عناصر الخطبة
1/الصراع بين الحق والباطل سنة كونية 2/حتمية تميز المسلم بدينه وهويته وتحريم تشبهه باليهود والنصارى 3/الأعياد من شعائر الأديان وتحريم الاحتفال بأعياد الكفار 4/رسم الإسلام لمعالم الحياة الطيبة وتحريمه للأغاني والمعازف وآلات اللهواقتباس
اعلموا -أيها المسلمون-: أن الأعيادَ من شعائر الأديان، فمن دان بدينٍ احتفلَ بأعياده، واعلموا أن للانحرافِ طرقاً، وللضلال سُبلاً، من أقصرها وأخطرها: مُوالاة الكفار، والتَّشبُهَ بهم، فإن كان للموالاة دليلٌ فدليلهُ تقليدُهم، والتَّشبُهَ بهم، وإن...
الخطبة الأولى:
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ)[الأنعام: 1]، و(هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)[غافر: 68]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة: 33]، (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ)[المؤمنون: 78]، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ، رسمَ معالمَ الملَّةِ وأظهرَهَا، والتزمَ بتعاليم ربهِ وأمرَ بها، ودعا إليهَا ونشرَهَا، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابهِ الغرِّ الميامين، أفضَلُ هذهِ الأمَّةِ وأبرَّها، وخيرَهَا وأزكاها وأطهرَهَا، والتابعين ومن تبِعَهم.
أمَّا بعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ- حقَّ التقوى، وهيَّا لاغتنام لحظاتِ العُمرِ فما أسرعَ انْقضائَها، وهيِّا لإصلاح أمرِ آخرتنا، فمن أصلحَ أمرَ آخرتِهِ، صلُحَ لهُ أمرُ دُنياهُ، ومن أرادَ النجاةَ فليُخالِفْ شهواتِ نفسهِ وهواه: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)[الزمر: 9].
معاشر المؤمنين الكرام: قضت سنةُ اللهِ -عزَّ وجلَّ- في هذه الدنيا أن يتصارعَ الحقُّ والباطِل، وأن يتنافسَ الصلاحُ والفساد، قال جلَّ وعلا: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[البقرة: 251]؛ فالتدافعُ والتنازعُ بين الحقَّ والباطلِ مستمرٌ لا يتوقف إلى قيام الساعة، وإن من مقتضى ذلك أن تتعدَّدَ المجتمعاتُ وتتنوع، وأن يكونَ لكلٍّ منها خصائصَ وصفاتٍ، تُميزها عن غيرها، وتحفظُها من التَّفكك والانحلال، قال تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ)[الحـج: 67].
ولقد حبانا الله -تعالى- ديناً عظيماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، فيه الغُنيةُ والكفاية، وبه السعادةُ والهداية، من أقبلَ عليه وأخذَ به أعزَّهُ الله وأسعده بقدر ما يستمسَّكُ به، ومن أعرضَ عنه وتركهُ، أذلَّهُ اللهُ وأشقاهُ بقدر ما يترك منه، جزاءً وفاقاً، عطاءً حساباً.
وإن من الأصولِ الأساسيةِ لهذا الدينِ العظيم: المحبةُ والولاءُ للإسلام وأهله، والبغضُ والبراءةُ من الكفرِ وأهلهِ، وهذا يُحتِمُ تميزَ المسلمِ عن غيرهِ من مللِ الكفرِ وطوائفهِ، واعتزازهِ بدينه، وافتخارهِ بإسلامه، واستغنائهِ بهِ عن غيره، مهما كانت أحوالُ الكفَّارِ قوةً وتقدماً وحضارة، ومهما كانت أحوالُ المسلمين ضعفاً وتخلفاً وتفرقاً، جاء في حديثٍ حسن: "ليس منَّا من تشبهَ بغيرنا".
وجاءت نصوصٌ شرعيةٌ كثيرةٌ تنهى المسلمَ عن التشبه باليهود والنصارى، وتبينُ أنهم في ضلالٍ مُبين، وأنَّ من قلَّدهَم فهو ضالٌ مِثلُهم، قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الجاثية: 18]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[المائدة: 51].
ومعلومٌ -يا عباد الله- أنَّ ديننا دينٌ شامِلٌ كاملٌ وسط؛ لا إفراطَ فيه ولا تفريط: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)[البقرة: 143]؛ أي أمَّةٌ خيار: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران: 110] فأمتكم هي خيرُ الأمم، ونبيكم -ﷺ - هو أفضلُ الرسل، وكتابكم القرآنُ هو أحسنُ الكتب، ودينكم الإسلام هو أكملُ الأديان وأحسنُها، فكم أنت عظيمٌ وعزيزٌ أيَّها المسلم، لو عرفت قدرك وقيمتك وتميزك، وما أكرمَك الله به: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران: 139].
نعم -معاشر المؤمنين الكرام-: نحنُ قومٌ أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزةَ بغيره أذلنا الله، فهل يرضى مُسلمٌ لنفسه أن يُضيِّعَ هذه المكانةَ العالية، وأن يُفرطَ في هذه المنزلةِ السامية؟ هل يرضى مُسلمٌ لنفسه بالدون والتبعيةِ والهوان، فيقلدَ أُمَّةَ الضلال، ويُعرِضَ عن هديِّ الإسلام، فيُمسي ضالاً بعدما كانَ دالاً، ويُصبحُ تابعاً بعدما كان متبوعاً؟ أليس هذا مِصداقُ قولِه ﷺ: "لتتبعُنّ سَنَنَ من كان قبلكم، شبرًا بشر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم"، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟!".
ولماذا جُحرُ الضبِّ بالذات؛ لأنهُ جُحرٌ ضيقٌ جُحرٌ مُلتوي، جُحرٌ شديدُ العفونة، لا يخلو من الهوامَّ السامَّة الخطيرة كالعقارب والعناكب، فهو أميزُ مثالٍ للمسلك السيء، والطريق المهلك: (وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[غافر: 33].
ولقد رسم نبينا الكريم -ﷺ- للمسلم شخصيةً مُستقلةً متميزة، ينفردُ بها عن غيره، حتى في صغائر الأمور ودقائقها، وهذه من أعلى مقامات التربية؛ والحرص على بناء الشخصية المستقلة، والاعتزاز بالهوية المسلمة المتميزة، (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الجاثية: 18]، وقال تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ)[الشورى: 15].
ثم اعلموا -أيها المسلمون الكرام-: أن الأعيادَ من شعائر الأديان، فمن دان بدينٍ احتفلَ بأعياده، واعلموا أن للانحرافِ طرقاً، وللضلال سُبلاً، من أقصرها وأخطرها مُوالاة الكفار والتَّشبُهَ بهم، فإن كان للموالاة دليلٌ، فدليلهُ تقليدُهم والتَّشبُهَ بهم، وإن كان للتقليد عنوانٌ، فعنوانه الاحتفالَ بأعيادهم.
ولقد نهى صلوات الله وسلامه عليه عن كل ما يُفضي إلى مشابهة الكفار، وأصبح ذلك منهجاً معلوماً، وطريقاً مرسوماً، وسنةً متبعة: "خالفوا اليهود والنصارى"، "ليس منا من تشبه بغيرنا"، "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"، "لَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ"، وحتى أصبح ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة، بل إن اليهود أنفسهم قالوا عن ذلك: "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه"(والخبر في مسلم).
وتأملوا -يا عباد الله- فلو كان هذا العيد من اختراع المسلمين لكان الاحتفال به حرامًا، كيف وهو من خواص المغضوب عليهم والضالين؟!
ألا فليعلم كُل مسلمٍ أنَّ الاحتفالَ بأعياد الكفارِ من أعظم البدعِ الكفرية، وأنهُ محرّمٌ بإجماع علماءِ المسلمين، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- ما نصه: "وأمَّا التهنئةُ بشعائر الكفرِ المختصةِ به فحرامٌ بالاتفاق"، ثم قال: "وهو بمنزلة أن يُهنئهُ بسجوده للصليب".
فاحذروا -يا عباد الله- هذه الأعياد الكفرية، واعتزَّوا بدينكم، واستقلوا بشخصيتكم، وتميَّزوا بمنهجكم، ولا يستخفنَّكم الذين لا يوقنون، ولا يضلنكم الذين لا يؤمنون، ولا تتبعوا سبيل المجرمين، الذين يُفسِدون في الأرض ولا يصلحون، ولا تكونوا من المشركين: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)[الروم: 32].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ كثيراً كثيراً، والصلاة والسلام على المبعوث بالحق بشيراً ونذيراً.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه، واعلموا أن مِن تقوى الله -جلَّ وعلا-: الامتثالُ لأوامره، والانتهاءُ عن نواهيه ومحرماته.
معاشر المؤمنين الكرام: لقد جاءَ الإسلامُ بتوجيهاتٍ كريمةٍ سمحة، وإرشاداتٍ مُباركةٍ سديدة، ليحققَ للإنسانِ المؤمنِ الحياةَ الطيبةَ الكريمة، ويكفلَ لهُ السعادةَ والراحةَ والطُمأنينة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97]، وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28].
وإنَّ مما يُؤسفُ له: أنَّ بعضَ المسلمينَ حين يبحثُ عن السعادة والمتعةِ ينزلقُ إلى دائرة الحرامِ والممنوع شرعاً، وحقيقةُ الإيمانِ الصادقِ -يا عباد الله-: تكمُنُ في قوة الاستجابةِ لأوامر اللهِ تعالى، وأوامرِ رسوله -ﷺ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[الأنفال: 24].
