اقتباس
لا تحزن؛ فالعاقبة للمتقين، والنصر للمؤمنين، والخاتمة للصالحين، والعدوان على الظالمين.. لا تحزن؛ فالله لا يريد منك أن تكون رمزًا للنصر، أو حاملَ لوائه، بل يريد منك -وهو الأهم- أن تكون سببًا فيه، وعاملاً له بخطوات ثابتة مستقيمة.. لا تحزن؛ فلعل ما جرى أراد الله به أن يعلم المؤمن عدوه الحقيقي من صديقه، وخصمه من حليفه، حتى لا يبقى مغررًا بكل مَن ابتسم إليه، وجلس إليه، ولا يتبين له موقعه الفعلي إلا يوم الشدائد.
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الآمين وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
تزامنًا مع ما حدث في العاصمة صنعاء يوم الأحد الموافق 26/ 11 /1435هـ
تجري أقدار الله المؤلمة على عباده لترد على إثرها الملمات، وتظهر حينها النوازل المدلهمات، وتتسارع المستجدات، فيشتد زمنها الكرب، ويعظم وقتها الخطب، وينزل معها الحزن، ويصاحبها الغم، ويتلبس بالناس اليأس، وتبلغ القلوب الحناجر، ويظن البعض بربه الظنونا؛ لكن المسلم الحق المدرك لأركان إيمانه، البصير بطبيعة الحياة الدنيوية، الخبير بسنن ربه الكونية والشرعية، القارئ والمتصفح لأحوال وتاريخ الأنبياء قبله وسِيَر الصالحين سلفه؛ يجد في ذلك السعة، ويلمس فيها المخرج، ويأمل منها الفَرَج، ويلحظ بها النصر، وينتظر عندها بزوغ شمس الانفراج عن قرب، ويستكشف النتائج، ويرتقب العواقب.
نعم، نحون موقنون أن من بطون الشدائد نستقي الفوائد، ومن أرحام الفتن نستجلب المنن، ومن بواطن المحن نستخرج المِنَح، ومن كلوح الظلمة نجد الحكمة، ومن أوكار الكربة تأني الفرجة، وإنما النصر مع الصبر.
لعلي -أخي القارئ المبارك- أسوق إليك بعد هذه الأسطر ما يبعث فيك الأمل، ويقوّي عندك العزيمة، ويزرع فيك الرجاء، ويحي لديك الهمة، أشير إلى إضاءات سريعة وومضات عاجلة، ووقفات مختصرة؛ لتستنشق بعدها نسيمًا عليلاً، وتستقبل صبحًا جديدًا تتنفس بعده الصعداء.
أقول: أيها الكريم! لا تحزن مما حدث؛ فلعل ذنوبًا كانت سببًا فيه، وجرى عليها التطهير والنقاء. قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ...) [آل عمران: 165]، وقوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ...) [الشورى: 30].
لا تحزن؛ فلعل أناسًا تمنوا أن يكونوا في جوار ربهم فاستجاب لهم، وأحبهم أن يكونوا عنده شهداء فاصطفاهم إليه. قال سبحانه: (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ...) [آل عمران: 140].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى هو استكمال لموجبات العذاب والأخذ، واستحقاقه للظالم الباغي والمعتدي الطاغي. قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" (صحيح البخاري 4686)، وقال –صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم الله يعطي العبد ما يحب على ما يكره فإنما ذلك استدراج..." (رواه أحمد والطبراني وغيرهما).
لا تحزن؛ فلعل ما جرى هو جزاء التفريط في الاستعداد والتقاعس عن الأخذ بالأسباب الشرعية مسبقًا لمواجهة العدو المتربص والتهيؤ له. قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ...) [الأنفال: 60].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى هو إحياء للقضية، ونشر للحدث على مستوى واسع من الأرض، فربما هناك من لم يكن على علم بها. قصة الغلام الذي اشترط على الملك إن أراد قتله "أن يجمع الناس في صعيد واحد، ويقول: بسم الله رب الغلام..." (صحيح مسلم 3005).
لا تحزن؛ فلعل ما جرى تمحيص للصف، وتمايز للفريق، وغربلة للسواد. قال ربنا: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 141]، وقال –جل وعلا-: (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [الأنفال: 3].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى فيه تثبيت للقلوب المؤمنة، وتقوية لها، وتهيئتها لمعركة أطول ومواجهة أكبر، يكون فيها نصر مؤزر. قال جل وعلا: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا..) [التوبة: 26].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى هو لحفظ مستوى الغرور والعُجب الكامن في الصدور، ونشوة البقاء والتصدر الذي قد يعلق في نفوس البعض، مما قد يكون سببًا في ذهاب نصر، واستبعاد التمكين. قال تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ...) [التوبة: 25].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى زجر إلهي حتى يعتمد المؤمنون على الله وحده، ثم على من يربطهم بالإيمان والعقيدة لا الحزبية والشراكة غير الشرعية، ولا يركنون إليهم. قال عز وجل: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [هود: 113] وقوله: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا)[المائدة: 55] وقوله: (لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى فيه تذكير للمؤمنين بأن الاجتماع الشرعي قوة، والتفرق ضعف، وأن الوحدة نصر، والتفرق هزيمة، وأن يد الله مع الجماعة، وأن ما تكرهونه في الجماعة خير مما تحبونه في الفُرقة، وفي كل ذلك مطمع للعدو في البطش والتنكيل. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..) [آل عمران: 103]. وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا..) [الصف: 4].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى سببه أننا لم نتمسك بأسباب النصر الشرعية المادية والمعنوية والحسية. قال سبحانه: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40]، وقال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55].
لا تحزن؛ فلعل البعض لم يدرك أن التمسك بالدين يعني الاستعداد للابتلاء، والتعرض للفتن، ومواجهة المحن والبلاء. قال عز من قائل: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت: 2].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى هو تحذير رباني أنه لا ينبغي الاستخفاف بالعدو ولا التهوين منه؛ بل يجب أخذ الحيطة والتزام الحذر، وأن يكون المسلم على يقظة وانتباه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ..) [النساء: 71]، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تتمنوا لقاء العدو.." [صحيح البخاري 2965].
لا تحزن؛ فلعل الله يريد أن يرفع درجات المؤمنين الذين صبروا فيما أُوذوا واحتسبوا فيما ابتلوا به؛ (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 4] وقال سبحانه: (دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء: 96].
لا تحزن؛ فلعل الله يريد أن يكشف مدى تعلق العباد بربهم ورضاهم به، ويقينهم به، وتوكلهم عليهم، وثقتهم فيه. قال الحكيم الخبير: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ..) [آل عمران: 106].
لا تحزن؛ فلعل فيما جرى من انتصار العدو، وما صاحَب ذلك من نشوة وصَوْلة وبغي وتعدّ وارتفاع؛ حتى يكون السقوط أكبر، والنزول أعظم، والانزلاق أشد. قال جلا وعلا: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ..) [آل عمران: 196- 197]، و: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) [النمل: 51]، وقال تعالى: (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) [فاطر: 26].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى تنبيه للراقدين الغافلين من عباد الله الذين ركنوا إلى الدنيا، واطمأنوا بها وإليها، (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ..) [التوبة: 38] وقوله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].
لا تحزن؛ فدوام الحال من المحال، فالأيام دُول؛ يوم لك ويوم عليك، وعجلة الزمان تدور، والحرب سجال. قال الله: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..) [آل عمران: 140].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى أراد الله به أن يعلم المؤمن عدوه الحقيقي من صديقه، وخصمه من حليفه، حتى لا يبقى مغررًا بكل مَن ابتسم إليه، وجلس إليه، ولا يتبين له موقعه الفعلي إلا يوم الشدائد. قال الله: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء: 141].
ويتبين ذلك من قصة أبي خيثمة الذي تأخر عن غزوة العسرة، وغادر الجيش الإسلامي المدينة، فاستنكر على نفسه قعوده وعاتبها على صنيعه بقوله: "أأجلس بين زوجتي وفي الظلال والطعام والشراب ورسول الله وأصحابه في الحر والقتال لا والله لا يكون ذلك..." [صحيح مسلم 2769]، بخلاف المنافقين الذين قعدوا وكانت أعذارهم لا حجة فيها ولا قبول لها؛ إنما هي الدعة والخيانة.
لا تحزن؛ فإن كان للباطل صولة، فللحق جولة، وإن كان الباطل ينمو بشجرته؛ فإن الحق من تحته ينخر في عروقه. قال سبحانه: (وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ..) [الحج: 13- 14].
لا تحزن؛ فالله لا يريد منك أن تكون رمزًا للنصر أو حاملَ لوائه، بل يريد منك -وهو الأهم- أن تكون سببًا فيه، وعاملاً له بخطوات ثابتة مستقيمة. (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ..) [آل عمران: 120].
لا تحزن؛ فالعاقبة للمتقين، والنصر للمؤمنين، والخاتمة للصالحين، والعدوان على الظالمين. قال ربنا: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [يونس: 128]، وقال سبحانه: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء: 105].
لا تحزن؛ فلعل ما جرى هو لكسب شعبية أكبر، وجلب مؤيدين كثر ومتعاطفين غير، بخصوص مما جرى عليك من الظلم والبغي بغير الحق. كما في قصة الغلام السابقة الذكر.
لا تحزن، فهذه سُنته في الأولين من لدن الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم وحتى يرث الله الأرض، وهذه بشرى فبقدر اتبعاك سبيلهم واقتدائك بهم؛ ينالك ما نالهم من تلك السنن، وهكذا في النتائج، وبالتالي الغُنْم بالغُرم. قال الله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ..) [الفرقان: 31].
لا تحزن؛ فلعل الله –سبحانه- أراد مما قدره عليك إشارات يوقظ بها غيرك، وعِبَر ينقذ بها سواك؛ فيجعل منك عبرة وحكمة وموعظة، قال عز وجل: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ) [إبراهيم: 45]، وقال سبحانه: (وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) [هود: 89].
لا تحزن؛ فلعل الله –تعالى- يريد أن تتخلص الشخصية الإسلامية من التبعية للغرب وأذنابه في الداخل المسلم، وأن يتحرر العبد من القيود المفروضة عليه الملتوية على عنقه؛ ظنًّا منه أن الكرامة في ظلها، والحرية في كنفها. قال الله: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ..) [البقرة: 105].
لا تحزن؛ فلعل الله –سبحانه- يريد للمسلم الممتحَن أن يتخلص من أثقال الدنيا، والتحرر من مشاغل الحياة، وهموم الأسرة وأعباء العشيرة وتقاليدها وغير ذلك؛ لينطلق حرًّا في سماء الروح وفناء الآخرة، ليوظف حياته ويمعن فكره في سبيل ما خُلق له. قال عليه الصلاة والسلام: " مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ" (سنن الترمذي: 2465 وصححه الألباني).
لا تحزن، فحتى المنتصر الظالم والغالب الباغي جرى عليه الغُرم، وحصل له الألم ومسَّه القرح، فلست الوحيد من تألم أو غرم، إلا أن الفرق ما أخبر به ربنا في قوله: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا..) [آل عمران: 104] وقال سبحانه: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..) [آل عمران: 140].
وأخيرًا، بعد هذه الإطلالة السريعة والوقفات العاجلة، أرجو لأحبتي دينًا يبقى، وعقيدةً تدوم، ومجدًا يطول، وكرامة شامخة، وعِرْضًا مصانًا، وأملاً يعانق السماء، وثقةً تسامي النجوم، ويقينًا لا يزول، وثقة لا تهون، ورجاء لا يخيب، فلستم مع الله إلا منفذون لشرعه، فهو صاحب الدين وأنتم عباده، وهو من كلفكم، ولن يضيعكم، وليكن شعار كل واحد منا (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
التعليقات