عناصر الخطبة
1/أوصاف النفس في القرآن وأحوال الناس مع نفوسهم 2/محاسبة السلف لنفوسهم 3/معينات على محاسبة النفس.

اقتباس

مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ، وَسِمَةُ الصَّادِقِينَ وَدَيْدَنُ الْمُوَحِّدِينَ، وَهِيَ عَلَامَةٌ عَلَى إِيمَانِ صَاحِبِهَا؛ فَالْمُؤْمِنُ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ عَلَى تَقْصِيرِهِ فِي طَاعَةِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ أَنَّهَا مَيَّالَةٌ إِلَى هَوَاهَا، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُحَاسِبْهَا وَيَحْجِزْهَا عَنْ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ، وَسِمَةُ الصَّادِقِينَ وَدَيْدَنُ الْمُوَحِّدِينَ، وَهِيَ عَلَامَةٌ عَلَى إِيمَانِ صَاحِبِهَا؛ فَالْمُؤْمِنُ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ عَلَى تَقْصِيرِهِ فِي طَاعَةِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ أَنَّهَا مَيَّالَةٌ إِلَى هَوَاهَا، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُحَاسِبْهَا وَيَحْجِزْهَا عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ قَادَتْهُ إِلَى الْهَلَاكِ وَالْخَسَارَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَلِذَلِكَ عَلَّمَنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ أَنْ نُكَرِّرَ دَائِمًا قَوْلَهُ: "وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا"(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَالنَّاسُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ تَسَلَّطَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فَأَطَاعَهَا حَتَّى أَرْدَتْهُ فِي الْمَهَالِكِ فَأَصْبَحَ أَسِيرًا لَهَا تُحَرِّكُهُ حَيْثُ شَاءَتْ، وَتَأْخُذُ بِيَدَيْهِ حَيْثُ اشْتَهَتْ، وَهَذَا حَالُ أَهْلِ الطُّغْيَانِ، كَمَا ذَكَرَ رَبُّنَا فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النَّازِعَاتِ:38-42].

 

وَقِسْمٌ ظَفِرَ بِنَفْسِهِ، وَانْتَصَرَ عَلَيْهَا، وَأَمْسَكَ زِمَامَهَا، وَأَحْكَمَ لِجَامَهَا، فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ؛ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:

وَالنَّفْسُ رَاغِبَةٌ إِذَا رَغَّبْتَهَا *** وَإِذَا تُرَدُّ إِلَى قَلِيلٍ تَقْنَعُ

 

وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- النَّفْسَ فِي الْقُرْآنِ بِثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ: الْمُطْمَئِنَّةِ، وَالْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَاللَّوَّامَةِ؛ فَالنَّفْسُ إِذَا سَكَنَتْ إِلَى اللَّهِ وَاطْمَأَنَّتْ بِذِكْرِهِ، وَأَنَابَتْ إِلَيْهِ، وَامْتَثَلَتْ أَوَامِرَهُ، وَاجْتَنَبَتْ نَوَاهِيَهُ، وَاشْتَاقَتْ إِلَى لِقَائِهِ، وَأَنِسَتْ بِقُرْبِهِ، فَهِيَ مُطْمَئِنَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا عِنْدَ الْوَفَاةِ: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)[الْفَجْرِ:27-30].

 

وَإِذَا كَانَتِ النَّفْسُ بِضِدِّ ذَلِكَ فَهِيَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، تَأْمُرُ صَاحِبَهَا بِمَا تَهْوَاهُ مِنْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ، وَدُرُوبِ الرَّدَى، وَاتِّبَاعِ الْبَاطِلِ.

 

وَأَمَّا النَّفْسُ اللَّوَّامَةُ فَقَدْ قِيلَ: هِيَ الَّتِي تَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ، وَتَلُومُ عَلَيْهِ؛ يَقُولُ اللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ:18]؛ فَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِهَا، وَالْمُتَابَعَةِ لِأَعْمَالِهَا.

 

وَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ -تَعَالَى- بِالنَّفْسِ، وَذَكَرَهَا مَعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ دَلَالَةً عَلَى أَهَمِّيَّتِهَا وَمَنْزِلَتِهَا، وَبَيَانًا لِضَرُورَةِ الْمُحَاسَبَةِ وَأَهَمِّيَّتِهَا، فَقَالَ -تَعَالَى-: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)[الْقِيَامَةِ:1-2]؛ فَالْإِنْسَانُ بَصِيرٌ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ، عَالِمٌ بِدَخَائِلِهَا، وَلَوْ تَظَاهَرَ بِالْأَعْذَارِ وَجَادَلَ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَنْ يَنْفَعَهُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا إِشَارَةً إِلَى ضَرُورَةِ الرُّجُوعِ إِلَى النَّفْسِ وَمُحَاسَبَتِهَا، وَإِصْلَاحِ عُيُوبِهَا قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ.

