانه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران:165]، فتعلم المسلمون أن المعاصي نتيجتها الضعف والذل والهوان والهزيمة والخذلان.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر الأمة أنها ستقوى وتضعف، وتسمو وتهبط وتنتصر وتهزم، وتجتمع وتفترق؛ كل ذلك يعود إلى أخذها بالدين أو التخلي عنه بالطاعات أو العصيان وتنبأ بأن الأمة ستمر بمراحل ابتداء من زمنه إلى نهاية الدنيا "بدأ الدين غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء"، وقال: "تكون فيكم النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم يكون ملكًا عاضًّا ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه إذا شاء الله أن يرفعه، ثم يكون ملكا جبريًّا ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه إذا شاء الله أن يرفعه ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت".
لقد مرت ثلاث مراحل مما نطق به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وهي مرحلة النبوة والخلافة والملك العاضّ، ونحن الآن في مرحلة الملك الجبري، وهي في مشارف الانتهاء، وستدخل الأمة المرحلة الأخيرة ((الخلافة على منهاج النبوة )) وها هي إرهاصاتها ومقدماتها تلوح بالأفق.
غير أن هذه المرحلة وهذه الإرهاصات والمقدمات تحتاج منا إلى تخطيط شامل لا يعتني بفئة من الناس بل بجميع شرائح المجتمع، ولا يعتني بجانب من جوانب الحياة بل بجميع الجوانب.
إن العالم الإسلامي اليوم يعاني من حالة بؤس شديدة، هذه الحالة البائسة في العالم الإسلامي تتطلب اتخاذ رؤية كلية شاملة، رؤية تشمل كل الجوانب المتعلقة بحياة الشعوب: المجتمع والاقتصاد والتعليم والإعلام والسلطة الاجتماعية والمالية والحكومي …. إلخ.
ومن الطرق التي من شأنها أن تفضي إلى اتخاذ الرؤية الشاملة الطريق النقدي؛ إذ عن طريق النقد -والمقصود هنا النقد الموضوعي الجاد البناء الذي يتبعه العمل وليس مجرد الكلام والعبارات اللغوية المرائية- تُكتشف العلاقات السببية بين ظواهر الحياة، وتستخلص الاستنتاجات، وفي ضوئها تقدم اقتراحات العلاج.
وعن طريق النقد يمكن الإشارة إلى الفوائد التي تُجنى من شتى الوسائل التي تسهم في إصلاح المجتمع برمته.
ومن هذه الوسائل التنشئة والتربية السليمتان، ومحو الأمية وتقليل الفقر أو القضاء عليه وإضعاف أو إزالة الاستقطاب الاجتماعي ومقاومة الغزو الثقافي. وعن طريق المعالجة النقدية يمكن البدء بتنفيذ أهداف في نفس الوقت. فبالنظر إلى أن الظواهر الاجتماعية بالمعنى الأعم تترابط الواحدة منها بالأخرى ترابطًا وظيفيًّا وبنيويًّا فلا بد من البدء بتنفيذ الأهداف حسبما تقتضيه استنتاجات النشاط النقدي.
بسبب هذا الترابط لا يصح الاهتمام بظاهرة، مثل التنشئة السليمة، دون البدء بتحقيق محو الأمية أو بتحقيق نسبة عالية من محو الأمية، ومحو الأمية الوظيفية للرجال والنساء، وتحسين الوضع القانوني والاقتصادي والاجتماعي للمرأة.
ولن تحقق النهضة إلا عن طريق اتخاذ الرؤية الشاملة النقدية، والرؤية النقدية لا تقبل التجريب الفكري ((أي لا تقبل وجود الجيوب الفكرية التي ينفصل فيها الجيب الواحد عن الآخر)).
في هذا العالم الذي نعيش فيه تقوم علاقات بين كل الظواهر وكل الأشياء. لا يوجد شيء لا علاقة له بالأشياء الأخرى. وفي هذه العلاقات هناك التأثر وهناك التأثير، وهناك التأثر والتأثير في نفس الوقت. وشمول الرؤية معناه القبول بفكرة قيام العلاقات بين الأشياء. وشمول النهج معناه أن الطريقة في تناول القضايا تعترف بقيام العلاقات بين الأشياء وتراعيه. وشمول الحل معناه أنه لا حل دون مراعاة قيام العلاقات بين الأشياء. والشمول في هذا السياق يعني التوازن. والتجزيئية تعني عدم التوازن.
