عناصر الخطبة
1/فضل الصيام والقيام 2/التوبة في رمضان 3/الاستغفار ومواطنه 4/الذكر والاستغفاراهداف الخطبة
اقتباس
أما نحن فقد أثقلتنا الأوزار، وارتكبنا الذنوب الكبار التي توجب النار، وكبلتنا خطايانا عن الطاعات، ودفعتنا إلى الزلات، وجلبت علينا الويلات، فماذا نصنع حتى نتدارك ما فات؟ ورمضان قد تهيّأ للرحيل فلم يبق منه إلا ليلة أو ليلتان. علينا -يا عباد الله- بالاعتراف بذنوبنا، وبالتوبة الصادقة النصوح، وبالتوجه إلى...
الخطبة الأولى:
إن الذين اتقوا وأحسنوا في هذا الشهر فصاموا عن الطعام والحرام، وقاموا بالليل والناس منهم نيام، ومنهم المكبّون على الشهوات كالأنعام، وهؤلاء الصالحون أطعموا الطعام، وألانوا الكلام، قد فازوا بالرحمة والإحسان، من الله ذي الجلال والإكرام، قال الله -تعالى-: (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف: 56].
وقال: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)[الأعراف: 156].
وقال: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60].
لقد أعدّ الله لهم عظيم الأجر، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، جزاء على إحسان العبادة للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، والحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله -تعالى-، رزقنا الله وإياكم لذة النظر إلى وجهه لمنّه وكرمه.
أما نحن فقد أثقلتنا الأوزار، وارتكبنا الذنوب الكبار التي توجب النار، وكبلتنا خطايانا عن الطاعات، ودفعتنا إلى الزلات، وجلبت علينا الويلات، فماذا نصنع حتى نتدارك ما فات؟ ورمضان قد تهيّأ للرحيل فلم يبق منه إلا ليلة أو ليلتان.
علينا -يا عباد الله- بالاعتراف بذنوبنا، وبالتوبة الصادقة النصوح، وبالتوجه إلى الله -تعالى- بالدعاء بالمغفرة والعتق من النار.
فاغفر لنا يا ربّنا وأعتقنا من النار، ألم تقل يا ربّنا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
ألم تقل يا ربنا: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ)[الرعد: 6].
يا رب عبدك قد أتاك *** وقد أساء وقد هفا
يكفيه منك حياؤه *** من سوء ما قد أسلفا
حمل الذنوب على الذنوب *** الموبقات وأسرفا
وقد استجار بذيل عفوك *** من عقابك ملحفا
رب اعف وعافه *** فلأنت أولى من عفا
وأما من استغفر بلسانه وقلبهُ على المعصية معقود، وهو عازم بعد الشهر إلى المعاصي أن يعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول عنه مسدود، كيف لا؟ وقد قابل نداء الله: "يا عبادي.." بالإعراض والصدود.
فكم بين من حظّه في رمضان القبول والغفران، ومن حظّه فيه الخيبة والخسران.
أيها المسلمون: إن الاستغفار هو ختام الأعمال كلّها، فيختم به في الصلاة كما في صحيح مسلم: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر الله، ثلاثا.
ويختم به في الحج، قال الله -تعالى-: (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[البقرة: 199].
بعد هذه الشعيرة العظيمة وهي الوقوف بعرفة والحج عرفة، ينطلق الحاج إلى مزدلفة وهو يستغفر الله -تعالى-.
ويختم به قيام الليل، يمدح الله -تعالى- عباده المتقين ويصفهم فيقول: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) [آل عمران: 17- 16].
وقال تعالى كذلك في وصفهم: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات: 18].
قال الحسن -رحمه الله-: "قاموا الليل إلى وقت السحر ثم جلسوا يستغفرون".
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يصلي من الليل، ثم يقول: يا نافع هل جاء السحر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح.
ويختم به كذلك في المجالس، فإن كانت ذكراً كان كالطابع لها، وإن كانت لغوا كان كفّارة لها.
وكذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار.
فمن أحب منكم أن يحطّ الله عنه الأوزار، ويعتقه من النار، فليكثر من الاستغفار بالليل والنهار، لا سيما في وقت الأسحار.
ومما يستحسن ختم هذا الشهر به أيضاً عتق الرقاب.
فقد كان أبو قلابة يعتق في آخر الشهر جارية حسناء مزينة يرجوا بعتقها العتق من النار.
وعتق الرقاب يوجب العتق من النار كما دل على ذلك الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن سعيد بن مرجانة صاحب علي ابن الحسن قال: قال أبو هريرة: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار".
قال سعيد من مرجانة: فانطلقت به إلى علي بن الحسين، فعمد علي بن الحسين -رضي الله عنهما- إلى عبد له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فأعتقه.
ومن فاته عتق الرقاق لانعدامها فليكثر من شهادة التوحيد فإنها تقوم مقام عتق الرقاب.
قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشرا كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل" [أخرجه البخاري].
وقال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل ممّا جاء به إلا أحدٌ عمِل أكثر من ذلك"[متفق عليه من حديث أبي هريرة].
واعلموا -عباد الله- أن الجمع بين شهادة التوحيد والاستغفار من أعظم أسباب المغفرة والنجاة من النار، وكشف الكربات قضاء الحاجات؛ لهذا جمع الله -تعالى- بينهما في قوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)[محمد: 19].
وفي قوله: (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87].
فأكثر -أخي المسلم- من طاعة الله لا سيما من قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
وأكثر من الاستغفار وغيرها من الأذكار والأعمال الصالحة قبل فوات هذه الفرصة العظيمة، فإنه إن لم يغفر لك في هذا الشهر فمتى يغفر لك؟
قال قتادة -رحمه الله-: "كان يقال: من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له فيما سواه".
غفر الله لنا ولكم في هذا الشهر العظيم، وجعلنا من عباده الصالحين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
لم ترد..
التعليقات