اقتباس
إن نجاح كل إنسان وتمدد تأثيره في الواقع مرهون بقدر استيفاء هذا المعنى الكبير في حياته أياً كان موقعه الذي يعيش فيه ! وكم من فكرة .تسللت إلى عقول كثيرين في وقت غفلة وكتبت حظها من التأثير دون شعور منهم في البداية بأثرها في واقعهم...
لم تكن أهمية ( الأفكار ) وأثرها في الواقع وليد اليوم، وإنما نشأت هذه الأهمية منذ خلق الإنسان. وفي قصة أبينا آدم والشيطان في الملكوت الأعلى ما يبين عن ذلك، وما زال إبليس يركّز على الفكرة كأداة تأثير حتى أتى منها في النهاية على مقصوده الكبير، قال الله: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى)، وكانت نهاية تلك الفكرة (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى).
وبهذا المعنى اليوم يسعى في العالمين وأتى على كثير من تلك الأمنيات التي يعيشها.
إن نجاح كل إنسان وتمدد تأثيره في الواقع مرهون بقدر استيفاء هذا المعنى الكبير في حياته أياً كان موقعه الذي يعيش فيه ! وكم من فكرة .تسللت إلى عقول كثيرين في وقت غفلة وكتبت حظها من التأثير دون شعور منهم في البداية بأثرها في واقعهم.
كل الأنبياء بعثوا إلى الخلق بالتوحيد (تعبيد الخلق للخالق ) وبذلوا له ومن أجله كل ما يملكون من أوقات وأموال وأفكار وجهود وفي النهايات أتوا منه على كل تلك الأحلام التي يريدون.
إن الفكرة التي أتحدث عنها في هذه المساحة هي الفكرة الحية التي تأتي على أهدافها وآثارها، وإن كلّفت زمناً ومالاً وجهداً في الواقع. وإذا أردنا أن تكون الفكرة حية مؤثّر فلا بد من أن تتحلّى بأربع صفات:
الأولى: أن تكون الفكرة التي يراد تعميها صحيحة المضمون، ويعرف ذلك من خلال علاقتها بالوحي وسيرها في فلكه، وكلما ائتلفت الفكرة مع مضمون الوحي كوّنت لها حياة وامتداداً في أفكار الناس وقلوبهم. والأفكار إنما تستمد قوتها وتأثيرها وحياتها من صدق مضمونها وصحته وتضامنه مع رسالة الوحي.
الثانية: أن يكون لذات الفكرة التي يراد تعميها في الواقع صلة بقدوة صاحبها حتى تكون من مروّجها بمثابة الشعار، وتكون الفكرة بمثابة الدثار. وكلما أمعنت الفكرة في حياة صاحبها وشربت من صدقه وأثره كلما أخذت تتوسّع في قلوب المتلقين لها، وتزيد مساحتها في الواقع الذي تعيش فيه. ولا أصدق على هذا المعنى من حياة رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، فلم تستطع قريش كلها طيلة فترة الدعوة أن تجد تناقضاً واحداً بين الدين الذي يحلمه والرسالة التي يقوم عليها، والفكرة التي يود أن يوصلها صلى الله عليه وسلم وبين القدوة التي يسير بها منهجاً في الحياة.
الثالثة: أن تكون الفكرة ذات صلة قوية بالواقع الذي تعيش فيه، فإذا ما كانت مناسبة للمكان كانت أكثر تلقياً، ومن ثم أصبحت أكثر عمقاً وأثراً.
إن الفكرة لا تكتسب عادة تأثيرها وحياتها بعد صحتها وصلتها بقدوة صاحبها إلا من صلتها بالواقع وملامستها له وتأثيرها فيه، وكم من فكرة رائعة المضمون أتت على واقع لا صلة لها به فماتت وهي في ريعان الشباب !.
إن الناس في العادة لا يتفاعلون إلا مع القضية التي تعيش واقعهم، وتأتي على مشكلاتهم، وتأتي منهم في النهاية على ذات الرؤى والأحلام والأحداث التي يعيشونها.
الرابعة: أن تكون متجددة الوسائل، فلا يكفي صحة المضمون في جريان الفكرة في أذهان الناس، وتعلقهم بها، وإنما تحتاج إلى وسائل تراعي مكان الفكرة، وزمانها، وواقع الناس الذي يعيشون في ذلك المكان والزمان. وتلبس في ذات الوقت ثوباً جديداً يأتي على أحسن صوره وأرقى معانيه ويتحدى كل الأفكار التي تشاركه في الواقع ليخطو أسرع منها ويصل قبلها إلى عقول الآخرين في كل مكان.
إن علينا أن ندرك أن الجولة اليوم هي (جولة الأفكار)، ورأس المال الحقيقي هو (المعرفة) وكل توسّع في الواقع منوط بهذا المعنى، والدعاة وحمّال الرسالة، وأصحاب المشاريع مكلفون بفقه هذا المعنى، والعمل على التخطيط والترتيب له بالقدر الذي يضمن لهم الخطو بدين الله تعالى إلى أكبر مساحة ممكنة في أرض الواقع. والله المستعان وعليه التكلان وهو المسؤول أولاً وآخرا.
التعليقات