عناصر الخطبة
1/السعادة والطمأنينة في تحكيم شرع الله 2/أثر غياب الحدود الشرعية على حياة المسلمين 3/بعض مقاصد الشريعة في الحدود 4/حد الحرابة وشرعيته وكيفيته 5/تحريم الشفاعة في حدود الله 6/التحذير من الأخذ ببعض الحدود والإعراض عن بعضهااهداف الخطبة
اقتباس
إن الله -جل وعلا- شرع القصاص والحدود والعقوبات على جرائم معينة محددة؛ لضمان سلامة أفراد المجتمع، ولضمان سعادتهم، ولبقاء علاقاتهم، على حد من الثقة والأمانة، ولولا ذلك ما باع أحدٌ ولا اشترى، وما سافر ضاعن ولا ارتحل، وما تحرك مقيم ولا سكن؛ لكن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا لله -تعالى- حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].
معاشر المؤمنين: تعلمون أن جميع بني البشرية يرغبون العيش في مجتمعات تملؤها السعادة والطمأنينة، والأمن والطمأنينة اللتان تُحَقِّقان السعادة لا يمكن أن تتحقق إلا بتحكيم كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ذلك المنهج الرباني الشامل الضامن لسعادة البشرية، الذي لا يطرأ عليه زيادة ولا نقص، ولا يمكن أن تتخلف حكمه في أي زمان أو مكان: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: 38].
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].
أيها الأحبة في الله: وسعادة البشرية حينما ترتبط بكتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وتطبيقها في شتى مجالات الحياة، ومن بينها وأهمها: مجال الأمن والأمان والطمأنينة، مجال الحدود والقصاص والمعاملات، فإن الله -جل وعلا- يوم أن شرع ذلك لم يشرعه عبثاً، وإنما شرعه لعباد هو الذي خلقهم، وهو أدرى بما يزجرهم، وهو أدرى بما ينفعهم، وجعل هذا أمراً مشروعاً، بل جعله من أعظم المنن عليهم، وجعل قيامهم به سبباً لرفاهيتهم ونعيمهم، وتدفق النعم عليهم من سائر الأنحاء والبلدان.
أيها الأحبة في الله: إن مجتمعاً تملؤه العقيدة ويعلم أفراده أن الجزاء في الدنيا, وبعده الجزاء في الآخرة، لكافٍ في أن يرتدع أفراده عن أن يعتدي بعضُهم على بعض.
إن مجتمعاً تملؤه العقيدة يعلم أفراده أن الخير لا يضيع، وأن البر لا يُنسى، وأن الحسنة بعشر أمثالها، وأن من عمل صالحاً فلنفسه، ويبارك الله له فيما عمل من الصالحات، ليتنافس أفراد هذا المجتمع، في المسابقة إلى الطاعات والخيرات، وبر بعضهم لبعض، ونفع بعضهم بعضاً، هذا يكون في مجتمعات العقيدة.
أما المجتمعات التي تحكمها القوانين الوضعية والأنظمة البشرية، فهي كما قال القائل:
كلما أنبت الزمانُ قناةً *** ركَّب المرء للقناة سناناً
لا يدع أفراد مجتمع تحكمه القوانين فرصة للاحتيال على الأنظمة أو التشريعات إلا وثبوا عليها، واستغلوها، وانتهزوها؛ لتحقيق مطامعهم ومآربهم، ولو كان في ذلك إزهاق الأرواح، وسفك الدماء، وإثارة القلق، وقلب الأمور إلى الفوضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نختصر هذا الكلام -أيها الإخوة- لنقول: إن الله -جل وعلا- شرع القصاص والحدود والعقوبات على جرائم معينة محددة؛ لضمان سلامة أفراد المجتمع، ولضمان سعادتهم، ولبقاء علاقاتهم على حد من الثقة والأمانة، ولولا ذلك ما باع أحدٌ ولا اشترى، وما سافر ضاعن ولا ارتحل، وما تحرك مقيم ولا سكن؛ لكن يوم أن يعلم الناس أن الله رقيب على العباد، وأن العباد يخشون الله فيما يفعلون، وبعد هذا شرع الله عقوبات لتردع كل ظالم، ولتخوف كل من تسول له نفسه، عند ذلك يطمئن أفراد المجتمع إلى هذا.
يقول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:178].
ويقول الله -جل وعلا-: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) [البقرة:179].
الله أكبر -يا عباد الله- تأملوا هذه الآية، جعل الله حياة الأرواح في القتل: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَـاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِـي الْأَلْبَـابِ) [البقرة:179].
وتقول العرب قبل ورود البعثة النبوية عليهم: "القتل أنفى للقتل".
فكلام الله أبلغ وأسمى وأجل: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:179].
نعم -أيها الأحبة في الله- إذا قُتل القاتل، قُطع دابرُ القتل، وإذا عوقب المعتدي قُطع دابرُ الإفساد، أما إذا تُرك الأمرُ على علاته، وأُطلق الحبلُ على غاربه، عند ذلك هذا يقتل، وهذا ينتقم، ثم يسري القتل كما تسري النار في الهشيم اليابس، ولا يبقى على الأرض مطمئن، ولا متلذذ بأمن أو دعة، ولذلك شرع الله القصاص، وجعله عقوبة للقتل في ألوان من الجرائم والعقوبات، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة، والثيب الزاني".
ويقول صلى الله عليه وسلم في جعل القتل عقوبة مشددة فوق العقوبة المشروعة في حد الزنا: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه".
والله -جل وعلا- قد شرع لولاة الأمر أن يجعلوا القتل من باب السياسة الشرعية لقطع دابر الفساد والمفسدين.
أيها الأحبة في الله: جاءت الشريعة لتحفظ المجتمع بضوابط معينة، وبعد ذلك وُجدت العقوبات لمن تعدى هذه الضوابط، جاءت الشريعة برجم الزاني المحصن، وبجلد الزاني البكر، بعد ماذا؟
بعد نهي النساء عن التبرج، وبعد أمر الناس بغض أبصارهم، وأمر النساء بغض أبصارهن، وبعد أمر البنات والنساء بالقرار في البيوت، فمن تعدى هذه الدائرة من القيم، ومن تعدى هذه الدائرة من التشريعات والمبادئ السامية، عند ذلك كانت العقوبات حداً واقفاً في نحره.
من هنا -أيها الأحبة- نعلم أن نعمة الله علينا في هذه البلاد عظيمة، يوم أن نرى السيف يجز رقبة القاتل، فيتدحرج رأسه أمام البشر، وتسيل الدماء من عروقه وبدنه، لكي يرتدع من تسول له نفسه القتل، ولكي يحمد الله من رأى ذلك على نعمة الأمن والطمأنينة.
إن من نعم الله أن نجد يد السارق معلقة مقطوعة ليراها الناس فيزدجروا، ويرتدعوا عن أخذ أموال الناس بالباطل، والاعتداء على حروز منازلهم وأموالهم، أو أخذها بالقتل، والنهب، والسرقة.
إنها لمن نعم الله أن نرى شارب الخمر يُجلد، لكي يرتدع عن التمادي فيها، حتى لا يجره ذلك إلى الوقوع في ألوان من الآثام والعقوبات.
إنها لمن نعم الله، أن يُرجم الزاني المحصن، وأن يُجلد الزاني البكر، فإنها لمن أعظم نعم الله التي نحمد الله عليها.
ووالله ثم والله ثم والله ما نعمتم بأمن في مجتمعكم إلا بتطبيق الشريعة، وعلى أهم جوانبها جانب الأمن والحدود والعقوبات، ولولا ذلك لعجز بعضكم أن يذهب بماله من المصرف إلى بيته، ولخشي بعضكم أن يخرج في هزيع الليل، ولخاف بعضكم أن يترك بابه مفتوحاً، ولو للحظة واحدة، ولكن يوم أن ثبت الله سلطان الشريعة، وهيبتها في القلوب على كثير من البشر، ارتدع كل ظالم عن ظلمه، أو من تسول له نفسه، وبقيت شرذمة فاجرة قليلة، لا تزال رجال الأمن تتعقبها بما حقق الله لهم من سلطان الكتاب والسنة، وبما أوجب عليهم من واجب حفظ الأمن في المجتمعات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعــد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، فإن أجسامكم على وهج النار لا تقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى.
اعلموا أن خيرَ الكلام كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة في الدين ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار -عياذاً بالله من ذلك-.
أيها الأحبة في الله: قد يقول قائل: إن الله -جل وعلا- شرع ألواناً من الحدود ردعاً لكثير من الجرائم، وهيأ ألواناً من العقوبات دفعاً لكثير من المصائب.
فالقتل بالقتل في القصاص.
والرجم والجلد في الزنا.
والجلد في قذف المحصنات، وقذف المؤمنين.
والجلد في شرب الخمور.
وكذلك القتل بأبشع طريقة في جوانب اللواط، وجريمة الشذوذ.
ولكن هناك ألوان من الجرائم تشيطن فيها طائفة من البشر، وتفننوا في الوقوع فيها، حتى لا يقعوا في تطبيق أركان الحدود عليهم، ويلتمس بعضهم في ذلك أن يُفلتوا من الحد إلى العقوبات التي هي دون الحدود.
نقول: اعلموا -أيها الإخوة- أن الله يوم أن شرع القصاص في القتل، وشرع الرجم، والجلد وكثيراً من العقوبات، إن الله -جل وعلا- شرع باباً عظيماً وبوابة كبيرة في ردع الفساد والمفسدين، ألا هو حد الحرابة، وباب السياسة الشرعية.
أما حد الحرابة، فهو الذي يدل عليه قول الله -جل وعلا-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33].
فمن عُرف منه الفسادُ والإفساد في أي لون من ألوان التخريب والتدمير، أو إثارة القلق وزعزعة أمن المجتمع، فإن الله جل وعلا قد شرع لولاة الأمر أن يوقعوا عقوبة تبدأ بغرامة الدينار، ثم إلى الجلد بالسوط، وتنتهي إلى قطع الرقبة، حتى لا يقال: إن مجتمعاً من المجتمعات قتل نفساً لم يرد في القرآن دليل على قتلها، بل إن دليل قتلها وإزهاقها إذا كانت مُفسدة، لفي محكم آيات القرآن الكريم، وأي شيء أبلغ من هذه الآية؟! أن يجعل الله حد الحرابة والقتل وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، لردع الفساد والمفسدين.
كذلك -أيها الإخوة- قد تقطع يد السارق في سرقةٍ من حرز، ولو كانت في مال يسير، فيقول قائل: وما بال من يسرق أموال المؤمنين؟! وما بال من يسرق أموال المسلمين؟!
نقول: إن الله -جل وعلا- قد شرع باباً واسعاً في السياسة الشرعية، لا يقف عند قطع اليد من الكوع، بل قد ينتهي إلى قطع اليد عند الكتف، أو إلى قتل النفس وإزهاقها بالكلية، حفاظاً على المجتمع، وقد قرر الفقهاء فيما مضى أن لولاة الأمر إذا رأوا الفساد منتشراً في مجتمع من المجتمعات أن يقتلوا ثلثي المجتمع إذا ضمنوا صلاح الثلث الباقي.
فيا عباد الله: اعلموا أن المجتمع إذا طُبقت فيه الشريعة، وسادت فيه الحدود والعقوبات الشرعية، فإن الله -جل وعلا- يحفظ رجاله وأبناءه، وجميع أفراده، أما إذا تساهل الناس أو تساهل ولاة الأمور، أو تساهل الحكام في تطبيق الشريعة، فإن ذلك يفتح باباً من الفساد وزعزعة الأمن والقلق والتخريب بقدر ما تُرك من تطبيق الحدود والعقوبات.
وهذا واضح، والميزان متناسب عكسياً، فمتى قل نصيب الأخذ بتطبيق الشريعة، زاد نصيب المجتمع من الجرائم والاعتداء والإفساد.
فهذا أمر واضح جلي.
نسأل الله -جل وعلا- أن يديم نعمة تطبيق الحدود، وأن يتمم نعمة تحكيم الشريعة على هذا المجتمع في شتى مجالاته، وألوان حياته.
أيها الأحبة في الله: وإن هذه الشريعة الربانية التي قررت هذا لتحذر من أن تدخل الشفاعات أو الواسطات أو الواجهات أو المحسوبيات في تطبيق الحدود والشريعة، وجعل ذلك من باب الخيانة العظمى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].
إذا جار الأمير وكاتباه *** وخانوا في الحكومة والقضاءِ
فويل ثم ويل ثم ويـلٌ *** لقاضي الأرض من قاضي السماءِ
يوم أن تدخل المحسوبية، أو الواسطة، أو الوجاهة، أو الشفاعة في حدود الله -جل وعلا- فإن ذلك نذير شؤم، ومؤشر بلاء على المجتمع.
سرقت امرأة من بني مخزوم وهي شريفة من شريفات قومها على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورُفع شأنها إلى النبي، فحكم صلى الله عليه وسلم بما شرع له ربه، وبما أنزل عليه في كتابه، أن تُقطع يدُ المرأة المخزومية الشريفة، أن تُقطع يدُ هذه المرأة عالية النسب في مجتمعها، فأهم قريشاً أمرها، وخاضوا في شأنها، وقالوا: من يحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمرها، فقالوا: لا نجد إلا حِب رسول الله وابن حِب رسول الله أسامة بن زيد بن حارثة، فجاء يكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأنها، فتمعَّر وجه النبي، واحمرَّت وجناته، وانتفخت أوداجُه، ثم قال: "أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟! أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟! أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟!" ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم- وخطب الناس، وقال بعد أن حمد الله، وأثنى عليه، وصلى على نبيه: "أيها الناس! إنما أهلكَ من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم القوي تركوه، وايم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعتُ يدها".
وحاشاها وهي الزهراء، وهي الحرم المصون، وحاشاها وهي الجانب الرفيع أن تسرق، ومع ذلك يعظم النبي -صلى الله عليه وسلم- شأن الشفاعة في الحدود: "والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعتُ يدها".
ومثل هذا وارد في زجر المؤمنين بأبلغ الخطاب.
الله -جل وعلا- يقول لنبيه: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر:65].
فهل يمكن أن يشرك الرسول؟! لكن لبيان خطر الشرك.
ويقول الله -جل وعلا-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب:32].
وهل تخضع زوجات النبي بالقول؟! حاشا وكلا؛ ولكن من باب تشديد الأمر، والتغليظ والزجر في بابه وشأنه.
فكذلك -يا عباد الله- حذارِ، حذارِ، من أن تشفعوا أو تتوسطوا أو تتدخلوا فيمن وجب عليه حكم الله بكتاب الله، تطبيقاً لشريعة الله.
إن من أعظم المصائب أن ترى رجلاً يشفع في شاب قد هرَّب المخدرات، أو ترى رجلاً يشفع في أحد أسرته، أو قبيلته -والله- لو كان فيه من الخير ما يسعد به مجتمعه وأمته ما شفع في حد من حدود الله، ولا توسط في تخريب قد يُراد به أمن المجتمع والأمة.
فيا عباد الله: إياكم والشفاعة في الحدود، إياكم والوساطة، واعلموا أن من قدم رجلاً وفي المسلمين من هو خير منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، فإن في ذلك خطر أن يُرَجَّع أو يُرَدَّ من وجبت عليه العقوبة، سواءً كانت حداً أو تعزيراً، وبهذا تستقر الأمور، وتثبت المجتمعات، وفي المراوغة في تطبيق الأحكام، وتطبيق بعضها وترك بعضها يقع الفساد, والله -جل وعلا- قد عاتب بني إسرائيل يوم أن قال: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ) [البقرة:85].
فمعاذ الله أن تكون خاتمة الأمة أو أن خاتمة المجتمع المسلم تنتهي إلى هذا! بل الرضا بالقضاء، بل الرضا بما شرع الله في كتابه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء:65].
أسأل الله -جل وعلا- أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يديم الأمن والطمأنينة على هذا المجتمع.
اللهم لك الحمد أولاً وآخراً على ما شرعت من إلقاء القبض، وهيأت من أسبابه على الطُّغْمة المفسدة الحاقدة، من أبناء الشيعة الرافضة، الذين أرادوا التفجير في بيتك الحرام، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد حمداً لا يتناهى، ملء السماء وملء الأرض.
اللهم لك الحمد كما يرضيك، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطان.
وإن المسلمين جميعاً ليهنئون ولاة الأمر ورجال الأمن على هذه النعمة، ويدعون لهم بالسداد والثبات والتوفيق، ويطلبون مزيداً من الضرب بأيدٍ من النار والحديد على من زاغ عن طريق الأمن وصراط الله المستقيم، فبهذا تنعم المجتمعات بالطمأنينة.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازِه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم من كان منهم محسناً فزد له في حسناته، ومن كان منهم مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، يا خير من تجاوز وعفا، ربنا عاملنا وعاملهم بعفوك، وما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله، إنك أنت أهل التقوى والمغفرة.
اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيِّماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك، يا أرحم الراحمين!.
اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم أحسن بطانته، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، واجمع اللهم شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وما يرضيك يا رب العالمين!.
اللهم لا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ولا تفرِّح علينا ولا عليهم عدواً.
وسخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، يا رب العالمين!.
اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن ختامنا، ويَمِّن كتابنا.
اللهم اجعل خير أيامنا يوم نلقاك، وخير أعمالنا خواتهما.
اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء.
اللهم انصر المجاهدين، واهلك المنافقين بينهم، اللهم اهلك المرجفين في صفوفهم، اللهم اهلك الشامتين بهم.
اللهم انصر المجاهدين، وأقم دولتهم، وثبت أقدامهم، ووحد صفهم، واجمع كلمتهم، وسدد رصاصهم برحمتك يا رب العالمين!.
اللهم رد المسجد الأقصى إلى أيدي المسلمين، اللهم عليك باليهود، أبناء القردة والخنازير، اللهم اجعلهم غنيمة المسلمين، اللهم اجعل الدائرة على رءوسهم، اللهم إنهم عاثوا في رقاب إخواننا، وفي أعراض أخواتنا، وفي أموالهم وبيوتهم وأطفالهم فساداً واستباحة وانتهاكاً، اللهم عجل صاعقة الهلاك عليهم، وأوقد أبواب الشر في بيوتهم يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين!.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك، يا رب العالمين!.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات