عناصر الخطبة
1/ كيف تكون بيوتنا سعيدة؟ 2/ سُنَن نَبَوِيَّة فِي العلاقة مع الأهل 3/ ضرورة تحمُّل كلا الزوجين عيوب الآخر 4/ كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في أهله 5/ من الأخلاق الرائعة التي تجلب المودة بين الزوجين 6/ من أعظم أسباب صلاح البيوت.اهداف الخطبة
اقتباس
إِنَّ الْمَرْءَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ يَتَمَنَّى أَنْ يَعِيشَ حَيَاةً طَيِّبَةً هَادِئَةً بَعِيدَةً عَنِ الْمُنَغِّصَاتِ، وَفِي مَنْأَى عَنْ الْمُكَدِّرَاتِ، وَالْوَاقِعُ يُثْبِتُ أَنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ خَارِجَ الأُسْرَةِ، بَلْ لا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا دَاخِلَ الْبَيْتِ الْعَائِلِيِّ، وَلِذَلِكَ جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا الْكَامِلَةُ وَمِلَّتُنَا التَّامَّةُ بِالْعِنَايَةِ الْعَظِيمَةِ بِأَمْرِ الأُسْرَةِ، وَبِتَصْحِيحِ الْعَلَاقَةِ دَاخِلَ هَذَا الْبَيْتِ، الذِي هُوَ لَبِنَةُ الْمُجْتَمَعِ وَأَسَاسُ الأُمَّةِ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي لَمْ يَزَلْ فِي قَدْرِهِ عَلِيَّا، وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ لَهُ سَمِيَّا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْقَائِلُ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) [الرعد: 38]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَكْمَلُ النَّاسِ إِيمَاناً وَأَخْلَصُهُمْ قَصْداً وَنِيَّة، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَخْلَاقِ السَّامِيَةِ وَالصِّفَاتِ السَّنِيَّة، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمَرْءَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ يَتَمَنَّى أَنْ يَعِيشَ حَيَاةً طَيِّبَةً هَادِئَةً بَعِيدَةً عَنِ الْمُنَغِّصَاتِ، وَفِي مَنْأَى عَنْ الْمُكَدِّرَاتِ، وَالْوَاقِعُ يُثْبِتُ أَنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ خَارِجَ الأُسْرَةِ، بَلْ لا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا دَاخِلَ الْبَيْتِ الْعَائِلِيِّ، وَلِذَلِكَ جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا الْكَامِلَةُ وَمِلَّتُنَا التَّامَّةُ بِالْعِنَايَةِ الْعَظِيمَةِ بِأَمْرِ الأُسْرَةِ، وَبِتَصْحِيحِ الْعَلَاقَةِ دَاخِلَ هَذَا الْبَيْتِ، الذِي هُوَ لَبِنَةُ الْمُجْتَمَعِ وَأَسَاسُ الأُمَّةِ.
فَقَبْلَ الزَّوَاجِ أُمِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْتَارَ الزَّوْجَةَ التِي تَسْتَحِقُّ أَنْ تَكُونَ أُمَّاً لِأَوْلَادِهِ وَحُضْنَاً لِصِغَارِهِ وَهِيَ ذَاتَ الدِّينِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَلَاقَةَ مَعَ اللهِ هِيَ أَسَاسُ كُلِّ شَيْءٍ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَبَعْدَ الزَّوَاجِ هُنَاكَ سُنَنٌ نَبَوِيَّةٌ وَخُطُوَاتٌ مُحَمَّدِيَّةٌ فِي الْعَلَاقَةِ مَعَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْجَدِيدَةِ، فَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ مُجَرَّدَ مُتْعَةٍ جِنْسِيَّةٍ أَوْ عَلَاقَةٍ غَرَامِيَّةٍ سُرْعَانَ مَا تُذْهِبُ أَدْرَاجَ الرِّيَاحِ، وَيَطْوِيهَا الزَّمَنُ، ثُمَّ يَتَدَمَّرُ الْبَيْتُ الذِي بُنِيَ بَعِيدَاً عَنْ شَرْعِ اللهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَدْعُوَ الإِنْسَانُ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ يُقَابِلُ زَوْجَتَهُ فِيهَا , فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَقَضَاءِ الْوَطَرِ يَدْعُو أَيْضَاً، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