إن شمول معالجة أزمة المجتمع يعني مما يعنيه مراعاة جميع جوانب الحياة والوجود العقيدة والعبادة والثقافة والإعلام والاقتصاد. وعن طريق الرؤية التجزيئية يجري الالتفات إلى جانب على حساب الجوانب الأخرى، ويسبب إهمال الجوانب الأخرى تعطيل ما حقق من إنجاز في تناول ذلك الجانب.
ومعنى الأزمة في أي مجال من مجالات الحياة هو اختلال التوازن وفقدانه. وانعدام التوازن ينشأ عن اختلاف سرعة حركة العوامل الداخلة في الظاهرة واختلاف اتجاهات تلك الحركة. فالطائرة بجناح واحد لا تطير، وإذا تحطم أحد جناحيها وهي طائرة سقطت.
مقدمات النهضة: إن من المقدمات الأساسية لنهضة المشروع الحضاري الإسلامي وضوح الهدف واستقلال العالم الإسلامي عن التبعيات والارتهان للغرب، وتثبيت دعائم الشورى، وتعميق التعليم والبحث العلمي، والتطور الصناعي والتكنولوجي عمومًا، والتربية العقدية والأخلاقية، وربط الإعلام والاقتصاد بالشريعة الإسلامية، وارتباط الحركات الإسلامية بقيادة سياسية أو مرجعية واحدة كنقطة ارتكاز… إلخ.
كما نحتاج لنهضة المشروع الحضاري الإسلامي، إلى وعي المعنى الإسلامي في إنسانية الإنسان، بمعنى أن يتحسس الإنسان انتماءه الإسلامي في شخصيته، وهو التفكير بأنه مسلم، فإذا انفتح وعيه على هذا التفكير، فإنّ من الطبيعي أن يتحرك فردًا أو جماعة أو أمة، نحو العناصر الأساسية للإسلام في الفكر وحركة الحياة.
إنني أتصور أن ثمة علاقة بين جميع الظواهر الكونية وجميع الظواهر المتحركة وجميع الظواهر الثابتة أو الجامدة. فالله ربنا جميعًا، ولذلك فإننا كلٌ بطريقته نحدّق بالله الذي أعطانا سر الوجود ومنحنا كل تفاصيل استمراره وحركيته، وبذلك تتحدد النظرة إلى كل ما في الكون، لتبتعد عن ذهنية الصراع إلى ذهنية التكامل. فوجودي يتكامل مع وجود الحيوان والنبات والجماد، باعتبار أنها تمثل الشروط الحيوية للوجود، كما أن وجودي يعطي هذه العناصر شيئًا من وجودها، فأنا أعطي الحجر فني وإبداعي، وأعطي النبات إمكاناتي التي أستطيع من خلالها أن أنوعه، وأن أنميه، وأعطي الحيوان إمكاناتي التي أستطيع من خلالها أن أكثره، وأطوره، وأن أجعل له نظامًا في وجوده. وهكذا نفهم كيف أن الله سخر لنا هذا الكون لنتأثر به، وننتفع به، ونتأثر فيه وننفعه، ونبدع فيه ونستلهم إبداعاته.
إن هذه النظرة الشمولية للكون كله، تجعل الإنسان المسلم إنسانًا شاملاً، كما أن هذه الحالة الشعورية مع كل الوجود تجعل الإحساس الإنساني ينفتح على الكون العام بما فيه الكون الإنساني، فلا يعيش عقدة تجاه أية ظاهرة، كما لا يعيش اختناقًا أمام أية حالة إنسانية أخرى، فنحن جميعًا عباد الله، تمامًا كما نحن في الكون، خلق الله الذين كلفهم بعمارة الكون؛ بحيث جعل لكل واحد منهم دورًا، وجعل مسؤوليته تتحرك فيه وجعل لكل دور علاقة بآخر في عملية تكامل في كل الأدوار التي يعيشها الإنسان.
وأعتبر الطاقة التي يملكها كل إنسان أمانة عنده، يحركها في نطاق حاجاته الذاتية، ونطاق حاجات الآخرين،بحيث لا يشعر الإنسان بذاتية طاقاته بل بشموليتها لكل من يحتاج إليها، على أساس أنها منحة يمنحها للآخرين، بل على أساس أنها أمانة يملكها الآخرون في عمق وجوده أو امتداده.
عندما أفكر بهذه الطريقة، فإن معنى ذلك أنني أكون عبد الله، الذي يشعر بانتمائه إليه ويتحسس انتماءه إلى العالم كله، من خلال هذا الربط بين الله رب العالم وبين العالم الذي أنا جزء منه.
وهكذا أتحرك في إحساسي بوعيي للإسلام وأشعر بحريتي أمام كل القوى الطاغية المتألهة في الكون، فلا أستعبد نفسي لأحد، فأعيش الحرية أمام الكون كله، لأنني لست عبدًا للكون، ولا لظواهره ولا للقوى الطاغية في الإنسان، ولا حتى لحاجاتي في هذا المجال فالله لم يجعلني عبدًا لها، وإنما أرادني أن أكون سيدًا، لها ولم يجعلني عبدًا للكون، ولكنه أرادني أن أتكامل معه، لم يجعلني عبدًا للناس الأقوياء، ولكنه أراد مني أن أوازن بين قوتي وقوتهم لنتوازن في حركة الحياة، فلا أسقط أمام تأثير فكرهم ليستعبدني، ولا أمام مالهم ليطغى عليّ، ولا أمام قوتهم لتسحقني، بل لا بد أن أعيش في عملية صراع للمحافظة على مواقعي دون أن تسقط أمام ضغط مواقعهم، وبذلك أكون حرًا أعيش هذه الحرية الشاملة، من حيث أنا
عبد الله قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ)[الأعراف:194].
وعندما أنطلق في وجودي الخاص، لأتحسس خلق الله في عقلي، وكيف جعل العقل حجة عليّ، ويحاسبني من خلاله وقد أراد من خلال ذلك أن أطور عقلي، وأنميه وأفتحه، وأحركه في كل ما يحتاجه هذا الكون، من مفردات هذا العقل، وأن اعمل على أساس أن يتفاعل هذا العقل مع عقول الآخرين،كما يتفاعل مع كل المرئيات والمسموعات والملموسات والمشمومات والمذوقات، وإن ينطلق في خط التأمل تارة وفي خط التجربة أخرى فأكون عقلانيًا في حركتي في الحياة.
وهنا يفرض العلم نفسه في حركة العقل، عندما تتوازن التجربة مع المعرفة العقلية والمعرفة التجريدية؛ وبذلك يكون الإنسان إنسان العلم كما هو إنسان العقل. وإذا انطلق الإنسان على أساس إيماني بالله وبالغيب وبالرسالات، فإنه يفتح في نفسه نافذة على الروح، بما هي شيء آخر يتجاوز مسألة العقل ويغذّيها، ويتجاوز مسألة العلم ويطلقها في أبعادها، وتبقى له ميزته الخاصة التي لا تلغي علمًا ولا عقلاً. ولكنها تكمّل منطقة المعرفة فيما لا يستطيع العقل أن يبلغ تفاصيله،ولا العلم أن يرصد ظواهره، وهو ما يسمى بالغيب. وعند ذلك تتعانق المسألة الروحية بالمسألة العقلية، لينطلق العلم في المحسوسات من خلال العقل، وفي الغيبيات من خلال الروح.
وهكذا الرسالات تترافق مع العقل لتعطي الحياة نظامها وحركتها في المسألة الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والأمنية والاجتماعية، وما إلى ذلك في قضايا السلم والحرب، ليكون الإنسان شموليا في نظام الحياة.
وخلاصة ما سبق:
1- الاعتماد على فكر إسلامي منفتح وشمولي وعقلاني يعتمد ذهنية التكامل، وليس ذهنية الصراع.
2- تكوين الشخصية الإنسانية الحرة.
3- البحث العلمي أي الحركة العلمية في الواقع الإنساني؛ لأنها تمثل شروط حيوية المسؤولية في إدارة الحياة على أساس دور الإنسان في استخلاف الله له في الأرض.
منطلقات المشروع الحضاري الإسلامي: إن أي عمل لا بد له من منطلقات ومنطلقات المشروع الحضاري الإسلامي في نظري ما يلي:
أولاً: الإخلاص لله: هذا هو أحد شرطي قبول أي عمل من الأعمال وهذا المسلك يميز مشروعنا عن بقية المشاريع الدنيوية التي تقتصر على الحياة الدنيا فحسب، وبذلك ينبغي التأكيد على أعمال القلوب والنيات لإخلاص لله بالعمل ابتداء ودفع كل المحبطات من شرك ورياء وعجب وغرور وكبر وحب الجاه أو محمدة الناس والمن والأذى … إلخ.
ثانيًا: المتابعة للسنة النبوية في القول والاعتقاد والعمل: وهذا هو الشرط الثاني في صحة العمل وقبوله فينبغي التركيز على شرط صحة العمل وإخلاصه ليكون مقبولا وكذا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره والاستعانة في فهم النصوص الشرعية بفهم علماء السلف الصالح خاصة منهم القرون الثلاثة الأولى المشهود لها بالخيرية.
ثالثًا: الدين الإسلامي هو الهدى: فمن المنطلقات الأساسية في بناء حضارة راشدة اعتبار الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا ونظاما فهو الجدير بأن ينقذ البشرية ويسعدها ويجعل لها الفلاح في الدنيا والآخرة. كما أن الله تعالى زين خاتمة الرسالات بكونها دينًا شاملاً وواقعيًّا صالحًا لكل زمان ومكان.
رابعًا: الأخوة والموالاة: إن إقامة المشروع الحضاري الإسلامي لا بد له - إضافة إلى آصرة الأخوة والمحبة الواجبة بين المسلمين فيما بينهم - من أن تتضاعف دواعي حقوق الأخوة ومقتضياتها وذلك لعلاقة العمل المشترك للإسلام والتعاون على الدعوة إلى الله تنضاف إلى معاني المحبة والنصرة التي يقتضيها الولاء بين المؤمنين كأحد أهم أخلاق الإيمان.
خامسًا: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة: فالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة نوع من الجهاد في سبيل الله تتطلب التضحية بالمال والنفس والوقت، وهي فريضة على مجموع الأمة جماعات ومؤسسات وأفراد كل بحسب وسعه وطاقته.
سادسًا: العمل الجماعي المؤسسي: إن العمل بطريقة جماعية منظمة ذات أجهزة وهياكل وبرامج وسيلة ضرورية واختيار مبدئي لأنه من سنن الله تعالى في الاجتماع الإنساني ويستمد أصالته من النصوص الشرعية التي تأمر بالتعاون على البر والتقوى وبإقامة الدين وعدم التفرق فيه وتبرز ضرورة وأهمية العمل بالمؤسسات لتغطية شتى المجالات - علمية وتربوية وثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية -.
كما أن دواعي هذا التنظيم وما ينتج عنه من تخطيط اقتداء بسنن الله الكونية وسننه الشرعية، تفرضه ضرورة التدافع الحضاري ومقابلة التكتلات المناوئة للإسلام والمحاربة له التي تتخذ بعدًا جماعيًّا منظمًا.
سابعا: التدرج في العمل: التدرج سنة كونية واجتماعية وتاريخية وشرعية، وتكمن أهمية هذا المنهج الرباني النبوي في أن الاستعجال والقفز على طبائع الأشياء والتصرف تبعًا للاستفزازات وردود الفعل يفضي عادة إلى مصائب وكوارث تعود أضرارها على الدعوة وترجع بها للوراء. إلا أن التدرج المنضبط بمصلحة الدعوة يخالف التباطؤ الناجم عن الخوف من الناس والحرص على الدنيا وكراهية التضحية في سبيل الله فمشروع بهذه الضخامة يحتاج منا إلى التدرج المنضبط بضوابط الشرع وبدونه يتم وأد المشروع في بدايته.
ثامنًا: الخلطة الإيجابية: إن دعوة الناس تقتضي مخالطتهم وهذه المخالطة إما أن تكون بالمجالسة أو بالمعاملة مما يتطلب تصحيح النية ثم تصحيح الكيفية استرشادا بسيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ومن القوة المطلوبة في المؤمن أن يخالط الناس على شرطه لا على شرطهم باتباع منهج وسط بين المخالطة المتسيبة والعزلة المطلقة ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه ابن ماجه "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
تاسعًا: التعاون على البر والتقوى: فالتعاون على البر والتقوى مبدأ إسلامي أصيل راسخ ما لم يقم مانع معتبر يجعل ذلك التعاون مرجوحا فينبغي الاستعداد للتعاون على الخير مع أي كان. غير أن الجهات التي يتم التعاون معها أصناف ودرجات وأولويات تبدأ أولا بالدعاة والعلماء والجماعات العاملة للإسلام والمؤسسات والهيئات والمنظمات وتنتهي بغير المسلمين في الحدود المشروعة كما في سبب نزول قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة :2].
