طلال سليمان الدوسري
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
فلقد ارتبط القرآن برمضان ارتباطاً وثيقاً، يظهر ذلك جلياً لمن نظر في الكتاب والسنة؛ ولذا كانت تلاوته وتدبره وتلمس هداياته: من أخص العبادات فيه.
قال الله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]
فانظر كيف امتدح الله شهر رمضان الذي جعله محلاً للركن الرابع من أركان الإسلام -صيام رمضان- بأنه قد خصه من بين سائر الشهور بإنزال كلامه القرآن الكريم، بل ورد أن الكتب الإلهية نزلت فيه! كما أشار إلى ذلك ابن كثير رحمه الله([1]).
وبناءً على ذلك انظر: كيف رغب الله تعالى بفضل الشهر وذلك بإنزال القرآن فيه، وذلك لأن نزول القرآن في رمضان من شأنه ألا يخفى على المخاطبين، فكان ذكره تذكيراً بفضل رمضان من هذه الجهة([2]).
ثم تأمل كيف أشار الله تعالى إلى الحكمة من إنزال القرآن بقوله {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} وهي ما فيه من الهدى وبينات الهدى والفرقان، وفي ذلك من الإشارة إلى تلمسها وتتطلبها من القرآن ما هو ظاهر. وأحق وقت ببتطلبها منه: هو رمضان الذي اُختص به.
كما أن في ذكر تلك الحكمة العظيمة: مزيد تفضيل لرمضان الذي أنزل القرآن فيه ف "قوله: (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) حالان من (القرآن) إشارة بهما إلى وجه تفضيل الشهر بسبب ما نزل فيه من الهدى والفرقان([3])".
بل لعل في ذكر نعمة إنزال القرآن في رمضان إشارة إلى أن صيامه: من شكر هذه النعمة الجليلة([4]).
أما السنة النبوية فمما جاء فيها يبين الارتباط الوثيق بين رمضان والقرآن: حديث ابن عباس -المتفق على صحته- قال رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة([5])». هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان إن جبريل عليه السلام كان يلقاه، في كل سنة، في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة([6])».
فبالإضافة إلى ما سبق من اختصاص شهر رمضان بإنزال القرآن فيه: ترى في هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خصه بموعد مدارسة القرآن السنوية مع جبريل عليه السلام. وليس ذلك إلا لأن لمدارسة القرآن فضل خاص ومزية خاصة في هذا الشهر الكريم.
وتأمل كيف أن مدارسة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مع جبريل تستوعب شهر رمضان بكامله بشكل يومي وذلك في الليل مع ما فيه من انشغال النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقيام.
واختصاص الليل بالمدارسة دليل على أنه أفضل من النهار في قراءة القرآن، فلا ينبغي للإنسان مهما كان ورده من القرآن في نهار رمضان أن يخلي منه ليله مهما كان انشغاله فيه.
قال ابن رجب: "وفي حديث ابن عباس أن المدارسة بينه وبين جبريل كان ليلا: يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا فإن الليل تنقطع فيه الشواغل ويجتمع فيه الهم ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً}([7])".
وانظر كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مع كونه أكمل الخلق طاعة لربه وجوداً بالخير، إلا أنه أجود ما يكون في هذا الزمان وهذا الحال باجتماع هذه الأمور:
1- فضل الزمان "رمضان".
2- فضل الصحبة "جبريل عليه السلام".
3- فضل العمل "مدارسة القرآن".
وتأمل كيف كان القرآن باعثاً ووقوداً للازدياد من الخير -مهما كان حال الإنسان من الخير والصلاح- وكيف ذكر بذلك من بين سائر الأعمال الصالحة.
وجميع ما سبق يدل على مشروعية تخصيص رمضان بمزيد من الاعتناء بالقرآن بشتى أوجه الاعتناء مهما بلغ الإنسان من الاعتناء به قبله، فهو شهر القرآن، وعلى هذا كان حال السلف رحمهم الله، كما ذكر طرفا من ذلك ابن رجب في لطائف المعارف([8]).
وبناءً على كل ما سبق فهذه مشاريع قرآنية مقترحة في رمضان بعضها فردية وبعضها جماعية، ومنها ما هو مناسب يطبقه أئمة المساجد وطلبة العلم مع المصلين:
1- تلاوة القرآن.
