عناصر الخطبة
1/الاعتبار بسرعة رحيل الأيام 2/فوائد من مدرسة رمضان 3/الحث على صيام الست من شوالاقتباس
إن رمضان مدرسة فجرت طاقات الإنسان وقدرته, وبددت وساوس الشيطان وتعجيزه, رمضان شهر مكاشفة النفس وبيان قدرتها وطاقتها؛ صمنا شهراً كاملاً لم تفكر النفس أن تفطر فيه أو تترك يوماً, فأين نفسي ونفسك التي كانت تخذلنا عن صيام النوافل...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله بلغتنا رمضان وأتممناه صائمين قائمين, الحمد لله أفرحتنا بعيد الفطر مكبرين مهللين, وأشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك, وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك ما أتقاه, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا, أما بعد:
فيا عباد الله: إن الذي فرض الصيام للتقوى, دعا لحياة مليئة بالتقوى؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
هلّ هلال رمضان, انتصف رمضان, أقبلت العشر الأواخر, انتهى رمضان, مبارك لكم العيد, انتهى العيد, هكذا هي الحياة بأيامها بأزمانها بعملها, تطوي سريعاً وتنقضي جميعاً, لا دوام على حال, وثباتها على حال محال, صغير يكبر, وكبير يهرم, وصحيح يمرض, ومريض يُشفى, وحي يموت, ووليد يستقبل حياة, هي الحياة الدنيا يا أهل الجمعة؛ (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الحديد: 20].
فاغتنوا دنياكم قبل الرحيل, اغتموا دنياكم قبل المرض العليل, قالها ابن عمر -رضي الله عنهما- كما جاء في صحيح البخاري قال: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح, وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء, وخذ من صحتك لمرضك, ومن حياتك لموتك".
يا أهل الجمعة: أين رمضان؟! انتهى ولى وانقضى, سقى الله أيامه الغر, ولياليه الزهر, سقى الله فيه قرآناً يُتلى, وبه يُقام ليلٌ ويُحيا, سقى الله فيه مسجد يُلازم, ولسان وعين تكف عن كثير المآثم!.
يا أهل الجمعة: انتهاء رمضان سنة حياة لست في صدد الرثاء لها, وإنما رمضان شهر عام, ترى ما هي حياتنا في الأحد عشر شهراً الأخرى؟!.
رمضان مدرسة حياة؛ فبماذا خرجنا منه؟! إن أعظم مدرسة نتخرج بها من رمضان هي مدرسة العبادة, ومن تعبد لله في غير رمضان ذاق هذا الأنس وتلك السعادة؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
يا أهل الجمعة: إن رمضان مدرسة فجرت طاقات الإنسان وقدرته, وبددت وساوس الشيطان وتعجيزه, رمضان شهر مكاشفة النفس وبيان قدرتها وطاقتها؛ صمنا شهراً كاملاً لم تفكر النفس أن تفطر فيه أو تترك يوماً, فأين نفسي ونفسك التي كانت تخذلنا عن صيام النوافل في شعبان ورجب وغيره من الشهور؟!.
أثبتت نفسي ونفسك أننا قادرون, ولكنه العجز والكسل الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين يستعيذ منه: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل", فهلَّا جاهدنا أنفسنا ولو على وصية الحبيب -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث..." وذكر منها: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر".
قمنا رمضان شهراً كاملاً بإحدى عشرة ركعة, ومنا منه أكثر, ترى أين نفسي ونفسك عن قيام الليل, أو عن الوتر في شعبان ورجب وغيره من الشهور؟!.
أثبتت نفسي ونفسك في رمضان أننا قادرون على قيام الليل والوتر؛ فهلَّا جاهدنا أنفسنا ولو على وصية الحبيب -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث..." وذكر منها: "وأن أوتر قبل أن أرقد".
تلونا القرآن ومنا من ختم في رمضا ختمة وختمتين وثلاث وأكثر, ترى أين نفسي ونفسك عن تلاوة القرآن في شعبان ورجب وغيره من الشهور, لم لا نختم القرآن ولو في الشهر مرة؟!.
رمضان -يا أهل رمضان- مدرسة, هنيئاً لمن أخذ منه وتزود للشهور الباقية, مترقباً متأملاً نداء ربه يوم يناديه غداً في الآخرة؛ (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)[الحاقة: 24].
أقول ما سمعتم, وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولوالديكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا, وبعد:
عباد الله: إن من علامات قبول الحسنة إتباعها بحسنة مثلها, وفي هذا جاءكم حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال؛ كان كصيام الدهر"(أخرجه مسلم في صحيحه).
ومن أحكامها: أنه يجوز صيامها متفرقة ومتتابعة في شهر شوال, وجمهور أهل العلم أنه يجوز تقديم صيام الست من شوال على أيام القضاء لمن عليه قضاء من رمضان, مع أن البدء بالقضاء أحوط وأبرء للذمة, وعلى أنه لا يحتاج لصيام الست من شوال إلى نية من الليل, فلو نوى أثناء النهار ولم يتناول مفطراً من الفجر فصيامه صحيح, ويدرك فضل الست إن شاء الله.
كما لا يصح الجمع بين صيام الست وصيام أيام القضاء في نية واحدة في يوم واحد؛ لأن كلاً منهما عبادة مستقلة.
اللهم صل على محمد.
التعليقات