عناصر الخطبة
1/ الإسلام دين السهولة واليسر والسماحة 2/رخص السفر المباح 3/قصر الصلاة وجمعها أثناء السفر 4/أخطاء ومسائل مهمة في الجمع والقصر.اقتباس
أما سفر المعصية؛ كالذي يسافر لأرض الخنا والزنا، أو يسافر ليشرب الخمر ويقارع كأسها، أو ليمارس القمار والرهانات المحرمة، أو يسافر ليخرج مع الخوارج، فكل هذِه أسفار محرمة، لا تعين الشَّرِيعَة صاحبها عَلَى أن يترخص برخص السفر.
الخطبةُ الأولَى:
إنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، فالعبد لا يُعبد، كما الرسول لا يُكذَّب، فاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، وأحبهم وذَبَّ عنهم إِلَى يوم الدين، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ -عباد الله- فاتقوا الله حق التَّقْوَى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بعروته الوثقى، فإنَّ أجسادنا عَلَى النَّار لا تقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: إنَّ دين الإسلام دين السهولة واليسر والسماحة، حَتَّى في أحكامه وفي عباداته وفرائضه، فإنَّ أعظم فرائض الدين بعد توحيد رب العالمين هي الصَّلَاة الَّتِي تتكرر معكم فرضًا في اليوم والليلة خمس مرات، فرض الله -عَزَّ وَجَلَّ- صلاة الحضر تامة، وشرع لكم رخصةً من عنده صلاة السفر مقصورة، بل ومجموعة مع أختها.
وَهذَا -يا عباد الله- في كل سفر طاعةٍ كالحج والعمرة وصلة الأرحام، وَالدَّعْوَة إِلَى الله وطلب العلم، وكذلك في كل سفرٍ مباح، كما في السفر للنزهة، وكما في السفر للنظر في الأرض، وَاَلتَّمَتُّع بها والسجة فيها عن هموم الدنيا.
أما سفر المعصية؛ كالذي يسافر لأرض الخنا والزنا، أو يسافر ليشرب الخمر ويقارع كأسها، أو ليمارس القمار والرهانات المحرمة، أو يسافر ليخرج مع الخوارج، فكل هذِه أسفار محرمة، لا تعين الشَّرِيعَة صاحبها عَلَى أن يترخص برخص السفر.
فلا يصح له الجمع بين الصلاتين، ولا قصر الصَّلَاة الرباعية، ولا المسح مدة ثلاثة أيام بلياليها، ولا فطره فيها إن كان صائمًا صيامًا واجبًا؛ لأن الله -جَلَّ وَعَلَا- جعل أصلاً عظيمًا: أن التعاون عَلَى البر وَالتَّقْوَى، ولا يصح التعاون عَلَى الإثم والعدوان، لا فيما بيننا، ولا في أحكام وشرائع ربنا؛ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
أما سفر الطَّاعَة، ومثله السفر المباح؛ فإنه يُباح لأهله إذا كان سفرهم ثمانين كيلاً فأكثر من عامر بلدهم، وإنهم لن يقيموا في البلد الَّذِي يسافرون إليه أكثر من أربعة أيام، فهؤلاء لهم الرخصة برخص السفر، فيجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ويقصرون الرباعية إِلَى ركعتين، كذلك في مسحهم عَلَى أخفافهم وجواربهم، يمسحون فيها ثلاثة أيام بلياليها، أي: اثنان وسبعون ساعة من أول مسحٍ يكون بعد اللبس.
وكذلك لهم أن يفطروا في رمضان في صيامهم الواجب حال سفرهم هذَا النَّوْع من السفر في السفر المباح، وفي سفر الطَّاعَة.
إنَّ هذَا الدين عباد الله دينٌ يسر، ودينٌ سهل؛ (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: 185]؛ ففي الصحيحين عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- قالت: "أقرَّ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- صلاة السفر ركعتين، وزيد في صلاة الحضر ركعتين"؛ أي: أنها تتم الصَّلَاة في الحضر، ولكنكم في السفر يجوز أن تقصروها، أن تقصروا من هذِه الصَّلَاة الرباعية.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ؛ (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)[النساء: 101].