والمتأمِّلُ في نصوص القرآنِ والسنة، وأقوالِ السلفِ الصالح، لا يجدُ أدنى تردُدٍ في تحريم الأغاني والمعازفِ وآلاتِ اللهو، ففي صحيح البخاري: قال ﷺ: "ليكونَّن من أمتي أقوامٌ يستحلونَ الحِرَ والحرير، والخمرَ والمعازف"، وصحَّ عنه ﷺ أنه قال: "صوتانِ ملعونانِ في الدنيا والآخرة: مِزمارٌ عند نِعمة، ورنةٌ عند مُصيبة"، وعن عبد الله بن عباس ما قال: قال رسول الله -ﷺ-: "إن الله حرَّمَ عليكم الخمرَ والميسرَ والكُوبة"، والكُوبة هي الطبلةُ التي لها وجهان (والحديثُ صححهُ الألباني)، وصحَّ عنه ﷺ أنه قال: "يكونُ في أمتي قذفٌ ومسخٌ وخسفٌ" قيل: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: "إذا ظهرت المعازف، وكثرت القيان، وشُربت الخمور".
وفي تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[لقمان: 6] أقسم الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- فقال: "والله الذي لا إله إلا هو، إنَّ لهو الحديث هو الغناء"، وقال ابن حجر: "من حكى خلافاً في الغناء، فقد وهِم وغلط، وغلب عليه هواه، حتى أصمَّه وأعماه"، وقال ابن رجب: "وأما استماعُ آلات الملاهي المطربة المتلقاة من الأعاجم، فمحرَّم مجمعٌ على تحريمه، ولا يُعلمُ عن أحدٍ الرُّخصةُ في شيءٍ من ذلك، ومن نقلَ الرخصةَ فيهِ عن إمامٍ يُعتدُ به فقد كذبَ وافترى"، وقال الإمام أبو حنيفةَ "سماعُ الأغاني فِسقٌ، والتَّلذذُ به كفر"، وقال الإمام أحمد بن حنبل: "الغناءُ حرام؛ ينبتُ النفاقَ في القلب" .. وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "سماعُ الأغاني حرامٌ ومنكر، ومن أسباب أمراضِ القلوب، وقسوتها، وصدها عن ذكر الله"، وهكذا فتوى بقيةِ كبارِ العلماء، وقال العلامة الألباني: "العُلماءُ والفُقهاءُ، ومنهم الأئمةُ الأربعة، مُتفقونَ على تحريم آلاتِ الطربِ للأحاديث النبويةِ والآثارِ المروية".
فيا عباد الله: هذه نصوصُ القرآن والسنة مُجمعةٌ على تحريم الغِناء وآلاته، ومن بقيَ في نفسه شيءُ فليتأمَّل قصةَ الرجلِ الذي جاء لابن عباس -رضي الله عنما- ما يسألهُ عن حُكم الغناء، زاعماً أنهُ لم يجد دليلاً صريحاً يحرمه، فقال له ابن عباس: "أرأيتَ إذا كان يومُ القيامةِ وجاءَ الحقُّ والباطلُ، وجاءت الحسناتُ والسيئات؟ فأينَ يكونُ الغناء؟ فقالَ الرجلُ: يكونُ مع الباطلِ والسيئات، فقالَ ابن عباسٍ: اذهبَ فقد أفتيتَ نفسك".
وهذا الصحابي الكريمُ وابصةُ بن معبدٍ الأسدي، جاء إلى النبي -ﷺ - فقال له النبي -ﷺ - ادْنُ يا وابصةُ، قال فدنوتُ منهُ حتى مسَّتْ رُكبتي ركبتَهُ، فقال لي: "يا وابصةُ أُخبرُكَ ما جئتَ تسألُ عنه؟" قلتُ: يا رسولَ اللهِ أَخبِرني؟ قال: "جئتَ تسألُ عن البِرِّ والإثمِ"، قُلتُ: نعم، فجمعَ أصابعَهُ الثَّلاثَ، فجعلَ ينكُتُ بها في صدري، ويقولُ: "يا وابصةُ استَفْتِ قلبَك، البِرُّ ما اطمأنَّت إليه النفسُ، واطمأنَّ إليه القلبُ، والإثمُ ما حاكَ في القلبِ، وتردَّدَ في الصَّدرِ، وإن أفتاكَ الناسُ وأفتَوْك"(الحديث حسنهُ الإمام الألباني)، والمعنى: وإنْ قالوا لك: إنَّهُ حلالٌ ولا بأس فيه، فلا تأْخُذْ بقَوْلِهم؛ فالسلامةُ لا يعدلها شيء، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فسيبقى الحرام حراماً وإن فعله كل الناس، وإن أفتى به بعضُ العلماء.
ألا فاتقوا الله -عباد الله- وصونوا بيوتكم، واحموا أهاليكم وأبنائكم، وطهروا أسماعكم من مزامير الشيطان وآلاته: (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)[يونس: 32].
ويا ابن آدم: عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
اللهم صل...
التعليقات