فينبغي أن يحرص الإنسان على الاستكثار من ختمات التلاوة في القرآن تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ابتغاء الأجر الوارد في ذلك، وعرضا لهدايات القرآن على قلبه؛ عله ينتفع بها؛ فإن الله تعالى يقول عن كتابه: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 192 - 194].
قال ابن رجب: "وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان، وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً وفي رمضان في كل ثلاث وفي العشر الأواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة([9])".
وقال: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره([10])".
والإكثار من الختمات لا يعارض الأمر بالتدبر وأهميته كما سيأتي إن شاء الله.
ومهما كان انشغال الإنسان بالحفظ أو التدبر ونحوهما فلا ينبغي أن يقل حظ الإنسان عن ختمة للقرآن، والجمع بينها وبين ما سبق: ممكن متيسر. ولعل حديث ابن عباس -المذكور آنفاً- أصل في تقصد ختم القرآن في رمضان، والله أعلم.
2- حفظ القرآن ومراجعة المحفوظ.
فمن شأن من منّ الله عليه بحفظ القرآن الكريم أو الشروع فيه: أن يكون اجتهاده في الحفظ والمراجعة في شهر القرآن أكثر.
3- القراءة التدبرية التأملية.
قد تكرر في القرآن الترغيب بتدبره، كما قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ } [المؤمنون: 68].
وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29].
وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].
فينبغي أن يكون للمسلم ختمة أو قراءة لسور، كسور المفصل قراءة متأنية بتدبر سوى ختمات التلاوة السابقة، وهما أمران لا يتعارض بل كل منهما معين على الأخر.
كان لأبي العباس بن عطاء "كل يوم ختمة، وفي كل شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وبقي في ختمه يستنبط مودع القرآن بضع عشرة سنة يستروح إلى معاني مودعها فمات قبل أن يختمها([11])".
وإذا أقبل العبد على القرآن وتدبره: فُتح له من كنوزه وأسراره ما لم يكن يعلمه من قبل مهما كثرت قراءته له، وبقدر ما يكون علم المرء وإقباله على القرآن وطهارة قلبه: تفتح له كنوزه وأسراه.
قال ابن تيمية: " فالآيات المخلوقة والمتلوة فيها تبصرة وفيها تذكرة: تبصرة من العمى وتذكرة من الغفلة؛ فيبصر من لم يكن عرف حتى يعرف ويذكر من عرف ونسي، والإنسان يقرأ السورة مرات حتى سورة الفاتحة ويظهر له في أثناء الحال من معانيها ما لم يكن خطر له قبل ذلك حتى كأنها تلك الساعة نزلت؛ فيؤمن بتلك المعاني ويزداد علمه وعمله وهذا موجود في كل من قرأ القرآن بتدبر بخلاف من قرأه مع الغفلة عنه، ثم كلما فعل شيئا مما أمر به استحضر أنه أمر به فصدق الأمر فحصل له في تلك الساعة من التصديق في قلبه ما كان غافلا عنه وإن لم يكن مكذبا منكراً([12])".
ويقول: " في تدبر القرآن وتفهمه من مزيد العلم والإيمان ما لا يحيط به بيان([13])".
وينبغي أن ينظر المتدبر ما يحدثه له تدبره من تذكر؛ فإن التدبر مرحلة عبور إلى التذكر، والتذكر لا يبلغه إلا أُلو الألباب؛ فإن الله تعالى يقول: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29].
4- قراءة تفسير كامل للقرآن (مختصر).
وذلك ليكون المسلم والمبتدئ بالعلم على معرفة وعلم بمعاني ما يقرؤه ويسمعه من كتاب الله جل وعلى، وشأن ذلك أن يكون إقبال العبد على القراءة والسماع وحضور قبله لها: أشد.
وليس هذا الأمر بعسير، خاصة إذا كان التفسير المختار من المختصرات كالتفسير الميسر الذي أصدره مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وأحسب أن من خصص لذلك نحواً من أربعين دقيقة يومياً وربما أقل: سيختم هذا التفسير في رمضان.
ومن المستحسن أن يشترك الإنسان مع غيره في قراءة التفسير، بحيث يقرؤونه فرادى ثم يكون لهم لقاء يومي في تدارس ما قرؤوه؛ فيرسخ في أذهانهم أكثر ويفيد بعضهم بعضاً في يشكل عليهم. ولعل ذلك يتحقق به مدارسة القرآن المشروعة في رمضان.
وإنه لكنز عظيم ويسير أن يخرج الإنسان من رمضان بهذه الغنيمة!
5- قراءة كتاب في غريب القرآن.
فينبغي أن يكون من همة المسلم معرفة معاني كلام ربه "القرآن الكريم" وإنه لمن العجيب المؤسف أن يكرر المسلم آيات من كتاب الله كقصار المفصل سنين دون أن يعرف معاني غريبها، بل ربما لم يكفر يوماً في البحث أو السؤال عن معناها! فترى من يقرأ سورة الإخلاص من أربعين سنة تزيد أو تقل دون أن يعرف أو يسأل عن معنى (الله الصمد)!
ومهما ضعفت همة المسلم العربي فلا ينبغي له وقد أنزل الله كتابه بلغته أن يجهل معاني السور القصار التي يردد مراراً في يومه!
وبقدر ما يكون من حضور القلب ومعرفة معاني كلام الله: يكون انتفاع العبد بما يقرؤه ويسمعه.
6- مجالس سماع القرآن.
في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي» قال: قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل قال: «إني أشتهي أن أسمعه من غيري» قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41] قال لي: «كف - أو أمسك -» فرأيت عينيه تذرفان([14]).
قال ابن تيمية : "وقد كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ، والباقي يستمعون، وكان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى الأشعري: يا أبا موسى! ذكرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون.
ومر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ، فقال: "مررت بك البارحة وأنت تقرأ، فجعلت أستمع لقراءتك"، فقال: يا رسول الله! لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا.
وسماع القرآن هو سماع النبيين والمؤمنين والعالمين والعارفين، كما بين الله ذلك في كتابه، قال تعالى: (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ).
وقال تعالى: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق).
وقال تعالى: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا)
وقال تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله)
وقال: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)([15])".
وقد بات كثير من المسلمين لا يسمعون القرآن مباشرة إلا في الصلاة!
فمن الأفكار أن يعقد مجالس لقراءة القرآن وإسماعه الناس فحسب، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. ويمكن الاستفادة من مجيدي طلاب الحلقات ففي ذلك تشجيع لهم واحتفاء بهم أيضاً.
إن لاستماع القرآن اثر عجيب حين يصاحبه حضور القلب، وما قصه القرآن عن خبر الجن مع استماع القرآن ليس عنا ببعيد!
7- مجالس المدارسة القرآنية.
وذلك بأن يجتمع النفر من الناس لقراءة سورة أو آيات ثم يشتركون بمدارسة معانيها وما فيها من اللطائف والأسرار، ويستحسن أن يكون ذلك بعد قراءة فردية لتفسير هذه الآيات.
فهي مجالس تدبر قرآني جماعي.
ومن فوائدها:
1- الاستعانة بها على تدبر القرآن، فإن الإنسان يُفتح له من المعاني بالنقاش الجماعي ما لا يفتح له بالنظر المنفرد.
2- تنمية حس التدبر عند المشاركين، فلعلها أنجع وسيلة لنشر التدبر بين الناس بشكل عملي وصحيح.
3- ما ينشأ من ذلك من حضور القلب عند استماع القرآن في الصلاة أو خارجها، وعند قراءته.
ولعله يتحقق بذلك سنة مدارسة القرآن، كما في حديث ابن عباس السابق، وحديث أبي هريرة، -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده([16])».
8- دروس التأملات القرآنية.
فمن الجيد أن يكون حديث الإمام حول القرآن، ومن الأفكار في ذلك: أن يكون حديثه بعد التراويح أو قبلها في تأملاتٍ قرآنية للآيات التي قرئت أو ستقرأ في الصلاة ففي ذلك من ربط الناس بالقرآن، إضافة إلى أنه سبب لحضور قلوبهم حين تلاوته.
