عناصر الخطبة
1/الاستقامة على الطاعة بعد رمضان 2/معنى الاستقامة على الطاعة 3/صيام الست من شوال 4/المداومة على العمل الصالح ولو قلاقتباس
والاسْتِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ لا تَعْنِي العِصْمَةَ مِنَ الذُّنُوب؛ فَكُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاء؛ وَلَكِنْ يُجْبَرُ ذَلِكَ بالاسْتِغْفَار...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ في السِرِّ والنَّجْوَى؛ فَأَهْلُ التَّقْوَى: هُمْ أَهْلُ البُشْرَى، (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:36-64].
عِبَادَ الله: هَا هُوَ شهرُ رمضانَ قَدْ اضْمَحَلَّ هِلَالُهُ، وَقُوِّضَتْ خِيَامُه؛ فَهَنِيْئًا لِمَنْ أَحْسَنَ فِيْهِ وَاسْتَقَامَ، وَدَاوَمَ الطَّاعَةَ على مَدَارِ العَامِ! قال تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُون) [المعارج: 23]، قال صلى الله عليه وسلم: “أَحَبُّ العَمَلِ إلى اللهِ ما دَاوَمَ عليه صَاحِبُهُ، وإنْ قَلَّ!”(أخرجه البخاري ومسلم).
وَمَنْ دَخَلَ في طَاعَةٍ وَقَطَعَهَا؛ فَفِعْلُهُ مَذْمُوْم، قال صلى الله عليه وسلم: “يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ؛ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ!”(رواه البخاري).
والاسْتِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ لا تَعْنِي العِصْمَةَ مِنَ الذُّنُوب؛ فَكُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاء؛ وَلَكِنْ يُجْبَرُ ذَلِكَ بالاسْتِغْفَار، قال عز وجل: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فُصِّلَتْ: 6].
وحَقِيقَةُ الاسْتِقَامَةِ: هُوَ السَّدَادُ فِي الأَعْمَالِ؛ كَالَّذِي يَرْمِي إِلَى هَدَفِه فَيُصِيبُهُ، فَإِنْ لَمْ يُصِب الهَدَفَ؛ فَلْيَقْتَرِبْ مِنْه! ومَعَ هَذَا؛ فَلَا يَرْكَنُ أَحَدٌ إِلَى عَمَلِهِ، قال صلى الله عليه وسلم: “سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ” قالوا: “وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟” قال: “وَلَا أَنَا! إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ”(رواه البخاري ومسلم).
وَلَيْسَ لِلْطَّاعَةِ زَمَنٌ مَحْدُوْدٌ؛ فَعِبَادَةُ اللهِ لَيْسَتْ مَقْصُوْرَةً عَلَى رَمَضَان، قَال الحَسَنُ: “إنَّ اللهَ لم يَجْعَلْ لِعَمَلِ المُؤْمِنِ أَجَلاً دُوْنَ المَوْتِ”.
وَمِنْ عَلامَةِ قَبُولِ الحَسَنَةِ: فِعْلُ الحَسَنَةِ بَعْدَهَا، فَأَتْبِعُوا الحَسَنَاتِ بِالحَسَنَاتِ؛ تَكُنْ عَلَامَةً على قَبُوْلِهَا، وأَتْبِعُوا السيئاتِ بِالحَسَنَاتِ؛ تَكُنْ كَفَّارَةً لها! (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيّئَاتِ ذلِكَ ذِكْرَى لِلذاكِرِينَ) [هود: 114]، ويقول صلى الله عليه وسلم: “اتَّقِ اللهَ حَيثُما كنتَ، وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا، وخالقِ النَّاسَ بخُلقٍ حسنٍ”.
وَمِنَ الحَسَنَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ بَعْدَ رَمَضَان؛ صِيَامُ سِتٍّ مِنْ شَوَّال؛ يقول صلى الله عليه وسلم: “مَنْ صَامَ رَمَضَان، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال؛ كانَ كِصَيامِ الدَّهْرِ!”(أخرجه مسلم).
وَصِيَامُ السِتِّ بَعْدَ رَمَضَان؛ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الفَرِيْضَةِ، فَهِيَ تَجْبُرُ مَا حَصَلَ في رَمَضَانَ مِنْ خَلَلٍ وَنَقْصٍ؛ فَإِنَّ الفَرَائِضَ تُكَمَّلُ بِالنَّوَافِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
وَمِن أَحْكَامِ صِيَامِ السِتِّ: أَنَّهُ يَجُوزُ صِيَامُهَا في أَوَّلِ شَوَّال أو وَسَطِهِ أو آخِرِهِ، مُتَتَابِعَةً أو مُتَفَرِّقَةً.
وَمَنْ عَليهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ؛ قَدَّمَ القَضَاءَ عَلى السِّتِ، ثُمَّ صَامَهَا بعدَ ذلك؛ لأَنَّ إبرَاءَ الذِّمةِ من الوَاجِبِ؛ أَولَى مِن فِعلِ المَندُوب.
فَاثْبُتُوْا عَلَى الطَّاعَةِ، وَوَاظِبُوا عَلَى العِبَادَةِ، وَاحْذَرُوا تَرْكَ الوَاجِبَاتِ، أَوْ فِعْلَ المُحَرَّمَات؛ فَرَبُّ رَمَضَان، هُوَ رَبُّ بَقِيَّةِ الأَزْمَان، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيْر) [هود:112].
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْدُ: المُدَاوَمَةُ على الفِعْلِ القَلِيْلِ، يَحْمِيْكَ مِنَ التَّخَلُّفِ الطَّوِيْل؛ فَالْعَبْدُ لا يَزَالُ في التَّقَدُّمِ أو التأَخُّرِ، وَلَا وُقُوفَ في الطَّرِيق الْبَتَّة، قال تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر: 37].
فَدَاوِمْ على الخَيْرِ وَلَوْ قَلِيْلاً، واحْذَرْ مِنْ الشَّرِّ وَلَوْ حَقِيْرًا (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7-8].
عِبَادَ اللهِ: لا تُوَدِّعُوا رَمَضَانَ بَلْ اصْطَحِبُوهُ مَعَكُمْ إلى بَاقِي العَامِ! فَالصَّوْمُ لا يَنْتَهِي، والقُرْآنُ لا يُهْجَر، وَالمَسْجِدُ لا يُتْرَك (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
اللَّهُمَّ كما أَكْمَلْتَ لَنَا شَهْرَ رَمَضَان، وأَعَنْتَنَا على الصِّيَامِ والقِيَامِ والقُرْآن، فَأَتْمِمْ نِعْمَتَكَ بِالقَبُولِ وَالغُفْرَان.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النَّحْلِ: 90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات