عناصر الخطبة
1/ مرحبا رمضان 2/ بركات رمضان 3/ الاستعداد لرمضان 4/ سُرَّاقُ رمضان 5/ معاصي رمضان 6/ التخطيط لرمضاناهداف الخطبة
اقتباس
فيا أيها الناس، هذا شهر رمضان أقبل؛ فماذا أعددنا له؟ فلقد كان السلف يتلقون الشهر بمزيد من الأعمال والنيات، وهكذا كل موسم عظيم كانوا يحتفون به، ويستعدون له؛ ليكونوا من الفائزين فيه...
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها الناس، ما أعظمه من دين! وما أسمحها من شريعة امتنّ الله بها علينا في هذه الأمة! فالله -جل وعلا- كلفنا بتكاليف فيها الخير والهدى والنور, وعليها يصلح أمر الدنيا والآخرة، ورتب عليها لمن أداها أجورا عظيمة، كما رتب عليها عقابا لمن قصر في أدائها.
وعلم الرب أن التقصير من عادة البشر، فجعل لهم أوقاتا تمحى فيها تلك الذنوب، وتحط عنهم آصارهم، وتنير قلوبهم، وتجدد إيمانهم، وتطهر نفوسهم، وتغسل ذنوبهم، فيعودوا كما ولدتهم أمهاتهم؛ ومن تلك الأوقات موسم رمضان، الذي ملئ بالخيرات والرحمات والعتق من النيران، موسمٌ كل من تاجر فيه فهو رابح، حقا إنه موسم لا يخسر فيه إلا محروم.
معاشر المسلمين: بقي قرابة عشرةِ أيام، ثم ندخل هذا الموسم العظيم، فيا لها من نعمة عظيمة أن ندرك هذا الموسم! فمجرد بلوغك وصومك له، دلالة على محبة الله لك، وإرادته لك الخير، فإياك والإعراضَ والكسل! هي كما أخبر المولى عنها: (أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) [البقرة:184]، ستمر سريعا كما مر غيرها، فكن فيها من المسابقين. ليكن شعار أحدنا في هذا الشهر: "وعجلت لك ربي لترضى"، وشعار: "لن يسبقني إلى الله أحد".
عباد الله: الطاعة في هذا الشهر ميسرة، بل إنك لتجد نفسك تدعوك لها وتحبها؛ وما ذاك إلا لما وضع الله في هذا الشهر من الإعانة للناس؛ فأهل الشر خاملون، والشياطين مسلسلة، وأبواب الجنان مفتوحة، وأبواب النيران مغلقة، فروحانيات رمضان ترفع النفوس عن السفاسف، وتدعوها إلى المعالي.
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَنْبَعِثُ الْقُلُوبُ إلَى الْخَيْرِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي بِهَا وَبِسَبَبِهَا تُفَتَّحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُمْتَنَعُ مِنْ الشُّرُورِ الَّتِي بِهَا تُفَتَّحُ أَبْوَابُ النَّارِ، وَتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ فَلَا يَتَمَكَّنُونَ أَنْ يَعْمَلُوا مَا يَعْمَلُونَهُ فِي الْإِفْطَارِ؛ فَإِنَّ الْمُصَفَّدَ هُوَ الْمُقَيَّدُ، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ بِسَبَبِ الشَّهَوَاتِ؛ فَإِذَا كَفُّوا عَنْ الشَّهَوَاتِ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ".
وقال أيضا: "وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ"؛ فَإِنَّ مَجَارِيَ الشَّيَاطِينِ، الَّذِي هُوَ الدَّمُ، ضَاقَتْ؛ وَإِذَا ضَاقَتْ انْبَعَثَتْ الْقُلُوبُ إلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، الَّتِي بِهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَإِلَى تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي بِهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ فَضَعُفَتْ قُوَّتُهُمْ وَعَمَلُهُمْ بِتَصْفِيدِهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَفْعَلُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُمْ قُتِلُوا وَلَا مَاتُوا؛ بَلْ قَالَ: "صُفِّدَتْ"، وَالْمُصَفَّدُ مِنْ الشَّيَاطِينِ قَدْ يُؤْذِي، لَكِنَّ هَذَا أَقَلُّ وَأَضْعَفُ مِمَّا يَكُونُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ؛ فَهُوَ بِحَسَبِ كَمَالِ الصَّوْمِ وَنَقْصِهِ؛ فَمَنْ كَانَ صَوْمُهُ كَامِلًا دَفَعَ الشَّيْطَانَ دَفْعًا لَا يَدْفَعُهُ دَفْعُ الصَّوْمِ النَّاقِصِ؛ فَهَذِهِ الْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ فِي مَنْعِ الصَّائِمِ مِنْ الْأَكْلِ".
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وقيل: في هذا إِشَارَة إِلَى رَفْعِ عُذْرِ الْمُكَلَّفِ، كَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: قَدْ كُفَّتِ الشَّيَاطِينُ عَنْكَ؛ فَلَا تَعْتَلَّ بِهِمْ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ ولا فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ".
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "وهَذَا مِنْ مَعُونةِ الله للمسلمين، أنْ حَبَسَ عنهم عَدُوَّهُمْ الَّذِي يَدْعو حزْبَه ليكونوا مِنْ أصحاب السَّعير؛ ولِذَلِكَ تَجدُ عنْدَ الصالِحِين من الرَّغْبةِ في الخَيْرِ والعُزُوْفِ عَن الشَّرِّ في هذا الشهرِ أكْثَرَ من غيره".
عباد الله: لا عذر للبليد الكسلان، فإن الخير كثير، والمعطي كريم، وما بقي إلا التعرض لأسباب المغفرة.
أخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد في المسند من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَقِيَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: "آمِينَ! آمِينَ! آمِينَ!"، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا؟ فَقَالَ: "قَالَ لِي جِبْرِيلُ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: آمِينَ! ثُمَّ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ! ثُمَّ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ!".
اللهم بلغنا رمضان، وارزقنا فيه صالح الأعمال.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس، هذا شهر رمضان أقبل؛ فماذا أعددنا له؟ فلقد كان السلف يتلقون الشهر بمزيد من الأعمال والنيات، وهكذا كل موسم عظيم كانوا يحتفون به، ويستعدون له؛ ليكونوا من الفائزين فيه، فالخيل إذا لم يدربها صاحبها قبل السباق تعجز عن المسابقة، وتَنبتُّ في أوله، وهكذا النفس البشرية، إذا لم يتعاهدها صاحبها قبل رمضان، ويدربها على شيء من العبادة، ويطهرها من الذنوب بالتوبة؛ فإنها تعجز عن العمل، وتنفر منه.
عباد الله: إن أهل الشر يستعدون ويتهيئون بما استطاعوا لإفساد الشعوب المسلمة بأنواع الشهوات في ليالي رمضان، فالحذرَ الحذرَ من حبائلهم وشهواتهم! فلقد وصفهم الله في كتابه فقال: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء:27].
فلنعتزل قنواتِهم ومواقعَهم، ولنهرب إلى الله الذي بيده السعادة، وقد حكم بأنها لا تنال إلا بالطاعة فقط، فقال -سبحانه-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل:97].
من الآن؛ لنعتزل المعاصي والذنوب، ولنقبل على ربنا غفار الذنوب، ولا نحتقر أي ذنب، فلا تدري أي ذنب يوبقك ويصرفك عن الخير، ولنعمل الخير كله، فهو عنوان الفلاح، (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77].
لنطهر نفوسنا، ولنقطع متعلقاتها بالشهوة والمعصية قبل الولوج في شهر رمضان، ولنهيئ أنفسنا للمسابقة للخيرات بالمكث في المساجد، وتلاوة القرآن، والصدقة، وبر الوالدين، وقيام الليل، والبعد عن الذنوب، كالغيبة، والنميمة، والبهتان، وسوء الأخلاق.
عباد الله: في شهر رمضان نلحظ شبابنا يذرعون الشوارع ويزعجون الناس ويؤذونهم، وأصوات الغناء صارخة، والنساء في الأسواق، ناهيك عن التبرج والسفور، والرجال في الاستراحات، سهر على المباحات والمحرمات، إلا من رحم الله. فلماذا يقتل الوقت في شهر فضيل بهذه المعاصي، ونهاره يقتل بالنوم؟.
ألا فلنتقي الله ولنعد العدة لهذا الشهر، ولنرتب جداولنا في فعل الخيرات، والمسابقة لرب الأرض والسموات، فوالله! إنها لَلَّذَة الحقيقية، والسعادة الأبدية، كما قال بعض السلف: "مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أحسن ما فيها"، قالوا: وما أحسن ما فيها؟ قال: "طاعة الله".
أيها الآباء: إن عليكم مهمة صعبة في هذه الإجازة، ألا وهي التربية والنصح للأسرة، وإنه لبلاء وامتحان، فعلينا أن نسأل الله الإعانة والتوفيق.
أخي، لا تنشغل عن أسرتك في رمضان، عليك أن تحوطهم بنصحك، اجعل لهم جوائزَ ومحفزاتٍ ليتسابقوا في الخيرات، مَن ختم القرآن فله كذا، ومن حفظ سورة من القرآن فله كذا، ضع لهم مسابقة في كتاب نافع، وأجزل عليه المكافأة، اجعل بيتك شعلة من النشاط في الخير؛ لينشغلوا عن الشر وأهله، واعلم أن ما تنفقه في هذا لَبابٌ من أعظم الصدقات، ودرِّبْ أمهم على ذلك لتعينك على الخير.
اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات بفعل القربات... اللهم وفقنا لهداك... اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات...
التعليقات