المقاصد والأهداف من إقامة المشروع الحضاري الإسلامي: خلاصة ذلك في إقامة الدين وحراسته وسياسة الدنيا بالدين ويمكن تفصيلها في المقاصد الآتية:
أولاً: إقامة الدين على المستوى الفردي: فهذا واجب عيني وقاعدة أساس لما بعدها.
ثانيًا: إقامة الدين على المستوى الأسري: للأسرة في الإسلام طابع خاص ومتميز، وإيمانًا بالأهمية البالغة للأسرة في حفظ الفرد والمجتمع وفي توفير الأمن والاستقرار والسكينة والمودة والرحمة، فإن المشروع الإسلامي يجعل من أهدافه الأساسية والمحورية الحفاظ على الأسرة ورسالتها وفق نظامها الإسلامي، والعمل على تحسين وتفعيل وظائفها الاجتماعية والتربوية والدعوية.
ثالثًا: إقامة الدين في المجتمع: إن إقامة الدين على هذا المستوى تعني أن تنضبط كل مؤسسات المجتمع بتشريع الإسلام انطلاقًا من الأفراد القائمين عليها، ثم تتعدى إلى علائقهم ومعاملاتهم. وباختصار ينشد المشروع مجتمعا تصطبغ كل مظاهره بقيم الإسلام وأحكامه.
رابعًا: إقامة الدين على مستوى الدولة: والمقصد من ذلك أن تكون مجموع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والنظم الأساسية للمجتمع ومن أهمها ((دستور المسلمين))، يضاف إلى ذلك المؤسسات والإدارات التي تمارس من خلالها تلك السلطات أو تطبق تلك النظم.. صادرة عن الإسلام وملتزمة به، وأن تكون السياسات العامة للدولة متفقة مع مبادئ الإسلام ومقاصده. فالدولة المسلمة هي التي تكون الحاكمية العليا فيها لشرع الله، والأمة فيها هي مصدر السلطات، وهي دولة هداية لا دولة جباية، ودولة شورى لا دولة استبداد، تستفيد من تجارب الآخرين في مجال الأساليب وتتميز عنهم في الأهداف والمقاصد.
خامسًا: إقامة الدين على مستوى الأمة: إن إيلاء إقامة الدين على مستوى المجتمع والوطن الأولوية لا يعني إلغاء الاهتمام بإقامته على مستوى الأمة وتقديم القدر المستطاع من المساعدة ولو كان رمزيا فالمسألة مسألة مبدأ وتوجه قبل أن تكون مسألة قدرة وتأثير.
ولذلك يمكن البدء بالمشروع في بلد ما مع عدم إغفال مبدأ التواصل والتشاور مع المسلمين عامة والعاملين لإقامة الدين خاصة أينما كانوا.
سادسًا: دعم التوجه الوحدوي في الأمة الإسلامية: إن من بين أسباب تراجع المسلمين على جميع المستويات هي الفرقة التي أصابت كيانهم ومن ثم يعتبر "توحيد المسلمين والتقريب بينهم فريضة شرعية وضرورة واقعية". مما يتوجب دعم وتأييد كل توجه وحدوي في الأمة الإسلامية سواء على مستوى الجماعات أو الأقطار.
سابعا: الإسهام في تحسين أوضاع المسلمين: يمكن تحقيق التحسين المطلوب لأوضاع المسلمين المادية والمعنوية عبر مداخل أساسية أهمها تربية الناس على المبادرة والكسب والإبداع في ذلك وتربيتهم على الاقتصاد في الإنفاق والابتعاد عن المحرمات والعمل على رفع كل أشكال الظلم الاجتماعي ثم المطالبة بتوزيع الثروات توزيعًا عادلاً والعمل من أجل إقرار الحقوق والحريات العامة وفق شريعة الله.
ثامنا: الإسهام في نشر الإسلام في العالم: من مقاصد إقامة المشروع الحضاري نشر الإسلام في العالم وعليه فينبغي أن تقوم دعوة غير المسلمين إلى الإسلام حسب المتاح بتوازن مع دعوة المسلمين للتوبة والرجوع إلى دينهم مع اختلاف في الترتيب والأولوية حسب الظروف والبلدان ومصلحة الدعوة.
مجالات العمل: تتكامل مجالات العمل المتعددة والمتداخلة لتحقيق الأهداف والمقاصد السابقة، ويمكن تلخيصها بما يأتي:
أولاً: مجال الدعوة الفردية: تحتل مكانة مهمة لتيسرها للجميع ووفرة وسائلها كما أنها أعمق وأسرع الوسائل الدعوية فاعلية وأيسر متابعة للأفراد، ويمارسها الفرد من تلقاء ذاته ولا تحتاج إلى كثير علم بخلاف الدعوة العامة.
ثانيًا: مجال الدعوة العامة: وهي الأعمال الدعوية المزاولة بشكل جماعي أو الموجهة لجمهور من الناس، وتتميز بكونها أوسع مدى، كما تعتمد بدورها على وسائل خاصة.
ثالثًا: المجال العلمي: إن التمكن والإلمام التام والمتكامل بالعلوم الدينية والدنيوية يفتح لنا آفاقا واسعة المدى في مختلف فروع المعارف الحديثة، وبالتالي تتوسع المدارك الفكرية، وتظهر بوادر قوة الشخصية. ولا شك أن هذا المبدأ يعد عاملاً مهمًّا وأساسيًّا لتكوين الشخصية المتوازنة والمتآلفة التي تهدف إليه السياسة التربوية الإسلامية. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المبدأ في قوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[المجادلة:11].
ولو تصفحنا تاريخ الأمم السالفة ذات الحضارات العريقة لوجدنا أنها لم تصل إلى هذا المستوى من الازدهار إلا بالعلم. وأوضح مثال على ذلك حضارة بغداد والأندلس، فتاريخهما المجيد دليل قاطع على أن العلم المتكامل والإلمام الشامل بالمعارف يساهمان بشكل مباشر وفعّال في بناء الحضارتين الغربية والشرقية.
وفي خضم التحديات المعاصرة ودعايات العولمة فإنه من الأحرى أن تركز الاهتمامات على التمكن من العلوم، وتحقيق التطور العلمي والتكنولوجي من أجل إنتاج موارد بشرية لا تمتاز فقط بسعة الثقافة والعلوم، بل تتمتع بسمو الأخلاق والمبادئ في نفس الوقت، مما يساعد بشكل فعال في القيام بنهضة حضارية إسلامية راشدة.
إن التفوق العلمي يمكن الوصول إليه بترسيخ أركان الإسلام وعلوم الفروض العينية، إلى جانب دراسة علوم فروض الكفاية. وبذلك سنتمكن من إنتاج موارد بشرية مؤهلة لتبني البرامج التربوية وتنفيذ خطط التنمية للأمة الإسلامية عامة عن طريق نظام التربية الذي يشمل التخصص الثنائي أو المزدوج.
والإسلام يشجّع على طلب المعرفة واستكشاف العلوم والتكنولوجيا والتعمق في دراستها، في حين أننا على إدراك تام بأن الأمة الإسلامية حاليًا ما زالت غير مواكبة لركب التكنولوجيا والعلوم فالفارق الرقمي بينها وبين أعدائها كبير ومهول. فمن الأحرى بنا أن نكثف الجهود في مجال البحث والدراسة، ونجعلهما هدفا علميا نصبو إليه، وبالتالي تسير عملية بناء النهضة الفكرية والروحية والجسدية للأمة على أسس ودعائم تتميز بالتوازن والشمولية والتنظيم، تحقيقا لقوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[آل عمران:190]
رابعا: العمل الثقافي والفكري: إذ هو من مداخل الإصلاح ولا يقتصر فقط على الجوانب العلمية والفكرية وإنما يتسع ليشمل العمل الرياضي والأدبي ومختلف الأنشطة التربوية للطفولة والشبيبة والنساء والرجال. وعلى العموم يؤدي هذا العمل وظيفتان.
الأولى: تلقينية يتلقى فيها المستهدف العقائد والمبادئ والأفكار والنظم والقيم الإسلامية.
والثانية: تحصينية ضد كل أشكال الغزو الفكري والعقدي والسلوكي وتصحيحية تجاه الموروث السلبي من ثقافتنا المحلية.
خامسًا: في مجال المرأة: إن المخرج من كل الأزمات التي تعيشها المرأة رغم الشعارات البراقة المزعومة "لا يمكن أن يتم إلا في إطار الهوية الحضارية للأمة، ولا يمكننا أن نتصور إمكانية تنزيل حل مستورد هجين يراد له أن يستنبت قسرًا على أرضنا وضد عقيدتنا وخصوصياتنا وثقافتنا …" كما أن هذا المخرج لا يتم إلا بتدرج وفي سياق حل عام يتناول جميع قضايا المجتمع وبمراعاة التوازن المطلوب بين الأدوار الطبيعية للمرأة وأدوارها الإنسانية.
فالتعليم - مثلاً - بمختلف مجالاته وتخصصاته من منظور الإسلام الحضاري حق لكل فرد من أفراد المجتمع دون تمييز أو تفريق، سواء كان ذكرا أو أنثى، ومن الواجب لبناء المشروع الحضاري المحافظة على حقوق جميع الأفراد التي تشمل حفظ وحماية النفس والدين والمال والعرض والعقل كما هو منصوص عليه في مقاصد الشريعة الإسلامية فالمرأة لها دورها في إقامة هذا المشروع الضخم وما لم تكن متعلمة فسيبقى في مشروعنا نقص وخلل كبير جدًّا.
سادسًا: العمل العلمي التعليمي: ويأتي على رأس ذلك العلم بالدين وكل العلوم النافعة وترصد لذلك بعض الوسائل المتيسرة كتأسيس المدارس الإسلامية بمختلف المستويات وتأسيس الجمعيات العلمية المتخصصة والتعاون مع ما هو قائم على الصعيد الإسلامي والعالمي ثم التعاون مع الجهات الرسمية والشعبية لتفعيل المؤسسات العلمية والتعليمية القديمة والحديثة وإنشاء لجان لمتابعة التكوين والبحث العلمي المتخصص.
سابعًا: المجال التربوي والتكويني: يرجع الفصل بين هذا المجال ووظيفة العلم والتعليم إلى سبب منهجي فقط، ولا يمكن التمييز بين وسائل التربية ووسائل التعليم في الواقع الدعوي، ويعتمد في هذا المجال "الحلقات التربوية العامة والمتخصصة، والدورات العامة والمتخصصة، والرحلات والمخيمات والاعتكاف بآدابه وأوقاته المقررة في السنة، والبرامج التربوية الجماعية بأنواعها، والبرامج الفردية والأوقات المخصصة للرواتب من الصلاة وقراءة القرآن والذكر والمطالعة والصوم وغيرها من الأعمال الصالحة، ومطلق الترغيب والترهيب والحملات التي تعالج بعض الآفات التربوية وتقاوم الفتور في الطاعات أو التساهل في المخالفات، والبرامج التربوية الهادفة إلى تكوين المربين والرفع من الكفاءة المتوفرة للأطر التربوية".
ثامنًا: المجال الاجتماعي والخيري: نظرًا لمكانة هذا المجال شرعيًّا ولأهميته في واقع الناس، فإن المشروع الحضاري الإسلامي يولي اهتمامًا كبيرًا بهذا المجال، ويشمل صورًا كثيرة للإحسان وفعل الخير، ولتحقيقه ينبغي الإكثار من الوسائل كإنشاء الجمعيات التي تؤطر هذا العمل بشكل قانوني - مع العناية بما هو قائم -، كما ينبغي تنظيم دورات تكوينية خاصة للعاملين في هذا الحقل، مع القيام بالتوعية بأهمية العمل الاجتماعي ومكانته في الإسلام بواسطة الكتابات والندوات والمحاضرات.
تاسعًا: المجال السياسي: يسع هذا المجال كل الأعمال الرامية إلى التزام المؤسسات السياسية والممارسات السياسية بالأفكار الإسلامية عن طريق إنجاز دراسات وأبحاث لتأصيل العمل السياسي وتقويم ما كتب وجرب عمليًّا من بعض العاملين للإسلام في بعض البلاد الإسلامية وتوفير الآليات المشروعة لأداء العمل السياسي والتجديد بواسطة السلوك الراشد والنظيف في الممارسة السياسية.
عاشرًا: المجال النقابي: لإقامة مشروعنا لا بد من استخدام كافة الوسائل المتاحة، ومن ذلك العمل النقابي فهو وسيلة للدفاع عن حقوق مختلف الشرائح المهنية ولتحقيق ذلك ينبغي اتباع بعض الوسائل منها إجراء أبحاث ونشر دراسات تؤصل للعمل النقابي والعمل على اتخاذ إطار قانوني يتبنى التوجه الإسلامي في العمل النقابي.
الحادي عشر: المجال الإعلامي: يتعاظم دور الإعلام يوما عن يوم ويلقي بمسؤولية كبيرة على عاتق العاملين لإقامة المشروع الحضاري الإسلامي العالمي لمواجهة الطوفان الإعلامي الجارف وإصلاح ما أفسده الإعلام الآخر فالإعلام وسيلة فاعلة جدًّا سلبًا وإيجابًا فالملايين من الناس يقرءون ويسمعون ويشاهدون الإعلام طواعية بكل أحاسيسهم لذا ينبغي الاهتمام بهذا المجال والعمل على إقامة إعلام إسلامي راشد يلتزم بالشريعة الإسلامية في تشكيل أفكار وعقول أبناء هذه الأمة حتى يتكون الفرد المسلم الصالح العامل لدينه ودنياه.
الثاني عشر: المجال الاقتصادي: لإقامة المشروع لابد من الاهتمام بهذا المجال والعمل على إعادة الاعتبار إلى النظرة الإسلامية المتوازنة للمال في وجه انتشار العقلية المادية الاستهلاكية وهيمنتها إلى جانب المعاملات الربوية على الأنشطة الاقتصادية. وكذا العمل على إبراز صورة النظام الاقتصادي الإسلامي وبلورة اجتهادات إسلامية في الحقل الاقتصادي وأساليبه الحديثة ثم العمل على تجسيد قيم الإسلام وأحكامه في الممارسات الاقتصادية والمالية.
ومن خلال ما سبق يتضح لنا جليا ما يلي:
1- أن مفهوم المشروع الحضاري الإسلامي أكثر شمولية وكمالاً من المبادئ والمفاهيم المقتصرة على جوانب جزئية من الدين، كما هو شأنه في مفهوم الإسلام السياسي، وما شابه ذلك.
2- أن مفهوم المشروع الحضاري الإسلامي يتمثل في التعاليم الإسلامية التي تهتم بجوانب الحياة المختلفة من أجل رفع مستوى معيشة المجتمع المتمدن، ومن ثم إعداد أبنائه لمواجهة مختلف تحديات العصر الحديث عصر ثورة الاتصالات والمعلومات والعولمة، والاقتصاد العالمي، وتيار المادية البحتة، وأزمة الحفاظ على الشخصية الذاتية، والغزو الفكري والفضائيات.
3- أن هذا المفهوم يركز على أهمية الشعائر الدينية في بناء حضارة الأمة؛ حيث إن الاستقرار الروحي والنظرة المتزنة للحياة والقيم العالية تعد ركيزة الحضارة الخالدة.
الخلاصة: وخلاصة ما سبق أن المشروع الحضاري الإسلامي العالمي يهدف إلى تكوين مجتمع ذي أفراد متفوقين في الجوانب الروحية والأخلاقية والفكرية والمادية وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، متميزين بالإبداع والابتكار معتمدين على أنفسهم محبين للتنافس الشريف ومتسمين ببعد النظر، وقادرين على مواجهة تحديات العصر بكل حكمة وعقلانية واتزان وتسامح.
وتجيء فكرة مشروع النهضة الحضارية الإسلامية العالمية في الوقت المناسب، حيث تواجه فيه الأمة الإسلامية مختلف التغيرات الراهنة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية والعلمية والتكنولوجية وغيرها. وعليه ينبغي وضع خطط وإستراتيجيات واضحة الأبعاد مع بذل جهود متواصلة ودءوبة لتحقيق النجاح والتميز. كما يتطلب ذلك تصحيح الأفكار الخاطئة ورفض كل ما يسبب اللبس ويهدف إلى بلبلة أفكار أبناء المجتمع المسلم والإساءة إلى الإسلام حتى يتسنى تكوين الفكر الإسلامي السليم والهوية الذاتية المتميزة للمجتمع.
إن فكرة هذا المشروع لها دور كبير في توسيع نطاق الفكر الإسلامي وتعميق المفاهيم حول الغاية الحقيقية من الحياة، إلى جانب استيعاب التطلعات التي نطمح إليها في سبيل نهضة الأمة وبناء الحضارة والتنمية إلى أعلى مستويات التفوق والامتياز طلبا لمرضاة الله سبحانه وتعالى.
أسأل الله سبحانه أن يهيئ لهذا المشروع رجالاً يعيشون به وله ويبذلون من أجل إبرازه الغالي والنفيس وأن يجعلنا منهم آمين.. آمين.
التعليقات