وما أجمل أن يجتهد في ربطها بالواقع وعلاج مشاكله.
9- دروس الأمثال القرآنية.
ضرب الله سبحانه في كتابه الكريم عدداً من الأمثال، وقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]
فمما يناسب للحديث الموجه للمصلين: الحديث عن أمثال القرآن ومعانيها وما ضربت له، وما في ذلك من بيان القرآن وإعجازه، وتلمس الهدايات في ذلك، لعل الإنسان يبلغ مرتبة العالمين الذين يعقلون الأمثال التي ضربها الله سبحانه.
10- دروس البلاغة القرآنية.
وهذه مناسبة لطلاب العلم حتى يدركوا البلاغة العالية للقرآن الكريم، ويقفوا عند أسراره وإعجازه، وربما يناسب طرح تلك الدروس للعوام بشكل مبسط مع الأمثلة.
11 - دروس قصص القرآن.
للنفوس بطبيعتها انجذاب لسماع القصص، فما أحسن موافقة ذلك بعرض القصص القرآنية التي قال الله عنها: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3]
فيمكن أن تكون موضوعاً للدروس على المصلين لربطهم بكتاب الله، وتحقيقاً للغرض الذي من أجله قصها الله تعالى.
يمكن أن تكون الدروس عن قصص الأنبياء، أو عن قصة أحدهم وتتبعها في مواضعها من القرآن، ويمكن أن تكون عن أحداث السيرة في القرآن، إلى غير ذلك.
وما أروع أن نستفيد من منهج القرآن وطريقة في عرض القصة وسياقه لأحداثها.
12- دروس تفسير القرآن.
من المناسب أن تُعقد دروس لتفسير القرآن الكريم بشكل مبسط لعامة الناس خاصة سورة الفاتحة وقصار المفصل، تلك السور التي يكثر تكرارهم لقراءتها ويكثر سماعهم لها.
ومثل هذه الدروس في غاية الأهمية، وهي من جليل العلم المهم الاعتناء به طول العام، وخاصة في رمضان شهر القرآن.
قال أبو عوانة، قال: "شهدت قتادة يدرس القرآن في رمضان([17])".
13 - الدروس القرآنية الموضوعية.
وأعني بها الدروس التي تعتني بحديث القرآن عن موضوع معين، فتشرف هذه الدروس بشرف القرآن، وشرف ما يتحدث عنه، ومن ذلك:
أ- حديث القرآن عن الله جل جلاله وصفاته.
ب- حديث القرآن عن القرآن نفسه. وهو موضوع مهم من شأنه أن يزيد في تعلق القلب وارتباطه بكلام الله تعالى.
ج- حديث القرآن عن النبي -صلى الله عليه وسلم وصفاته-.
ولأجل ذلك يخصص ملقي الدرس ختمة يجمع فيها ويتدبر حديث القرآن حول الموضوع الذي اختاره، بالإضافة إلى استفادته من جهد من سبقه.
هذه بعض الأفكار والمشاريع المقترحة أسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعلنا جميع من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يجعل القرآن حجة لنا لا علينا إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يوم الاثنين، 29/8/1434.
----------------------------------------------------------
([1]) تفسير ابن كثير، 1/501. وقد ذكر ما ورد في ذلك.
([2]) التحرير والتنوير، 2/171.
([3]) التحرير والتنوير، 2/173.
([4]) في ظلال القرآن، 1/171 -172.
([5])صحيح البخاري، 1/ 8.
([6])صحيح مسلم، 4/ 1803.
([7]) لطائف المعارف، 169.
([8]) لطائف المعارف، 171.
([9]) لطائف المعارف، ص171.
([10]) لطائف المعارف، ص171.
([11])حلية الأولياء، لأبي نعيم، 10/ 302.
([12]) مجموع الفتاوى، 7/236- 237.
([13]) مجموع الفتاوى، 10/ 81.
([14]) رواه البخاري 6/197، واللفظ له، ومسلم، 1/551.
([15]) جامع المسائل لابن تيمية، 1/89- 90. وكلامه في هذا كثير في مواضع من كتبه.
([16]) صحيح مسلم، 4/ 2074.
([17]) سير أعلام النبلاء، 5/ 273.
التعليقات