عناصر الخطبة
1/ حماية الشرع للنسب وللنسل 2/ الناس لآدم وآدم من تراب 3/ لا فضل لأحد على غيره إلا بالتقوى 4/ رفض النبي -صلى الله عليه وسلم- لدعاوى الجاهلية والفخر بالأحساب 5/ المعايير الشرعية في الكفاءة في النكاح.اهداف الخطبة
اقتباس
فمعَ كُلِّ هذا المَقت والإبطَال لِدعَوى الجاهلية, الذي تَواطَأَ عليه الشَرعُ, والعَقلُ, والعُرفُ السَليم, فإنِّها لا تَزَال حَاضِرَةً في مُجتَمِعِنَا وبدَرَجَةٍ لا يُستَهَانُ بها مِن القُوَّة, في قضايا النِكَاحِ والـمُصَاهَرَةِ خاصة, مُتَذَرِعِينَ بأنَّ مِن بينِ شُرُوطِ النِكاحِ: شَرطُ تَكَافُؤ النَسَب, فهذا يُهَدِدُ بالقَتل, وذاكَ يَتَوَعَّدُ بالويل, وثَالِثُ يَدعُو بالثُبُور, والكُلُّ إنَّما يُريدُ للعَقدِ ألاَّ يَتِم, وهو نَتِيجَةٌ طبيعية لضعفِ الإيمانِ في المجتَمَع, الذي بقوتِه تَتَلاشَى آثارُ الجاهليةِ من الوجود, وعلى كُلٍّ فهنا وقفتان...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ بَنِي الإنسَانَ مِن نَفسٍ واحِدَةٍ أَنشَأ, وأعمَالَهُم عليهم لها أحصَى, وبعدَ حِلٍّ وتِرحَالٍ إلى رَبِكَ الرُجعَى, فمَن أَحسنَ فلَهُ جَزَاءً الحُسنَى, ومَن أَسَاء فعِصيَانُهُ لَهُ أقصَى, فلا يُغنِي نَسَبٌ عن ذَويه, وإنِّما تُجزَى كُلُّ نَفْسٍ بما تَسعَى, وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَّهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبه, وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أما بعد: فعَلَيْكم بتقوى اللهِ عبادَ الله، بها تُدرِكونَ كَرامَةَ الدُنيا وشَرفَ الآخرِة, أمَّا الأُولى ففي ميزانِ الله, لا في ميزانِ الخَلْق, وأمَّا الآخِرَة, فحتى الخَلْقُ يُقِرُونَ لكُم بِذاك, ولا يُغبَنُ إلا مَغبُون..
معاشرَ المسلمين:
للإنسانِ نَسَبٌ لا يَنفَكُ عنهُ طَبْعَا, ولا يَجوزُ لَهُ الخُروجُ مِنهُ شَرعًا, وهذا النَسَب, قد حَظَرَ الشرعُ حِمَاهُ مِن جَانبين, فلا يَدخُلُهُ الخَلْط, ولا يُبتَذَل.
أمَّا النَأيُّ به عن الخَلْط, ففي الصحيحينِ مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ, وأَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ"، وفيهما أيضاً مِن حديثِ سَعْدٍ بنِ أَبِي وَقَاصٍ، وَأَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ"، وفيهما ثَالِثَةٌ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- "لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ" وقَبلَ هذا كُلِّهِ قَولُ الحَقِّ تَبَارَكَ وتَعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) [الأحزاب: 5].
وأمَّا النَأيُّ بهِ عن الابتِذَال, فإنَّ اللهَ خَلَقَ النَّاسَ جَميعاً مِن أصلٍ واحِد (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) [السجدة: 7- 8]، فهُم وإنْ تَمَايَزتْ أَنسَابُهُم فأصلُ الخَلْقِ واحِد, ومِعيَارُ الشَرَفِ فِيِّمَا بَينَهُم هُوَ مَا قَرَّرَهُ مَن خَلَقَهُم (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13].
وأمَّا معَاييرُ الخَلْقِ فهيَ تَبَعٌ لأهوائِهِم, ومُتَبِعُ هَواه, لا يُدرَكُ رِضَاه, وفي التَنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ...) [الحجرات: 13].
وفيه ثانيةٌ كَما عندَ مُسلمٍ مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ, وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ".
وثالِثةٌ كَما عندَ مُسلمٍ أيضاً مِن حديثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ".
أمَّا مَن وَسوَستْ لَهُ نَفْسُهُ أنَّ لَهُ في الدِينِ مَزِيدُ مَزِيةٍ لا يُستَدرَكُ عليهِ مَعَهَا, أو تَنأى بهِ عنِ النَقد, فأَظُنُّ أنَّها لَنْ تَبلُغَ مِنْهُ بأنْ تُوهِمَهُ بأنَّهُ كَمَنْزِلَةِ الرَسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع هذا فقد قالَ اللهُ لنَبِيهِ: (لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [الأنفال: 68].
وقال: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) [الأحزاب: 37]، وثالثة: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * ...) [عبس: 1- 3]، وقالَ لَهُ رَابِعَة: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران: 128].
وخَامِسَةٌ قَال: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا) [هود: 112].
بل هذا رَسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخبِرُ عن نَفسِهِ بأنَّهُ سَيدُ النَّاسِ يَومَ القيامَةِ, ومع هذا يقولُ: "ولا فَخْر" وفي حَديثِ جَرِيرٍ لـمَّا أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ تَرْعَدُ فَرَائِصُهُ قَالَ: "هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ فِي هَذِهِ الْبَطْحَاءِ"، فمَن كانَ دُونَهُ في الشَرَف, فليَربَأ على نَفْسِهِ.
ولـمَّا تَدَاعَى الصَحَابَةُ بأحيائِهِم -كما في الصحيحينِ مِن حديثِ جابرٍ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟! دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ"، وفيهما أيضاً أنَّهُ قالَ لأبي ذَرٍّ لـمَّا تَنَقَصَّ رَجُلاً مِن الصحابةِ بأُمِّهِ: " أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ".
وفي بَيَانٍ شَافي, وزَجْرٍ كَافي, وتَشبِيهٍ أَحسَبُ أَنَّهُ عن العَصَبِيَاتِ مُجَافِي, قالَ رَسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- عندَ أحمدَ, وأبي دَاوودَ, والترمذي: " إنَّ الله قد أذهبَ عنكم عُبِيَّةَ الجاهِليَّةِ وفَخْرَها بالآباء، مُؤمِنٌ تقيٌّ، وفَاجِرٌ شقيٌّ، أنتم بنو آدَمَ، وآدمُ مِن تُرابِ، لَيَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوامٍ، إنِّما هم فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جهنمَ، أو ليكونُنَّ أهونَ على الله من الجُعْلانِ، التي تدفَعُ بأنْفِهَا النَتْنَ" فالـمُفَاخَرَةُ: دَهْدَهَة, والـمُفَاخَرُ بهِ: نَتَن, والـمُفَاخِرُ: جُعلاَن, وليسَ ورَاءَ هذا مِن الـمُفَاخَرَةِ مَزِيدُ تَنفِير.
ومَن فَاخَرَ بِنَسَبِهِ فقد شابَهَ إبليس (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص: 76]، ومَن فَاخَرَ بنِعمَةٍ مِن نِعَمِ اللهِ عليهِ فقد شَابَهَ فِرعَون (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزخرف: 52] وفي مُسلِمٍ: "مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ".
هذا إبطَالُ الـمُفَاخَرَةِ في ميزانِ الشَرع, أمَّا ذَمُّهَا في ميزانِ العقل, فمِّمَا اتَفَقَتْ عليهِ كَلِمَةُ العُقَلاء؛ إذْ أنَّ الشَرَفَ بالهِمَمِ العالية, لا بالرِمَمِ البالية, ومَزِيَّةُ الإنسانِ بفضلِهِ, لا بأصلِه, وجَلاَلُهُ بأدَبِهِ, لا بِنَسَبِه..
لا تَقُلْ أصلِي وفصلِي أبَدا *** إنِّمَا أَصلُ الفَتَى ما قد حَصَل
قِيمَةُ المَرءِ ما يُحسِنُهُ *** أكثَرَ المرءُ مِنهُ أو أَقَل
فما يُغنِي مَجدُ الآباءِ مع إسفَافِ الأبناء؟
كُن ابنَ مَن شِئتَ واكتَسِب أدَباً *** يُغنِيكَ مَحمُودُهُ عن النَسَبِ
فليسَ يُغنِي الحسيبَ نِسبَتُهُ *** بِلا لِسَانٍ لَهُ ولا أَدَبِ
إنَّ الفَتَى مَن يقولُ ها أنا ذا *** ليسَ الفَتَى مَن يقولُ كانَ أبي
والـمُفَاخِرُ بمَجدِ آبائهِ مع تَنَكُبِهِ سَبِيلَهُم, مُبدٍ للناسِ عَيبَ نَفسِهِ..
إذا افتخرتَ بآباءٍ لهم نَسَبٌ *** نعم صَدَقتَ ولكن بِئسَ ما وَلَدُوا
أقول هذا القول, وأستغفر اللهَ...
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ عَظِيمِ الـمَواهِب, مُتَفَضِلٌ على خَلقِهِ وللمَحَامِدِ واهِب, ما نَستَقبِلُ مِنها, وما مَضَى مع الأيامِ ذاهِب, و صلى اللهُ وسَلَّمَ على عَبدِهِ ورسولِهِ محمد, وعلى آله وصحبه والتابعين, ما تَنَفَسَّ نَسِيمُ الصَبَا, وما استَحَالَتْ إلى الجنوبِ لاَهِب..
أمَّا بعدُ أهلَ الإسلام:
فمعَ كُلِّ هذا الـمَقت والإبطَال لِدعَوى الجاهلية, الذي تَواطَأَ عليه الشَرعُ, والعَقلُ, والعُرفُ السَليم, فإنِّها لا تَزَال حَاضِرَةً في مُجتَمِعِنَا وبدَرَجَةٍ لا يُستَهَانُ بها مِن القُوَّة, في قضايا النِكَاحِ والـمُصَاهَرَةِ خاصة, مُتَذَرِعِينَ بأنَّ مِن بينِ شُرُوطِ النِكاحِ: شَرطُ تَكَافُؤ النَسَب, فهذا يُهَدِدُ بالقَتل, وذاكَ يَتَوَعَّدُ بالويل, وثَالِثُ يَدعُو بالثُبُور, والكُلُّ إنَّما يُريدُ للعَقدِ ألاَّ يَتِم, وهو نَتِيجَةٌ طبيعية لضعفِ الإيمانِ في المجتَمَع, الذي بقوتِه تَتَلاشَى آثارُ الجاهليةِ من الوجود, وعلى كُلٍّ فهنا وقفتان:
الأولى: أنَّ الكفاءةَ في النَسَب, واشتِراطها لصحةِ النِكَاح, هو خِلافُ مذاهبِ الجماهيرِ مِن العلماء, بل لم يَرِد إلا في روايةٍ عن الإمامِ أحمد هي على خِلافِ الأصحِ مِن المذهب, وليسَ لها ما يَعضِدُهَا مِن النصوصِ إلا حديثين: الأَوَّلُ حديثُ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عندَ البيهقي أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الْعَرَبُ أَكْفَاءٌ بَعْضُهَا بَعْضًا قَبِيلٌ بِقَبِيلٍ، وَرَجُلٌ بِرَجُلٍ, وَالْمَوَالِي أَكْفَاءٌ بَعْضُهَا بَعْضًا قَبِيلٌ بِقَبِيلٍ، وَرَجُلٌ بِرَجُلٍ, إِلَّا حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ".
والآخَرُ حديثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عندَ الطبراني, والدارقطني أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لَا تَنْكِحُوا النِّسَاءَ إِلَّا الْأَكْفَاءَ، وَلَا يُزَوِّجُهُنَّ إِلَّا الْأَوْلِيَاءُ، ..." وكِلا الحديثينِ ضَعيف, والضَعِيفُ لا تَقُومُ بهِ حُجَّة.
ولذا فقد تَواردتْ الأقوالُ على عدمِ اعتبارِ هذا الشرطِ مِن لَدُنِ الصحابةِ فمَن بعدَهم إلى عصرِنَا الحاضر, فقد رُوِيَ عَدَمُ اعتِبَارِهِ عن عُمرَ, وابنِ مسعودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وهو قولُ ابن تيميةَ وابنِ القيم, وفي عصرنَا قال بهِ ابنُ بازٍ, والعُثيمين, وعليه: فلا اعتبَارَ للكفاءةِ إلا في الدِيْن, فلا يُزَوَّجُ الكافِرُ بالمسلِمَة, ولا الفَاسِقُ بالعَفيفة, وما وراءَ ذلك, فمِن دَعوى الجاهلية.
أمَّا الوقفَةُ الثانية: فثَلاثَةُ أسئِلَةٍ أَوَدّ مِن أولئكَ الذينَ تَوَلَّوا كِبَرَ الـمُطَالَبَةِ بفسخِ هذا النِكَاحِ الإجَابَةَ عنها..
أوَّلُهَا: لِنَفتَرِض جَدَلاً بأنَّكُم أدرَكتُم مُرَامَكُم وفُسِخَ النِكاح, مَن مِنكُم سَيَقبَل بنكَاحِ هذهِ المرأة؟! أَكادُ أجزم بأنَّ أيَّاً مِنكُم لن يَقبل, فباللهِ عليكم إذا أَوقَفَتْكُم أَمَامَ الجَبَّارِ يَومَ القيامةِ وقالتْ: رَبِّ سَلْ هؤلاءِ لِمَا مَنَعُوني ما أَحلَلْتَ لي؟ فمَا عسى أنْ يَكونَ جَوابُكُم.
وثَانِيهَا: أَيِّكُمُ أَشرَفُ نَسَبا: أنتم, أَمْ الرَسول -صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ إذا أَقرَرتُم بالثانية, فاعلَمُوا بأنَّ النبيَّ -صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَوَّجَ ابنَةَ عَمَّتِهِ أُمَيمَةَ بنتَ عبدالـمُطَلِب -زينب بنتَ جَحشٍ- زَوَّجهَا مِن زِيد بنِ حَارثةَ -رضي اللهُ عنه- مَولىً مِن الموالي, وزَوَّجَ فاطمةَ بنتَ قيسٍ القرشيةَ الفَهريةَ مِن أسامةَ بنِ زيدٍ -رضي اللهُ عنهما- مَولىً مِن الموالي, وخَبَرُهَا في مسلم, بَلْ بِلالُ بنُ رَبَاحٍ الحَبَشِي -رضي اللهُ عنه- كانت تَحتَهُ هَالَةُ بنتُ عَوفٍ القرشية, أختُ عبدالرحمنِ بنِ عَوف -رضي اللهُ عنهما- أحَدِ العشرَةِ الـمُبَشَّرينَ بالجنَّة.
وثالِثُهَا: ثَمَّةَ نِظَامٌ في المملكة يَقضِي بالسَمَاح لغيرِ السُعودِيين بالزواجِ من الـمَرأةِ السُعودية, فلماذا لا يُقَامُ لإلغائه؟ أَمْ أنَّكُم تَعتَذِرُونَ بأنَّهُ لا يُخَالِفُ الشَرع, إذا قلتُم ذلك, فلماذا الاستِقواءُ على الضعيفِ إذاً؟!
أصلَحَ اللهُ الحال, ونَفَعَ بالـمَقَال, وأَجَارنَا مِن غَلَبَاتِ الهَوى, وميلهِ إذا مَال..
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين, ...
التعليقات