عناصر الخطبة
1/ نعمة الأمن 2/ حلاوة الحياة في ظل الأمن 3/ الأمن نعمة لا يعرف قدرها إلا فقدها 4/ مفاسد فقدان الأمن واختلاله 5/ حرص الإسلام على المحافظة على الأمن 6/ بعض ما جاء من الوعيد في حق المخلين بالأمن والمروعين للآمنيناهداف الخطبة
اقتباس
العبادة تحلو وتصفو في ظلال الأمن, بحيث يمارس العابد عبادته وهو مطمئن البال مرتاح, ويمارس عبادته بالشكل الصحيح, وكم هو الفارق بين صلاة الخوف التي شرعها الإسلام, وصلاة الطمأنينة التي تكون تحت ظلال الأمن, هل ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: من أعظم نعم الله -تعالى- على العبد بعد نعمة الإيمان: نعمة الأمن, وإذا رأينا أمة أو قوماً أكرمهم الله -تعالى- بنعمة الأمن فإنهم يُحسدون حسد غبطة, ولا عجب في ذلك, فقد قال الله -تعالى-: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف) [قريش: 3- 4].
وجاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام الترمذي في سننه, عن عُبَيد اللَّه بِن مِحْصَنٍ الأَنْصارِيِّ الخَطْمِيِّ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "منْ أَصبح مِنكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ، معافى في جَسدِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".
فالعبد إذا أكرمه الله -تعالى- بنعمة الأمن أولاً, ثم بنعمة العافية ثانياً, ثم بنعمة لقمة العيش ثالثاً, فكأنه حيزت له الدنيا بحذافيرها.
فنعمة الأمن عند جميع العقلاء هي مقدَّمة على لقمة العيش, وهي أول دعوة دعاها سيدنا إبراهيم -عليه السلام-, فقال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) [البقرة: 126] فقدَّم نعمة الأمن على نعمة الرزق, لعِظَمها وخطورة زوالها.
أيها الإخوة الكرام: إن نعمة الأمن نعمةٌ عظيمة نسأل الله -تعالى- أن لا يحرمنا منها, ولا يحرم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها منها؛ لأنه بنعمة الأمن وفي ظلاله يحلو كلُّ شيء.
أولاً: العبادة تحلو وتصفو في ظلال الأمن, بحيث يمارس العابد عبادته وهو مطمئن البال مرتاح, ويمارس عبادته بالشكل الصحيح, وكم هو الفارق بين صلاة الخوف التي شرعها الإسلام, وصلاة الطمأنينة التي تكون تحت ظلال الأمن, هل تستوي الصلاتان من حيث الأداء؟
ثانياً: بنعمة الأمن يصبح النوم سباتاً, والطعام هنيئاً, والشراب مريئاً, وصدق الله القائل: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) [النبأ: 9] فكم هو الفارق بين النوم في ظلال الأمن, والنوم في ساعات الخوف؟
ثالثاً: بنعمة الأمن يأمن الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم, وهذا ما يتمنَّاه كلُّ عاقل.
رابعاً: بنعمة الأمن تعمُّ الطمأنينةُ النفوسَ, ويسود الهدوء, وتؤدى الواجبات والحقوق بين العباد, وبين العباد وخالقهم جلَّت قدرته.
أمةَ سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: إن نعمة الأمن نعمة عظيمة, وإذا ألفها الإنسان حيناً من الدهر, ربما أن لا يعرف قدرها, ولذلك قالوا: النعم لا يُعرف قدرها إلا بزوالها, وأسأل الله -تعالى- أن لا يحرمنا نعمة الإيمان ولا نعمة الأمن والأمان.
نحن نرى مَن حولنا قد سلبت منهم الآن نعمة الأمن -والعياذ بالله -تعالى-, ونسأله تبارك وتعالى- أن يعيد نعمة الأمن لبلاد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
كم يعاني أهل فلسطين والعراق واليمن وليبيا وكثير من بلاد المسلمين عندما فقدوا نعمة الأمن, حتى في مصر وتونس؟ وسلوا أهل مصر وتونس عن المعاناة التي يمرُّون بها عندما فقدوا نعمة الأمن في أوطانهم, وإن حقَّقوا بعض الأمور بتلك الثورات, إلا أنهم فقدوا نعمة الأمن الآن, أسأل الله -تعالى- أن لا يحرمنا منها, وأن يعيدها إليهم وإلى سائر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
يا عباد الله: ما قيمة المال إذا فقدنا نعمة الأمن؟ وما قيمة العيش إذا فقدنا نعمة الأمن؟ وكيف تنتعش البلاد والعباد إذا فقدنا نعمة الأمن؟ وكيف يكون التعامل بين أفراد الأمة إذا فقدنا الأمن؟
يا عباد الله: إذا لم يُحَكِّم الناسُ شرعَ الله -تعالى- فيهم في الساعات العصيبة فعليهم أن يحكِّموا عقولهم وأن ينظروا بالمنظار البعيد, وليكن أخفُّ الضررين.
أيها الإخوة الكرام: إن نعمة الأمن نعمة كبرى, ومنَّةٌ عظمى من الله -تعالى-, فإذا اختلَّت أو فُقِدت -لا قدَّر الله تعالى-, ترتَّب عليها ما لا تُحمد عقباه, من هذه الأمور:
أولاً: تفسد الحياة, ولا يهنأ أحد براحة البال, وتسوء الأحوال.
ثانياً: إذا فُقِدت نعمة الأمن تُعاق سبل الدعوة إلى الله -تعالى-, وتتعطَّل مجالس العلم والذكر, وبذلك يشقى العباد.
ثالثاً: إذا فُقِدت نعمة الأمن تتغيَّر النعم بأضدادها, فيكون الخوف بدل الأمن, والجوع بدل رغد العيش, والفوضى بدل اجتماع الكلمة, والعدوان بدل العدل, والقسوة بدل الرحمة, والتدابر بدل التواصل.
رابعاً: إذا فُقِدت نعمة الأمن يئن المريض فلا دواء ولا طبيب, وهذه مصيبة كبرى على المريض وأهله.
خامساً: إذا فُقِدت نعمة الأمن تبور التجارة, ويتعسَّر طلب الرزق, وتتعطَّل مرافق الحياة.
سادساً: إذا فُقِدت نعمة الأمن تُهجر الديار, وتُفارق الأوطان, وتتفرَّق الأُسَر.
سابعاً: إذا فُقِدت نعمة الأمن, تُقتل النفوس البريئة, وتُرمَّل النساء, وييتم الأطفال.
ثامناً: إذا فُقِدت نعمة الأمن يُشاع الظلم, وتُستلب الممتلكات, ويذوق المجتمع لباس الفقر والجوع.
تاسعاً: إذا فُقِدت نعمة الأمن لا يأمن الناس على أعراضهم ومحارمهم.
عاشراً: إذا فُقِدت نعمة الأمن وخاصة في يوم الجمعة تعطَّلت أقدس شعيرة من شعائر ديننا, ألا وهي صلاة الجمعة, التي فيها تتعلَّم الأمة أمور دينها, وهي محطَّة لتقوية إيمان الأمة.
ومن الملاحظ: أن التظاهرات خُصِّصت يوم الجمعة, لماذا هذا -يا عباد الله-؟ هل يريد المتظاهرون تعطيل صلاة الجمعة؟ أم يريد استغلال تجمع الناس وقت العبادة؟
يا عباد الله: لقد انصرف الكثير عن صلاة الجمعة بسبب فقد الأمن يوم الجمعة, حيث صار يوم خوف ورعب, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها الإخوة المؤمنون: جاء الإسلام ليصون الدماء والأموال والأعراض والنفوس والدين أولاً, جاء الإسلام ليحقق للناس الأمن والأمان, جاء الإسلام ليحذِّر الناس من أن يروِّع أحدٌ أحداً؛ لأن في المجتمع النساء والأطفال والشيوخ والمرضى وأصحاب الحاجة؛ لأنَّ في المجتمع الطلاب الذين يدرسون ويحتاجون إلى جوٍّ آمن.
يا من يروِّع الآمنين: اسمع إلى بعض أحاديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:
أولاً: روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ --صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-- فِي مَسِيرٍ, فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ, فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهَا, فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ, فَضَحِكَ الْقَوْمُ, فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ فَقَالُوا: لا, إِلا أَنَّا أَخَذْنَا نَبْلَ هَذَا فَفَزِعَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا".
ثانياً: وروى الطبراني عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال: "لا تروعوا المسلم، فإن روعة المسلم ظلمٌ عظيم".
ثالثاً: سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لم يرضَ أن يروَّع حيوان, أخرج أبو داود في سننه عن ابنِ مسْعُودٍ -رضي اللَّه عنْهُ- قَال: "كُنَّا مع رسُولِ اللَّه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- في سفَر، فَانْطَلَقَ لحَاجتِهِ، فَرأيْنَا حُمَّرةً معَهَا فَرْخَانِ، فَأَخذْنَا فَرْخيْها، فَجَاءتْ الحُمَّرةُ تَعْرِشُ, فجاءَ النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- فقال: منْ فَجع هذِهِ بِولَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدهَا إليْهَا".
يا عباد الله: إن ترويع المسلم ظلم عظيم, فلا تروِّعوا بعضكم بعضاً, ولا تروِّعوا أصولكم ولا فروعكم ولا أزواجكم بفقدكم, اتقوا الله في أنفسكم وفي أصولكم وفروعكم وأزواجكم, واسمعوا إلى هدي نبيكم سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- حيث يقول: "لا تروعوا المسلم ، فإن روعة المسلم ظلمٌ عظيم".
روى الإمام البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- قال: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ, فَقَالَ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".
وفي رواية أخرى لابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: "أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُ أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ, وَلَقَدْ أَتَيْتُ وَإِنَّ وَالِدَيَّ لَيَبْكِيَانِ؟ قَالَ: "فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا".
أيها الإخوة الكرام: قولوا لشبابنا وشبابكم: لا تروعوا أصولكم وفروعكم وأزواجكم في التظاهرات, كم من أب يبكي على ولده؟ وكم من أم تبكي على ولدها؟ وكم من زوجة تبكي على زوجها؟
يا شباب هذه الأمة: إن لم تجعلوا أموركم في ميزان الشرع, فاجعلوها في ميزان العقل, وانظروا إلى الفتنة التي تكون من وراء هذه التظاهرات, وعلى رأس هذه الفتن حرمان نعمة الأمن في الأوطان والديار, وعلى رأس هذه الفتن الخوف على الأعراض والمحارم.
تذكَّروا يا شبابُ: قول الله -تعالى-: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].
وأخيراً: أقول -يا عباد الله-: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [غافر: 44].
أقول هذا القول, وكلٌّ منا يستغفر الله, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات