عناصر الخطبة
1/عظم شأن الكلمة 2/إتاحة وسائل التواصل الاجتماعي التوجيه لكل من هب ودب 3/مسؤولية الإنسان عن كلامه 4/صون العقل واللسان وحفظهما عن الشروراقتباس
أمر جلل! وشأن عظيم! كم أقام من هامات؟! وكم أطاح من قامات؟! وكم رفع من أمم؟! وكم قطع من رحم وفرق من قرابات؟! قامت بسببه الحروب! وطارت بأثره الرؤوس! وقدم لأجله أقوامٌ! وأُخر آخرون! لم يكن يتصدى له إلا كبارُ الرجال! ولا يَتصدر فيه إلا عقلاءُ الجماعات! به...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العلي الأعلى الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، والصلاة والسلام على الرسول المصطفى، والنبي المجتبى، وعلى آله وصبحه، ومن سار على منهاجه واقتدى.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أمر جلل! وشأن عظيم! كم أقام من هامات؟! وكم أطاح من قامات؟! وكم رفع من أمم؟! وكم قطع من رحم وفرق من قرابات؟! قامت بسببه الحروب! وطارت بأثره الرؤوس! وقدم لأجله أقوامٌ! وأُخر آخرون! لم يكن يتصدى له إلا كبارُ الرجال! ولا يَتصدر فيه إلا عقلاءُ الجماعات! به توزن المروءات، ومنه تؤخذ المناقب والبطولات، ولأجله تساق العطايا والهبات، جراحاتُه غائرة! وعثراتُه فاضحة! وزلاتُه تدوم مع صاحبها دوام الزمن!
وَجرحُ السيفِ تأسُوهُ فيبرأ *** وجرحُ الدهر ما جَرَحَ اللسانُ
جراحاتُ الطِعانِ لها التئامٌ *** ولا يلتامُ ما جَرَحَ اللســانُ
اللسان -معشر المؤمنين- نعمة لا يقْدِرُها قدرَها إلا كيس حصيف، ولا يهتكها إلا طائش أرعن.
وفي زمن تَغيُر ِالمعايير وانقلاب الموازين، وانتشارِ وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت حق التوجيه والتقرير متاحاً لكل أحد، فلبس الجاهلُ ثوبَ العالم، وتوشحَ الغرُّ رداءَ الطبيب، وتقلدَ المتهورُ منصبَ القاضي.
ومع افتتانِ الناس بهذه التقنيات، وولعِهم بمشاهيرها، وتصديرِهم لهؤلاء البسطاء ضاعت الحكمةُ وطفح العبث، واختلطت الأمور، وتَصدَّرَ الناسَ من حقه أن يَسكتَ حتى يتعلم، ويُوبخَ حتى يتراجع، فزمامُ الكلمة، وتزعم المعرفة لا تعطى كلَّ أحد.
وعندما أتيحت الكلمةُ لكل أحد امتلأت الصدورُ بالشحناء، وضاقت المحاكمُ بدعاوى القضاء.
وكان الحقُ ألا يتصدى للكلمة إلا من يعرف قدرَها وأثرَها، وعاقبةَ أمرِها في الدنيا والآخرة، فعلى كل كلمة رقيب لا تغيب عنه: (يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18]، فليعلم هؤلاء: أن الكلمة لا تنتهي بالتفوه بها فإن كانت خيراً فستجدها في صحيفتك يوم القيامة، وستجد أثرها فيما بقي من حياتك، وإن كانت غير ذلك، فستجدها مسطرة في سجلك عند لقاء ربك، وستبقى مأسوراً بها في أيام دنياك، تعرف بها بين جلسائك، وتطاردك في كل ناد تطؤوه قدماك.
معشر المصلين: احفظوا ألسنتكم، وقلبوا كلماتكم، وزنوها وتخيروا أطيبها، عن معاذ -رضي اللّه عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أُخْبِرُكَ برأسِ الأمْرِ وَعمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنامِه؟" قلت: بلى يا رسول اللّه! قال: "رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ" ثم قال: "ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ؟" قلت: بلى يا رسول اللّه، فأخذ بلسانه، ثم قال: "كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا" قلت: يا رسول اللّه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ".
اللهم إنا نسألك ألسنة صادقة، وقلوباً سليمة، ودعوات مستجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، واصل وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فيا معشر من منَّ الله عليه بنعم العقل واللسان: لا تسلموا عقولكم لجاهل لا يعي ما يقول، ولا تأخذوا العلم إلا من مصادره، وعلموا الناس أبواب العلم ومراتب الرجال، فلن تعلو أمة يقود رأيها هؤلاء المشاهير، تعلموا طولَ السكوت فطولُ السكوتِ أمارةُ العقل، ودليل الحلم والنجابة.
إن كان يعجبك السكوت فإنه *** قد كان يُعجب قبلك الأخيارَ
لئن ندمت على سكوت مرةً *** فلقد ندمت على الكلام مرارا
إن السكوت سلامة ولربما *** زرع الكلام عداوة وضرارا
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين.
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم احفظ جنودنا المرابطين.
اللهم ردهم إلى أهليهم سالمين غانمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
اللهم صل على نبينا محمد...
التعليقات