فَتَأَمَّلُوا فِي تَعَالِيمِ دِينِنَا وَآدَابِ شَرِيعَتِنَا، فَمَعَ إِتْيَانِ الإِنْسَانِ حَاجَةَ نَفْسِهِ وَسَدَّ رَغَبَاتِهِ إِلَّا أَنَّهُ دَائِمُ التَّعَلُّقِ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ تَعَالِيمِ شَرِيعَتِنَا أَنَّ الزَّوْجَ يَرْضَى بِزَوْجَتِهِ كَمَا هِي، وَلا يَطْلُبُ الْكَمَالَ، بَلْ لَوْ كَانَ فِيهَا عُيُوبٌ وَاضِحَةٌ يَتَحَمَّلُهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَهْمَا بَحَثَ فَلَنْ يَجِدَ امْرَأَةً سَالِمَةً مِنَ الْعُيُوبِ، كَمَا أَنَّهُ هُوَ تُوجَدُ فِيهِ عُيُوبٌ، فَيَتَحَمَّلُ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عُيُوبَ الآخَرِ لِتَدُومَ الْحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ وَتَبْقَى الْعَلَاقَةُ الأُسَرِيَّةُ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يُلَاطِفَ زَوْجَتَهُ، وَيُسْمِعَهَا الكَلَامَ اللَّطِيفَ حَتَّى أَمَامَ الأَوْلَادِ، وَهَذَا خُلُقٌ رَائِعٌ, وَلَكِنْ مَعَ الأَسَفِ رُبَّمَا يَسْتَنْكِفُ مِنْهُ بَعْضُنَا إِمَّا جَهْلَاً أَوْ خَوْفَاً مِنْ أَنْ تَسْقُطَ هَيْبَتُهُ وَتَضْعُفَ شَخْصِيَّتُه أَمَامَ الزَّوْجَةِ وَالأَوْلَادِ، مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْعَكْسِ، فَكَمْ مِنَ الأَثَرِ الْحَسَنِ سَوْفَ يَتْرُكُهُ هَذَا الْخُلقُ فِي نَفْسِ زَوْجَتِكَ وَنُفُوسِ أَوْلَادِه, وَسَيَسْعَدُونَ وَيَعِيشُونَ حَيَاةً مَلِيئَةً بِالأُنْسِ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْوِفَاقَ بَيْنَ أُمِّهِمْ وَأَبِيهِمْ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، قَالَتْ: فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ، فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: "هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
فَتَأَمَّلْ لَوْ خَرَجْتَ أَنْتَ وَعَائِلَتُكَ فِي نُزْهَةٍ ثُمَّ تَسَابَقْتَ مَعَ زَوْجَتِكَ أَمَامَ أَوْلَادِكَ، وَتَعَالَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَضَحِكَاتُهُمْ بِسَبَبِ الْأُنْسِ الذِي تَتْـرُكُهُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ مَعَ أُمِّهِمْ! وَكَمْ مِنَ الأَوْلَادِ ضَاعُوا وَانْحَرَفُوا بِسَبَبِ مَا يَرَوْنَهُ مِنْ سُوءِ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ أَبِيهِمْ وَأُمِّهُمْ!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الأَخْلَاقِ الرَّائِعَةِ التِي تَجْلِبُ الْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ: السَّلَامُ حِينَمَا تَدْخُلُ الْبَيْتَ، وَلْيَكُنْ سَلامُكَ وَصَوْتُكَ يَسْبِقُكَ إِلَى أَهْلِكَ، فَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ وُدُخُولِ الْجَنَّةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَمِنَ الْأَخْلَاقِ الْمَطْلُوبَةِ: أَنْ يَتَجَمَّلَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ وَيُظْهِرَ لَهَا مَا يُحَبِّبُهُ إِلَيْهَا، فعن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّهَا سُئِلَتْ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي".
فَلَيْسَ مِنْ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ أَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَآثَارِ الْعَرَقِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ يَشْتَغِلُ بَعْضَ الْأَعْمَالَ التِي تَتَسَبَّبُ فِي وُجُودِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، فَاحْرِصْ عَلَى الاغْتِسَالِ وَالتَّنَظُّفِ وَالتَّطَيُّبِ، وَلا سِيَّمَا عِنْدَ الْفِرَاشِ، فَكَمَا أَنَّكَ تُحِبُّ أَنْ تَشُمَّ مِنْ زَوْجَتِكَ رَائِحَةَ الطِّيبِ فَافْعَلْ ذَلِكَ مَعَهَا، فَلا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يَحُبُّ لِنَفْسِهِ.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَل َبُيُوتَنَا مُطْمَئِنَّةً وَأَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا وَزَوْجَاتِنَا وَأَهَالِينَا، أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَعَامِلُوا زَوْجَاتِكُمْ عَلَى هَدْيِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِتَحْيَوْا حَيَاةً تُرْضُونَ بِهَا رَبَّكُمْ وَتُسْعِدُوا بِهَا أَهْلَكُمْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ التِي يَنْبَغِي لِلزَّوْجِ أَنْ يُعَامِلَ بِهَا زَوْجَتَهُ: الإِحْسَانُ فِي النَّفَقَةِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ بِطَبِيعَتِهَا تُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتَلْبَسَ الثِّيَابَ الْحَسَنَةَ التِي تَتَجَمَّلُ بِهَا لِزَوْجِهَا وَلِمَنْ يَزُورُهَا مِنْ رَفيقَاتِهَا، فَيَنْبَغِي لِلزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيُعِطِيَهَا مَا تَشْتَرِي بِهِ مَا تُرِيدُ بِحَسَبِ حَالِ الزَّوْجِ، وَلا يَنْبَغِي أَنَّهُ إِذَا طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يَتَذَمَّرَ وَيُظْهِرَ الضَّجَرَ، وَرُبَّمَا أَسْمَعَهَا كَلِمَاتٍ نَابِيَةً، مَعَ أَنَّهُ فِي النِّهَايَةِ سَوْفَ يُعْطِيهَا غَالِبَاً، لَكِنَّ الشَّيْطَانَ يُثْقِلُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهَا بِصَدْرٍ رَحْبٍ وَخَاطِرٍ طَيِّبٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّكَ مَأْجُورٌ عَلَى مَا أَنْفَقْتَ عَلَى زَوْجتِكَ، فَعَنْ سعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رسولَ اللَّه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- قَالَ لَهُ: "وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجهَ اللَّه إلاَّ أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فيِّ امرأَتِكَ" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ). أَيْ: فَمِهَا مِنَ الطَّعَامِ.
وَعَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ، دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ: وَمِنَ الْأَخْلَاقِ الطَّيِّبَةِ مَعَ الزَّوْجَةِ: أَنْ يُحْسِنَ مُعَامَلَةَ أَهْلِهَا مِنْ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَإِخْوَانِهَا وَأَقَارِبِهَا، وَأَنْ لا يَذْكُرَهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَكَمَا أَنَّهُ يُحُبُّ مِنْ زَوْجَتِهِ أَنْ تَتَعَامَلَ مَعَ وَالِدَيْهِ وَأَقَارِبِهِ بِالْحُسْنَى فَهُوَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَامِلَهُمْ بِالْمِثْلِ، وَأَنْ لا يُسْمِعَهَا فِيهِمْ إِلَّا الْكَلَامَ الطَّيِّبَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قَالَتْ: "وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيَتَتَبَّعُ بِهَا صَدَائِقَ خَدِيجَةَ فَيُهْدِيهَا لَهُنَّ". (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِي".
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصِلُ صَدِيقَاتِ زَوْجَتِهِ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، فَكَيْفَ إِذَنْ بِأَهْلِ الزَّوْجَةِ، أَلَّا يَكُونُوا أَحَقَّ بِالْبِرِّ وَالْوُدِّ وَالصِّلَةِ؟!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَخْتِمُ الْكَلَامَ عَلَى مَوْضُوعِنَا باِلتَّذْكِيرِ بِالدُّعَاءِ الذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ صَلَاحِ الْبُيُوتِ، وَقَدْ عَدَّهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُصْلِحَ بُيُوتَنَا وَزوَجْاَتِناَ وَأَوْلَادَنَا مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اَللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
التعليقات