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا عدوان إِلَّا عَلَى الظالمين، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إله الأولين والآخرين، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ذلك سيد ولد آدم أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطيبين الطاهرين، ومن سار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم إِلَى يوم الدين، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مزيدًا إِلَى يوم القيامة.
أَمَّا بَعْدُ -عباد الله- إنَّ في مسائل الجمع والقصر أغلاطٌ عديدة، لا يستوعبها هذَا المقام؛ فمن أشهرها: أن بعض النَّاس إذا أراد أن يسافر قبل أن يغادر عامر بلده؛ ترخص برخص السفر في بيته أو في مسجده؛ وَهذَا لا يصح له ولا يجوز؛ لأنه لم يشرع في السفر بعدُ.
وقد صلى نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- صلاة الظهر في المدينة يوم الخميس، في الرَّابِع والعشرين من ذي القعدة، وهو ناوٍ وعازمٌ عَلَى الحج، ولم يقصر هذِه الصَّلَاة. ولمَّا خرج إِلَى ذي الحليفة وهي عَلَى عشرة أميال من مسجده؛ قصر الرباعية إِلَى ركعتين -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؛ فدلَّ عَلَى أن المسافر إِنَّمَا يشرع في أحكام السفر، فيجمع الصَّلَاة، ويقصرها، وغير ذلك إذا شرع في السفر فغادر عامر بلده.
ومن الأغلاط -يا عباد الله- أن من المسافرين من يشهدون الجمعة مع الحاضرين المقيمين، ثُمَّ إذا سلموا من صلاة الجمعة، وقد شهدوا خطبتيها، وصلوا ركعتيها مع إمام الجمعة، قاموا فجمعوا معها صلاة العصر؛ وَهذَا لا يصح ولا يجوز؛ لأنهم جمعوا العصر مع الجمعة، والجمعة لا يُجمع معها صلاة، وقد فرَّق الفقهاء -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- بين الجمعة وبين الظهر بنحو أربعة عشر فرقًا:
ومن ذلكم -يا عباد الله- أن المسافر إذا ائتم بالمقيم، ويصلي المقيم الصَّلَاة الرباعية ظهرًا أو عصرًا أو عشاءً، وَهذَا يقصر الصَّلَاة؛ جلس بعد قيام الإمام للثالثة والرابعة، ثُمَّ انصرف وحده، وَهذَا لا يصح له، فإنَّ المسافر إذا أتم بالمقيم، وجب عليه أن يتم الصَّلَاة معه أربع ركعات.
قيل لابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: ما بال المسافر يصلي خلف المقيم فيتم الصَّلَاة؟ قَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ! تلك السُّنَّة، تلك السُّنَّة"؛ يشير إِلَى ما جاء في الصحيحين من قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قَالَ: (وَلَا الضَّالِّينَ)؛ فقولوا: آمين أَجْمَعِينَ"(الحديث في الصحيحين).
ومن الأغلاط -يا عباد الله- أن المسافر إذا نزل في بلدٍ توجه إليه، إِمَّا لزيارة أو نزهة لا يجيب إجابة المؤذن إذا دعاه ونداه إِلَى الصَّلَاة، معتبرًا بأنه مسافر؛ لا يجوز له ذلك؛ لعموم قول النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "من سمع النداء فلم يجب؛ فلا صلاة له إِلَّا من عذر"، وَهذَا -يا عباد الله- يشمل المسافر وغير المسافر؛ لأنهم جميعًا سمعوا النداء، فَلَا بُدَّ أن يتموا صلاتهم.
ثُمَّ اعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلاً تذلُّ به أعداءك، اللَّهُمَّ أبرم لهذِه الأُمَّة أمر رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولاياتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَى أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَى أعدائك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِينَ يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات