عناصر الخطبة
الخُطْبَةُ الأُولَى: أما بعد: فيا أيها الناس: لقد خلق الله الخليقة كلها, وهداها لما خلقت له؛ (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[طه: 50], وكان من هدايته للبشر أن يرسل لهم رسلا؛ يخرجونهم من الظلمات إلى النور, ولقد تعاقبت القرون قرنا بعد قرن, والصراع بين الحق والباطل قائم, فأول من وطئ الأرض بقدميه من البشر هو آدم -عليه السلام-, ومكث آدم وذريته على التوحيد عشرة قرون, فقد كان عمر آدم ألف سنة, كما صح به الخبر. ولما توفي دب الشرك في قوم نوح, فبعث الله نوحا داعيا للتوحيد, ثم أغرق الله أهل الأرض بعد أن دعاهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاما, فلم ينج إلا نوح ومن معه من المؤمنين في السفينة, ثم عاش الناس على التوحيد دهرا, ثم لما مات نوح دب فيهم الشرك, فأرسل الله الرسل تترا, كما قال الله -سبحانه-: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ)[المؤمنون: 44], والرسل والأنبياء كثر لا يعلم عددهم إلا الله, كما قال -سبحانه-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)[غافر: 78]. فجاء نوح ثم هود ثم صالح ثم إبراهيم ولوط, ثم تناسلت الرسل من ذرية إسحاق, لا يعلمهم إلا الله, كما قال -سبحانه-: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ)[إبراهيم: 9], وكان كل نبي أو رسول يرسل إلى قومه خاصة, حتى بُعث نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- من ذرية إسماعيل, وبعث إلى الناس كافة, كما قال -سبحانه-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)[سبأ: 28], وأخبر بذلك عن نفسه, كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر قال -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَىٰ قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً", وفي (صحيح مسلم): "كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَىٰ قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَىٰ كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ". فجاء نبينا -صلوات الله وسلامه- عليه ناسخا لكل شرعية قبله؛ ولهذا بشرت به الأنبياء والرسل أقوامهم, وجاء ذكره في التوراة والإنجيل, كما قال -سبحانه- (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)[آل عمران: 81], فهذا الرسول هو نبينا محمد -صلوات الله وسلامه عليه-. ولقد جعل الله هذا الدين ناسخا لكل شريعة, فلا يقبل عند الله إلا الإسلام, كما قال -سبحانه-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85], وقال -سبحانه-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آل عمران: 19]. ولقد مر على كل شريعة قبل الإسلام تحريف وتبديل, وجعل الله الحفظ لهذا الدين, فلا دين بعده, كما لا نبي بعد نبينا -صلوات الله وسلامه عليه-, فكل دين سوى الإسلام فهو باطل, ولا دين حق إلا الإسلام. ولا يوجد دينان من عند الله, بل هو دين واحد, فدين الأنبياء كلهم واحد وهو الإسلام, ولكن لهم شرائع مختلفة, وعقيدتهم واحدة, ولكن اليهود والنصارى حرفوا شرائعهم, فمن مات من اليهود والنصارى على شريعتهم قبل التحريف فهم مسلمون, ومن تبع التحريف فهو ضال زائغ عن دين الله. معاشر المسلمين: إن الشرائع الموجودة الآن في هذا الزمن كلها بدءًا باليهودية ثم النصرانية وغيرهِما, كلها شرائع باطلة لا يجوز الاعتراف بها ولا نسبتها إلى الله لأنها محرفة, ومالم يحرف منها فهو منسوخ بدين الإسلام, فكل دين غير الإسلام فهو باطل, ومعتنقه كافر, ولو مات مات على الكفر, ومأواه جهنم خالدا فيها أبدا, كما قال -سبحانه-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة: 72], وأخرج مسلم في صحيح من حديث أبي هريرة, قال -صلى الله عليه وسلم-: "والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة لا يَهُودِيٌّ، وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ؛ إِلاَّ كانَ مِنْ أَصْحَابِ النار". والخلاصة: أنه لا يوجد دينان, بل هو دين واحد من زمن آدم إلى نبينا محمد -صلوات الله وسلامه عليه-, وهو الإسلام؛ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آل عمران: 19], فلا يحق لأحد أن يقول: "إن اليهود والنصارى مؤمنون, ولهم دين سماوي, ولا يدخلون النار يوم القيامة"!, فضلا أن يشهد لهم بالشهادة في سبيل الله؛ لأنهم نصروا قضية للمسلمين!. إن قائل هذه العبارة يعد مرتدا عن الدين, خارجا من الملة؛ مكذبا لله ورسوله, فمن نواقض الإسلام التي ذكرها العلماء: أن من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم, أو صحح مذهبهم, فهو كافر مرتد عن الدين, والعياذ بالله!. فليس كل من نصر الدين, أو دافع عن قضاياه, يتعاطف معه لدرجة أن يشهد له بالشهادة إن مات, ويترحم عليه, وكأنه مسلم, فأين التوحيد؟!. اللهم ارزقنا الاعتصام بالتوحيد وحب أهله يا رب العالمين, أقولُ ما سمعتمْ, فاستغفروا اللهَ إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم. الخطبة الثانية: أما بعد: فيا أيها المؤمنون: إن عقيدة التوحيد هي عقيدة الأنبياء والمرسلين, كلِهم لا يختلفون فيها, كما قال -سبحانه- (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25], فعقيدة التوحيد: هي أن تعتقد أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته, كما لا شريك له في ألوهيته, كما لا شريك له في أسمائه وصفاته. وأما عقيدة اليهود والنصارى اليوم فليست بعقيدة التوحيد؛ بل هي محرفة إلى الشرك بالله, والقول عليه بلا علم, تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. عباد الله: إن النصارى لهم عقيدة خبيثة في الله, تعالى الله عن قولهم، أقول هذا محذرا, وذلك لما راج بين الناس من الدعوة إلى التسامح, وحوار الأديان, والدعوة إلى نشر اليهودية والنصرانية والإسلام, وأنها كلها من عند الله, ضاربين بنصوص الوحيين عرض الحائط, وذلك لجهلهم بالدين, واتباعهم الهوى. وملخص عقيدة النصارى: أنهم ينسبون لله الولد ويجعلونه إلها معه, فعقيدتهم عقيدة خبيثة مبنية على سب الله والإشراك معه, وقد قال الله -تعالى-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)[البقرة: 116], ولشناعة قولهم كفرهم الله حيث يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ)[المائدة: 73], وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة: 17]. ومن عِظم قولهم كادت بعض المخلوقات أن تتلاشى, كما قال -سبحانه-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)[مريم: 88 - 93]. فهل بعد هذا البيان بيان آخر؟! والله إن الحق لبين؛ ولكن رقة الدين في قلوب الناس, وحب الدنيا, وقلة تعظيم الله, واتباع من لا علم الله, أودت بهم؛ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)[الأعراف: 185], عافانا الله وإياكم من عقائد السوء. اللهم ارفع راية التوحيد في سائر بقاع الأرض يا رب العالمين. 1/انحراف الناس عن التوحيد وإرسال الله الرسل 2/الإسلام ناسخ لجميع الأديان قبله 3/عقيدة اليهود والنصارى محرفة 4/عدم اعتقاد كفر النصارى ردة عن الدين 5/ملخص عقيدة النصارى الكفريةاقتباس
إن النصارى لهم عقيدة خبيثة في الله, تعالى الله عن قولهم، أقول هذا محذرا, وذلك لما راج بين الناس من الدعوة إلى التسامح, وحوار الأديان, والدعوة إلى نشر اليهودية والنصرانية والإسلام, وأنها كلها من عند الله, ضاربين بنصوص الوحيين...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: لقد خلق الله الخليقة كلها, وهداها لما خلقت له؛ (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[طه: 50], وكان من هدايته للبشر أن يرسل لهم رسلا؛ يخرجونهم من الظلمات إلى النور, ولقد تعاقبت القرون قرنا بعد قرن, والصراع بين الحق والباطل قائم, فأول من وطئ الأرض بقدميه من البشر هو آدم -عليه السلام-, ومكث آدم وذريته على التوحيد عشرة قرون, فقد كان عمر آدم ألف سنة, كما صح به الخبر.
ولما توفي دب الشرك في قوم نوح, فبعث الله نوحا داعيا للتوحيد, ثم أغرق الله أهل الأرض بعد أن دعاهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاما, فلم ينج إلا نوح ومن معه من المؤمنين في السفينة, ثم عاش الناس على التوحيد دهرا, ثم لما مات نوح دب فيهم الشرك, فأرسل الله الرسل تترا, كما قال الله -سبحانه-: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ)[المؤمنون: 44], والرسل والأنبياء كثر لا يعلم عددهم إلا الله, كما قال -سبحانه-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ)[غافر: 78].
فجاء نوح ثم هود ثم صالح ثم إبراهيم ولوط, ثم تناسلت الرسل من ذرية إسحاق, لا يعلمهم إلا الله, كما قال -سبحانه-: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ)[إبراهيم: 9], وكان كل نبي أو رسول يرسل إلى قومه خاصة, حتى بُعث نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- من ذرية إسماعيل, وبعث إلى الناس كافة, كما قال -سبحانه-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)[سبأ: 28], وأخبر بذلك عن نفسه, كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر قال -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَىٰ قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً", وفي (صحيح مسلم): "كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَىٰ قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَىٰ كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ".
فجاء نبينا -صلوات الله وسلامه- عليه ناسخا لكل شرعية قبله؛ ولهذا بشرت به الأنبياء والرسل أقوامهم, وجاء ذكره في التوراة والإنجيل, كما قال -سبحانه- (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)[آل عمران: 81], فهذا الرسول هو نبينا محمد -صلوات الله وسلامه عليه-.
ولقد جعل الله هذا الدين ناسخا لكل شريعة, فلا يقبل عند الله إلا الإسلام, كما قال -سبحانه-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85], وقال -سبحانه-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آل عمران: 19].
ولقد مر على كل شريعة قبل الإسلام تحريف وتبديل, وجعل الله الحفظ لهذا الدين, فلا دين بعده, كما لا نبي بعد نبينا -صلوات الله وسلامه عليه-, فكل دين سوى الإسلام فهو باطل, ولا دين حق إلا الإسلام.
ولا يوجد دينان من عند الله, بل هو دين واحد, فدين الأنبياء كلهم واحد وهو الإسلام, ولكن لهم شرائع مختلفة, وعقيدتهم واحدة, ولكن اليهود والنصارى حرفوا شرائعهم, فمن مات من اليهود والنصارى على شريعتهم قبل التحريف فهم مسلمون, ومن تبع التحريف فهو ضال زائغ عن دين الله.
معاشر المسلمين: إن الشرائع الموجودة الآن في هذا الزمن كلها بدءًا باليهودية ثم النصرانية وغيرهِما, كلها شرائع باطلة لا يجوز الاعتراف بها ولا نسبتها إلى الله لأنها محرفة, ومالم يحرف منها فهو منسوخ بدين الإسلام, فكل دين غير الإسلام فهو باطل, ومعتنقه كافر, ولو مات مات على الكفر, ومأواه جهنم خالدا فيها أبدا, كما قال -سبحانه-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة: 72], وأخرج مسلم في صحيح من حديث أبي هريرة, قال -صلى الله عليه وسلم-: "والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة لا يَهُودِيٌّ، وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ؛ إِلاَّ كانَ مِنْ أَصْحَابِ النار".
والخلاصة: أنه لا يوجد دينان, بل هو دين واحد من زمن آدم إلى نبينا محمد -صلوات الله وسلامه عليه-, وهو الإسلام؛ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آل عمران: 19], فلا يحق لأحد أن يقول: "إن اليهود والنصارى مؤمنون, ولهم دين سماوي, ولا يدخلون النار يوم القيامة"!, فضلا أن يشهد لهم بالشهادة في سبيل الله؛ لأنهم نصروا قضية للمسلمين!.
إن قائل هذه العبارة يعد مرتدا عن الدين, خارجا من الملة؛ مكذبا لله ورسوله, فمن نواقض الإسلام التي ذكرها العلماء: أن من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم, أو صحح مذهبهم, فهو كافر مرتد عن الدين, والعياذ بالله!.
فليس كل من نصر الدين, أو دافع عن قضاياه, يتعاطف معه لدرجة أن يشهد له بالشهادة إن مات, ويترحم عليه, وكأنه مسلم, فأين التوحيد؟!.
اللهم ارزقنا الاعتصام بالتوحيد وحب أهله يا رب العالمين, أقولُ ما سمعتمْ, فاستغفروا اللهَ إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: إن عقيدة التوحيد هي عقيدة الأنبياء والمرسلين, كلِهم لا يختلفون فيها, كما قال -سبحانه- (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25], فعقيدة التوحيد: هي أن تعتقد أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته, كما لا شريك له في ألوهيته, كما لا شريك له في أسمائه وصفاته.
وأما عقيدة اليهود والنصارى اليوم فليست بعقيدة التوحيد؛ بل هي محرفة إلى الشرك بالله, والقول عليه بلا علم, تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
عباد الله: إن النصارى لهم عقيدة خبيثة في الله, تعالى الله عن قولهم، أقول هذا محذرا, وذلك لما راج بين الناس من الدعوة إلى التسامح, وحوار الأديان, والدعوة إلى نشر اليهودية والنصرانية والإسلام, وأنها كلها من عند الله, ضاربين بنصوص الوحيين عرض الحائط, وذلك لجهلهم بالدين, واتباعهم الهوى.
وملخص عقيدة النصارى: أنهم ينسبون لله الولد ويجعلونه إلها معه, فعقيدتهم عقيدة خبيثة مبنية على سب الله والإشراك معه, وقد قال الله -تعالى-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)[البقرة: 116], ولشناعة قولهم كفرهم الله حيث يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ)[المائدة: 73], وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة: 17].
ومن عِظم قولهم كادت بعض المخلوقات أن تتلاشى, كما قال -سبحانه-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)[مريم: 88 - 93].
فهل بعد هذا البيان بيان آخر؟! والله إن الحق لبين؛ ولكن رقة الدين في قلوب الناس, وحب الدنيا, وقلة تعظيم الله, واتباع من لا علم الله, أودت بهم؛ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)[الأعراف: 185], عافانا الله وإياكم من عقائد السوء.
اللهم ارفع راية التوحيد في سائر بقاع الأرض يا رب العالمين.
التعليقات