 

وَرُوِيَ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلُهُ: "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ"(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ- أَشَدَّ النَّاسِ مُحَاسَبَةً لِأَنْفُسِهِمْ، وَاتِّهَامًا لَهَا، وَاعْتِرَافًا بِتَقْصِيرِهَا وَجَهْلِهَا، مَعَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ الْقَوِيمِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالْقَدْرِ الْعَظِيمِ؛ أَعْمَالٌ عَظِيمَةٌ، وَأَخْلَاقٌ كَرِيمَةٌ، وَنُفُوسٌ مُسْتَقِيمَةٌ؛ هُدًى وَصَلَاحٌ، جِهَادٌ وَكِفَاحٌ، بَذْلٌ وَعَمَلٌ، جُودٌ وَكَرَمٌ، بُكَاءٌ وَنَدَمٌ، وَمُسَارَعَةٌ إِلَى الْخَيْرَاتِ، مُنَافَسَةٌ فِي الطَّاعَاتِ، وَصَفَاءٌ فِي النِّيَّاتِ؛ فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-‏ يَقُولُ: "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ؛ وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ".

 

وَيَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "لَا تَلْقَى الْمُؤْمِنَ إِلَّا يُعَاتِبُ نَفْسَهُ، مَاذَا أَرَدْتُ بِكَلِمَتِي؟ مَاذَا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي؟ مَاذَا أَرَدْتُ بِشَرْبَتِي؟".

 

وَيَقُولُ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ لِنَفْسِهِ: أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟ أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟ ثُمَّ زَمَّهَا، ثُمَّ خَطَمَهَا، ثُمَّ أَلْزَمَهَا كِتَابَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَكَانَ لَهَا قَائِدًا".

 

وَيَقُولُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: "لَا يَكُونُ الرَّجُلُ تَقِيًّا حَتَّى يَكُونَ لِنَفْسِهِ أَشَدَّ مُحَاسَبَةً مِنَ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ".

 

هَكَذَا كَانُوا -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- يَلُومُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَيَبْكُونَ تَقْصِيرَهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ كَانَ مَغْرُورًا، وَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا بِاسْتِحْسَانٍ فَقَدْ أَهْلَكَهَا؛ وَأَعْرَفُ النَّاسِ بِأَنْفُسِهِمْ أَشَدُّ النَّاسِ مُحَاسَبَةً لَهَا، وَرَقَابَةً عَلَيْهَا؛ (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)[فَاطِرٍ:18].

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ:281].

 

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ طَرِيقٌ لِلنَّجَاحِ، وَسَبَبٌ لِلْفَلَاحِ، وَأَمَارَةُ سَعَادَةٍ، وَدَلِيلُ رَشَادَةٍ، وَهُنَالِكَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تُعِينُ عَلَى مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَتُقَوِّي بَوَاعِثَ الْخَيْرِ فِيهَا، وَمِنْ ذَلِكَ:

اسْتِشْعَارُ رِقَابَةِ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى خَفَايَاهُ، وَأَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)[ق:16]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ:235].

 

وَأَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ؛ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزَّلْزَلَةِ:7-8]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الْحِجْرِ 92 :93].

 

ثَالِثًا: أَنْ يَتَذَكَّرَ الْحِسَابَ الْأَكْبَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَنْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْحِسَابِ هُنَا، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِسَابَ هُنَالِكَ؛ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[آلِ عِمْرَانَ:30].

 

خِتَامًا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- فَإِنَّ تَذَكُّرَ الْمَوْتِ، وَأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ، يَدْعُو الْمُؤْمِنَ إِلَى مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَالْأَخْذِ بِزِمَامِهَا إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ وَالْفَلَاحِ، يَقُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَفِي رِوَايَةٍ: "وَاعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى".

 

فَلْنُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا، وَلْنَعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ، وَمَنْ تَذَكَّرَ هَوْلَ الْمَطْلَعِ عَلَى اللَّهِ، حَاسَبَ نَفْسَهُ وَأَعَدَّ الْعُدَّةَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life