عناصر الخطبة
1/ الزواج آية من آيات الله 2/ الزواج سنة الأنبياء والمرسلين 3/ من مخالفات الأفراحاهداف الخطبة
اقتباس
في زمن عصفت فيه الفتن، وماجت فيه المنكرات، واندفع فيه سيل جارف من الشهوات والملهيات والمغريات، من مجلات وقنوات، وأفلام وأغنيات، فجّرت في النفوس براكين الشهوات، وسقط بسببها جمع من الشباب والفتيات في حمأة الرذيلة والفاحشة. في هذا الزمن، تُسَرّ العين وتأنس الأذن وينشرح القلب عندما نرى عشًّا للسعادة يبنى، وبناءً للفضيلة يشيّد، يضع الشاب أولى لبناته، وتمد الفتاة يدها لمشاركته، ويفزع الأهل لإقامته ..
الحمد لله الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً ونساءً، أبدع ما خلقه، وأحكم ما شرعه، وأعطى كل نفس هداها.. نحمده حمدًا كثيرًا لا يتناهى، ونشكره على نعمه التي تفضل بها وأعطاها، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضلُ البرية وأزكاها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].
عباد الله: في زمن عصفت فيه الفتن، وماجت فيه المنكرات، واندفع فيه سيل جارف من الشهوات والملهيات والمغريات، من مجلات وقنوات، وأفلام وأغنيات، فجّرت في النفوس براكين الشهوات، وسقط بسببها جمع من الشباب والفتيات في حمأة الرذيلة والفاحشة.
أقول: في هذا الزمن، تُسَرّ العين وتأنس الأذن وينشرح القلب عندما نرى عشًّا للسعادة يبنى، وبناءً للفضيلة يشيّد، يضع الشاب أولى لبناته، وتمد الفتاة يدها لمشاركته، ويفزع الأهل لإقامته.
إنه البناء الأسري الذي تفضّل الله سبحانه به على عباده، ودعا إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- معشر الشباب من هذه الأمة.
الزواج آية من آيات الله.. به يقطع الشر، ويشيع الطهر، ويحفظ الفرج، ويُغض البصر: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
الزواج سنة الأنبياء والمرسلين، وهو سبيل المؤمنين؛ ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
وقد سئل الإمام أحمد -رحمه الله-: ما تقول في التزويج هذا الزمان؟! -يعني: في زمانه هو، زمان الإمام أحمد- فقال -رحمه الله-: مثل هذا الزمان ينبغي للرجل أن يتزوج، ليت أنه إذا تزوج اليوم ثنتين يسلم، ثم قال: ما يأمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبطَ عمله؟! إذا كان هذا في زمن الإمام أحمد فماذا نقول نحن في زماننا هذا؟!
أيها الأحبة: في أيام الإجازات تكثر الزيجات، فلله الحمد والمنَّة، ونسأل الله التوفيق لكل عروسين، وأن يبارك لهما وعليهما، ويجمع بينهما في خير.
حفل الزفاف اجتماع مبارك، ووليمة العرس سنة نبوية يجب حضورها على من دعي إليها.
وعلى الرغم من أن هذا الزواج نعمة من نعم الله العظيمة، وآية من آياته الكريمة، فإنه قد أحيط في هذه الأيام ببعض المخالفات التي تكدر صفوه، وربما تَمحَق بركته وتُذهب ثمرته، وتحيله إلى بلاء ونقمة.
فمن مخالفات الأفراح: المغالاة في المهور وتكاليف الزواج؛ فقد كان الزواج في السابق وإلى عهد قريب من أيسر الأمور، فأصبح اليوم من أشق الأمور وأعسرها؛ ذلك لأننا ألزمنا أنفسنا بأعرافٍ وشكليات، وأثقلنا كواهلنا ببدع ورسميات، ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد أحيط الزواج في هذه الأيام بأغلال الفخر والخيلاء والمباهاة والتقليد، حتى أصبح الحلال عسيرًا، بينما ترى شياطين الإنس والجن قد جعلوا الحرام مبذولاً يسيرًا.
وقل مثل ذلك في المغالاة والإسراف في حفلات الزفاف، ابتداءً ببطاقات الدعوة والمغالاة فيها شكلاً ومضمونًا وعددًا وطباعة، وانتهاءً بقصور الأفراح والمباهاة فيها، بل تطور الأمر ببعضهم إلى إقامة حفلات الزفاف في الفنادق بمبالغ طائلة، وكذلك الإسراف في المطاعم والمشارب، وصرف آلاف الريالات عليها، فضلاً عن رؤوس المواشي التي تذبح وتطبخ، ثم أين يكون مصيرها؟!
لعلك تمر بجوار أحد قصور الأفراح لترى بأم عينيك أكوامًا من النعم مرمية في حاوية كبيرة للنفايات، فرحماك يا إله العالمين، وعفوك يا أرحم الراحمين، أمم تتباهى بأطعمتها نوعًا وكمًّا، وترمي أكثرها، وأمم في مشارق الأرض ومغاربها تبحث عن فتات الخبز. وقد نقل الثقات أن النساء المسلمات في تشاد يبحثن في بيوت النمل عن حبة القمح ليأكلوها بسبب شدة الجوع؟! فيا الله.. أين نحن؟! وأين هم؟!
عجبًا لنا!! نسترخص الآلاف في الولائم، لكننا في المقابل نشح بالريالات في سد جوعة الفقراء والمساكين!!
ألا فلنتق الله، ولنخش زوال نعمته وفجاءة سخطه؛ فقد نهى الله -عز وجل- عن الإسراف والتبذير، قال سبحانه: (يَـابَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31]، وقال تعالى: (وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْونَ الشَّيَـاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَـانُ لِرَبّهِ كَفُورًا) [الإسراء: 27].
علينا -أيها الأحبة- أن نكون معتدلين غير مسرفين ولا مقتّرين، ثم إذا فاض شيء من الطعام فلنكن مستعدين بالتنسيق المسبق مع الجمعيات والمبرات الخيرية التي توصل الفائض إلى المحتاجين.
ومن مخالفات الأفراح: لبس الفاضح من الثياب بالنسبة للنساء، فهذه ثياب رقيقة، وأخرى عارية، وأخرى مخرمة، وتلك قصيرة ومفتوحة من الجوانب، وأخرى ضيقة تصف حجم الأعضاء، وحدث ولا حرج عن البناطيل والصدور والبطون، والحجة: الموضة وموديل العصر، ونحن أمام النساء. يا سبحان الله، أين هؤلاء النساء مما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما قط"، وذكر منهما: "نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها".
وفي جواب اللجنة الدائمة للإفتاء عن لباس المرأة أمام النساء، قالت اللجنة: وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت، كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين، وأما التوسع في الكشف فعلاوة على أنه لم يدل دليل على جوازه، فهو طريق لفتنة المرأة وتشبه بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم". انتهى.
ومن المخالفات: عدم التزام الحجاب الشرعي، بل أصبح الحجاب ذاته عند بعضهن لباس تجمّلاً ومباهاة، وذلك بلبس العباءات المطرّزة وأغطية الوجه المخالفة للشرع والنقابات الواسعة ووضع العباءة على الكتف ولبس الكاب وغيرها.
ومن المخالفات بالنسبة للرجال إسبال الثياب والمشالح إلى أسفلِ الكعبين، وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم". وذكر منهم المسبل إزاره.
ومن المخالفات: لبس الباروكة، وهي حرام؛ لأنها من وصل الشعر المحرم، وقد ثبت في حديث أسماء -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن الواصلة والمستوصلة. متفق عليه.
ومن المخالفات أيضًا: قصّ الشعور أو تسريحها على وجه يشبه ما عليه الكافرات، وهذا محرم، وهكذا جمع المرأة شعرها بطريقة مائلة فوق رأسها، فتدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة".
ومن المخالفات: حلق ما يحرم حلقه من الشعر، كحلق المرأة حواجبها، وهذا هو النّمص، وقد جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن النامصة والمتنمصة.
ومن الحلق المحرم حلق الرجل لحيته ابتغاءً للجمال، وهل عرفت الدنيا أجمل من محمد -صلى الله عليه وسلم-؟! وقد كان كثّ اللحية، وهو القائل -صلى الله عليه وسلم- كما عند مسلم: "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى".
من المخالفات: خروج النساء من بيوتهن متعطرات، ومرورهن أمام الرجال، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- المرأة إذا مست بخورًا أن تأتي إلى المسجد، فكيف إذا خرجت لغير المسجد؟!
ومن المخالفات أيضًا: تصوير النساء في الأفراح، سواء بالكاميرات العادية أم كاميرات الفيديو أم كاميرات الجوال، وكم جرّت هذه الصور والأفلام من مصائب وآفات، وكم أفسدت من أسر وبيوت، وكم تسببت في طلاق وشقاق وفراق، وكم هُتك بسببها من ستر وعفاف وفضيلة!! وربما شاهد الرجل زوجته في فيلم يتناقله الشباب بينهم. فأي مصيبة بعد ذلك؟!
كيف يرضى العاقل أن تلتقَط الصورُ لمحارمه ونسائه فضلاً عن ذي الإيمان والمروءة.
أيها الإخوة: ومن المنكرات الجسيمة التي تحدث في بعض حفلات الزواج: دخول العريس على النساء، والجلوس أمامهن في المنصة، فيشاهد النساء وهن يشاهدنه، وكلٌ في أبهى زينته، فأي فتنة بعد ذلك؟! وأين الغيرة؟! أما يغار هذا الرجل على نساء المسلمين؟! وكيف يجيز لنفسه النظر إلى نساء أجنبيات قد تزينَّ بأجمل زينة؟! ثم أين غيرة أزواج النساء اللاتي يحضرن مثل هذه الحفلات؟!
وقل مثل ذلك في دخول بعض الرجال -كإخوة العريس- عند النساء ورقصِهم وإنشادِهم الأشعار، أو دخولِ خدم الفنادق وقصور الأفراح من الرجال لخدمة النساء، ومثلُه دخولُ بعض المراهقين من أبناء الخامسة عشرة وأكثر، بحجة أنهم صغار. والله المستعان.
أيها الأحبة: ومن المخالفات: تقليد الكفار في بعض طقوس الزواج أو ما يسمى بالزفة: كتقليد عباد النار بحمل الشموع خلف العروس، وهذا من التشبه بالكفار، وقد ثبت عند أبي داود من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تشبه بقوم فهو منهم".
ومن مخالفات الأفراح: النثـار، وهو طرح النقود ونحوها في الزواج، ذُكِر إن إحدى النساء كانت ترقص وفي يدها عشرة آلاف ريال، وبعد انتهاء شوطها مزقتها ورمتها على الأرض.
فاللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وردنا إليك ردًا جميلاً، إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي شرع لنا النكاح، وحرم علينا السفاح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فالقُ الإصباح، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، إمام الدعاة ورائد الإصلاح، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم بإيمان، ما تعاقب المساء والصباح، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن من المنكرات التي تقع في بعض الأفراح: إحياء حفلة الزفاف -زعموا- بالغناء الماجن المصاحب لآلات العزف المحرمة، كلمات ماجنة، وعبارات ساقطة، ودعوات للرذيلة، وإخلال بالفضيلة على رؤوس الأشهاد، ومكبرات أصوات، صوتها يخرق الجدران، ويدوّي في الآذان، بكلمات الهوى والشيطان.
ومن المعلوم شرعًا أن الأغاني حرام ولا يجوز سماعها، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) [الإسراء: 64]. قال مجاهد: باللهو والغناء، أي استخفهم بذلك.
وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [لقمان: 6]. قال ابن مسعود: هو والله الغناء. وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وجمع من التابعين.
فالغناء يورث النفاق في القلب، وهو بريد الزنا، والواجب على المسلمين إنكار هذا المنكر الذي شاع بينهم في هذه الأزمنة، فإنك لا تدخل محلاً ولا بيتًا إلا وتسمع فيه الطرب واللهو والغناء إلا من رحم الله، حتى إن الأغاني والمعازف دخلت أجهزة الاتصال والجوال.
إذا علم هذا فإن الشارع الحكيم أباح للنساء الضربَ بالدف في الأعراس والمناسبات، والإنشادَ بالكلام الشريف لا بالكلام الماجن الوضيع.
فعلى المقبلين على الزواج أن يتقوا الله في حفلات الزواج، ويتقوا الله في نسائهم، في لباسهن وحجابهن، وبعدهن عن الرذيلة.
وما أجمل -أيها الأحبة- أن ننطلق في أفراحنا من اعتزازنا بديننا، وأن نكون صادقين مع ربنا، شاكرين لأنعمه، سائلينه سبحانه أن ينزل البركة والسعادة والتوفيق للزوجين في حياتهما الجديدة، وما أحوجهما إلى ذلك.
ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على خير البرية.
التعليقات