عناصر الخطبة
1/حال البشرية عند غياب الوحي السماوي 2/حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم 3/وجوب التمسك بالإسلام الحنيف 4/التحذير من أعمال الجاهلية 5/شركيات تناقض الإسلام.اقتباس
هذا الدين الحنيف هو سبيل السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة، فالله الله بالتمسك به، والحذر الحذر من نقضه عروةً عروةً بأعمال الجاهلية الأولى، فقد أخبر عمر -رضي الله عنه- بأن الذي ينقض الإسلام عروة عروة هو من...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا؛ أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العظيم، المستحق للعبادة دون سواه، وأشهد أن محمدًا عبده وسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- واشكروه على نِعَمه الكثيرة، التي من أعظمها أن أرسل إلينا أفضل الرسل، وأنزل علينا خير الكتب، وشرع لنا أكمل الشرائع، ورضي لنا الإسلام دينًا.
فقد أرسل الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- على حين فترة من الرسل، يهدي به إلى أقوم الطرق، وأوضح السُّبل، وافترض على العباد طاعته، فعلَّم به من الجهالة وبصَّر به من العمى، وأرشد به من الغيّ، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، وأشرقت الأرض برسالته بعد ظُلمتها، وتآلفت به القلوب بعد شتاتها، وسارت دعوته سير الشمس في الأقطار، وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار، وترك أُمّته على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك.
قال الله -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[سورة آل عمران:164]، فقد كانوا في ضلال مبين في عقائدهم؛ حيث كانوا يعبدون الأصنام والأشجار والنيران، ومنهم من يعبد الملائكة والأولياء، ويقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)[سورة الزمر:3]، هذه حالة الوثنيين من العرب وغيرهم، ولا تقل عنها في الضلالة حالة المليين من اليهود والنصارى؛ حيث حرَّفوا دين الأنبياء واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم.
كان الناس في ضلال بين في حياتهم السياسية، وخصوصًا العرب، فقد كانوا يعيشون في غارات وثارات وحروب طاحنة، وكانوا في ضلال مبين في حياتهم الاقتصادية ومعايشهم، كانوا يتعاملون بالربا، ويقعون في النهب والسلب، ويأكلون الميتة والدم، ويسيِّبون بعض مواشيهم وزروعهم للأصنام، وربما قتل بعضهم ولده للصنم أو بنته خشية العار.
هكذا كانت حالة أهل الأرض قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في الحديث "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب"، أي: نزرًا يسيرًا ممن تمسك بما جاء به عيسى -عليه السلام-، فبعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لإظهار هذا الدين، وسببًا في الحصول على الطيبات، واستقرار الأمن، قال -تعالى-: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[سورة الأنفال:26].
وأخبر عن نبيه أنه مهما تآمر عليه الأعداء ونفروا منه فإن الله كافيه ومؤيده وناصره، ومؤلف بين قلوب أتباعه، قال -تعالى-: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[سورة الأنفال:62-63]، فجعل -تعالى- الرابطة الحقيقية بالإيمان والتقوى، لا بالنسب والوطن، والعزة الحقيقية لله ولرسوله وللمؤمنين.
ووعد -تعالى- المؤمنين الموحدين العاملين الصالحات بالاستخلاف في الأرض، والتمكين لدينهم، والأمن بعد الخوف، وبين أن من كفر منهم بعد ذلك فهو فاسق خارج عن طاعة ربه؛ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[سورة النور:55].
أيها المسلمون: لا يخفى أن هذا الدين الحنيف هو سبيل السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة، فالله الله بالتمسك به، والحذر الحذر من نقضه عروةً عروةً بأعمال الجاهلية الأولى، فقد أخبر عمر -رضي الله عنه- بأن الذي ينقض الإسلام عروة عروة هو من ينشأ في الإسلام ولا يعرف أمور الجاهلية، فيقع فيها لعدم علمه بها، وظنه أنها لا تنافي الإسلام أو كماله.
وقد عدَّد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ما يقرب من مائة وثلاثين مسألة من مسائل الجاهلية، فينبغي للمسلم أن يعرفها وغيرها من نواقض الإسلام حتى يتوقاها ويسلم منها، بل عليه أن يسأل عنها حتى لا يقع فيها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[سورة يونس:7-10].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العظيم، الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعيم، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي أرسله الله رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، صلى الله عليه وعلى أصحابه، وكل من آمن به وتمسك بسنته إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-، وتمسكوا بالإسلام الذي اختاره الله سبيلاً إلى دار السلام، واعلموا -رحمكم الله- أن كثيرًا من المنتسبين إلى الإسلام إذا تأملت في حالهم لم تجدهم إلا على مجرد الانتساب إليه، فتراهم على كثيرٍ مما ينافي حقيقة الإسلام من مسائل الجاهلية، فيعظمون أصحاب القبور ويستغيثون بهم ويتقربون إليهم بأنواع القربات.
كما كان أهل الجاهلية يعبدون اللات والعزى ومناة، ويتخذون من مشايخ الطرق الصوفية أربابًا من دون الله، يشرّعون لهم من الدين ما لم يأذن به الله من الأوراد البدعية، وإحياء الموالد والذكريات المشتملة على كثير من الخرافات والشركيات، وبعضهم ينتسب إلى أهل البيت كذبًا وزورًا يريد من ذلك إغراء الجهال بالتبرك به واتباعه على الباطل.
وبعض المنتسبين إلى الإسلام يحكمون القوانين الوضعية بدلاً من الشريعة الإسلامية؛ والله -تعالى- يقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)[سورة النساء:60].
وفي مجال التعامل لا يتورعون عن الحرام فيتعاملون بالربا، ولا يأخذون من الإسلام إلا ما يوافق رغباتهم، وما خالفها رفضوه كحال الذين قال الله فيهم: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ)[سورة المائدة:70]، والذين قال الله فيهم: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ)[سورة النور:48-49].
فاتقوا الله -عباد الله-، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، حققوا معنى لا إله إلا الله بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله، واعلموا رحمكم الله أنه من يسلم وجهه إلى الله وهو محسن في اتباع شريعة الله فقد استمسك بالعروة الوثقى، الموصلة إلى رضوان الله ومغفرته وجنته.
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم طهّر قلوبنا من درن الذنوب ومرض النفاق، وارزقنا البصيرة في جميع شؤوننا يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات