عناصر الخطبة
1/في رمضان مسارعة ومسابقة للخيرات 2/لا وقت للتواني أو التكاسل 3/الصبر على الطاعات 4/نماذج من الخاسرين في شهر رمضان 5/نية الخير والعمل الصالح.اقتباس
كل شيء يُعوَّض إلا الجنة فإنه لا عِوَض عنها، وكل شيء يُستغنَى عنه إلا لذة النظر إلى وجه الكريم -جلَّ جلاله-... ما أتعس مَن لم يذق من حلاوة رمضان إلا شبع بطنه ومِلْء جيبه! ما أخسر من لم يجد وقتاً لمشاهدة الخزي والعار أو مسلسلات اللهو والتسلية إلا...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله الكريم الوهاب، الغفور التواب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70- 71].
هبّ الأريجُ وطابتِ النسماتُ *** بقدومِ شهرِ بدرُه البسماتُ
رمضانُ نعم الشهر في أيّامه *** من لم يتب هبّتْ له التوباتُ
هو في التزوّد والورود محطة *** للعبد تملأ زاده الحسناتُ
هو جنة علوية قدسية *** قد أزهرتْ في روضها البركاتُ
هو نفحة مسكية عبقت شذًى *** تسري بها في المسلمين صلاة ُ
ذكرى الألى فيه الفتوح تهللتْ *** بدرٌ وفتحٌ والتتارُ عُناة ُ
آمنتُ أنّ النصر عزّ قادمٌ *** رغم الجراح فأُمتي أشتاتُ
لا بدّ من يوم قريب ينجلي *** فيه الظلام وتمّحي العقباتُ
الخير ماضٍ عند أمّة أحمدٍ *** حتى تقوم لمجدنا مشكاة ُ
وليبشر الشهر الكريم بأننا *** بعد الإنابة للجليل هداة ُ
ساق الله إلينا عظاته، وعرّفنا بركة كماله، ونادانا بعظيم آياته للمسارعة والمسابقة لجناته؛ (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الحديد: 21]، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 133].
مسارعة ومسابقة ليس فيها وقت للتواني أو التكاسل، لم تُعدّ هذه الجنانُ لمن ضيّع الصلوات واتبع الشهوات أو تكاسل عن الطاعات، ولم تتزين لمن آذى المسلمين بلفظه وفعله، أو ظلم العباد بتكبره وتجبره، إنما (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)[الحديد: 21]؛ فضل من الله ونعمة (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد: 21].
هذا الفضل العظيم، والفوز المبين، والنعيم المقيم، تتفتح أبوابه في هذا الشهر الكريم؛ "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلّ لَيْلَةٍ".
يَنالُ هذه الجنةِ العالية من حزم أمره، وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فلن يدرك البطال منازل الأبطال، ولا تطلب السلعة الغالية بالثمن التافه.. والجنة حُفَّت بالمكاره.
لولا المشقة ساد الناس كلِهم *** الجود يفقر والإقدام قتال
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)[آل عمران: 142]؛ الصبر على الطاعات تُنال بها أعلى الجنات، والصبر عن المحرمات تقي لهيب النار.
كل شيء يُعوَّض إلا الجنة فإنه لا عِوَض عنها، وكل شيء يُستغنَى عنه إلا لذة النظر إلى وجه الكريم -جلَّ جلاله-، وكل شراب وزينة تَفْنَى إلا الشرب والورد على الحوض.
يا بئس مَن أعدَّ برامجه وخزيه لعرضها في رمضان، والجنان قد تفتّحت وتزينت لمن أعد الإحسان في رمضان.
ألا حسرة من هيَّأ لنهاره نوماً طويلاً، وملائكة الرحمن تطوف في الأرض تلتمس التالين للقرآن الذاكرين بالليل بالنهار لرفعها لذي الجلال والإكرام؛ "إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ"(أخرجه البخاري).
ما أتعس من لم يذق من حلاوة رمضان إلا شبع بطنه ومِلْء جيبه!
ما أخسر من لم يجد وقتاً لمشاهدة الخزي والعار أو مسلسلات اللهو والتسلية إلا في شهر الصلاة والقرآن؛ (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)[البقرة: 185].
ألا لا تحرمنّكم مناظر الخزي والعار عن النظر إلى وجه الجبار -جل جلاله-.
ألا لا تصدنّكم قنوات ومسرحيات عن ذِكْر الله وعن الصلاة.
المتقون يستنشقون ريح الجنة في أنسام الظمأ، ويستعذبون الرحيق في جوّ العبادة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183]، التقوى هي السر، جعلت ثلة من المؤمنين تستلذُّ بطولِ القراءةِ في التراويحِ والقيام.
هي التقوى التي أطلقت ألسنة الذاكرين بكثرة التلاوة وتعدد الختمات..
هي التقوى التي حجزت ألسنة وأسماعاً وأبصاراً عن الحرام، وعلقت أفئدة بالملك العلام.
ما صامَ مَنْ لم يَرْعَ حقَّ مجاورٍ *** وأُخُوَّةٍ وقرابةٍ وصحابِ
ما صامَ مَنْ أكَلَ اللحومَ بِغيبَةٍ *** أو قالَ شراً أو سَعَى لخرابِ
ما صامَ مَنْ أدَّى شهادةَ كاذبٍ *** وأَخَلَّ بالأَخلاقِ والآدابِ
كَمْ مِنْ صيامٍ ما جَنَى أصَحابُه *** غيرَ الظَّمأ والجوعِ والأتعابِ
ما كلُّ مَنْ تَرَك الطعامَ بصائمٍ *** وكذاك تاركُ شهوةٍ وشرابِ
فاتقوا الله ربكم، واغتنموا الأوقات فإنما هي أيامٌ معدودات، احفظوا أسماعكم وأبصاركم وقلوبكم يحفظ الله لكم دينكم ويثبت قلوبكم، ويجازيكم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربكم رحيم ودود.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم على خير خلقه وعلى أصحابه والتابعين.
أما بعد:
لما غَابَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللهُ قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ" (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الأحزاب: 23].
فهل من قائلٍ يقول: لئن أشهدني الله رمضان وبلّغني شهر الصيام ليرين الله ما أصنع؟ من حِفْظ للقرآن، ومساهمة في البذل والإحسان؟
وهل من قائلٍ: لئن أشهدني الله رمضان لأحافظن على تكبيرة الإحرام، ولأزاحمن للدنو من الإمام؟
وهل من قائلٍ يقول: لئن أشهدني الله رمضان لأنتهين من شرب الدخان ومجالسة ومتابعة أهل السفه والخسران؟
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَبِيهِ: أَوْصِنِي يَا أَبَتِ. فَقَالَ: "يَا بُنَيَّ انْوِ الْخَيْرَ؛ فَإِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا نَوَيْتَ الْخَيْرَ".
انوِ الخير بكثرة الختمات والركعات والسجدات وطيب الدعوات.. ويا خسارة من لم يرَ من رمضان إلا موسماً للتخفيضات؛ (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)[آل عمران: 145].
انوِ الخير، واصنع برنامجاً طيباً لأسرتك ولأهل بيتك تحفظ به أوقاتهم وتزيد من إيمانهم وتصدّهم عن برامج اللغو والسوء والفحشاء.
اللهم أعنَّا على ذِكْرك وشكرك وحسن عبادتك، ورزقنا الإخلاص في القول والعمل، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك.
اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا.
التعليقات