عناصر الخطبة
1/ حال المرأةِ قبل الإسلام 2/ تنوع أساليبُ ظُلمِ الرجال للمرأة في الجاهلية 3/ تكريم الإسلام للمرأة 4/ من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة.اهداف الخطبة
اقتباس
إنّ الْمُتَتَبِّعَ والمُتابعَ لقضايا المرأة بهذا الزمن لَيرى بعين البصر والبصيرة أن المرأة مُستهدفة، مستهدفة بجرّها إلى مثل حال أخواتها في البلدان التي استجابت لنداءات أبالسةِ دعاةِ حرية المرأة بمشاريعهم التخريبية، والذي تطل علينا تحتَ صُوَرٍ وأشكالٍ عدة؛ عبر وسائلِ الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي لتكونَ حرةً في دينها حرةً في سفورها حرة في عرضها حرة في حياتها الخاصة والعامة؛ لأنَّ حقوقَها مهضومة, وإرادتَها مسلوبة وحياتها مكبوتة!...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إنَّ المُتأملَ لحال المرأةِ قبل بُزوغ شمسِ هذا الدين العظيم يرى العجب! فحقوقُ المرأة في الجاهلية منتهكةٌ ومهضومةٌ تعيش في ظُلمة الجهلِ وقهر الرجالِ بعاداتِهُمُ الجاهليةِ الذين يكرهون البنات، ويدفُنونَهُنَّ في التراب أحياء خشيةِ العار، وقد أنكر الإسلامُ هذه العادةَ، وصورها القرآنُ في أبشع صورة، فقال عن العرب في الجاهلية: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل: 58- 59] وقد بالغ الله -سبحانه وتعالى- في الإنكار عليهم في دفن البنات، فقال: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) [التكوير: 8- 9].
ثم تنوعت أساليبُ ظُلمِ الرجال للمرأة؛ فلم يَكُن للمرأة حقُّ الإرث، وكانوا يقولونَ في ذلك: لا يرثُنا إلا من يحمل السيف، ويحمي البيضةَ، ولم يكن للمرأة على زوجها في الجاهلية أيُّ حقٍ، وليس للطلاق عددٌ محدود، ولا لتعدد الزوجات عدد معين، وكانوا إذا مات الرجل، وله زوجة وأولاد من غيرها، كان الولدُ الأكبر أحقَّ بزوجة أبيه من غيره، فهو يعتبرها إرثًا كبقية أموال أبيه! يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كان الرجل إذا مات أبوه، أو حموه، فهو أحق بامرأته إن شاء أمسكها، أو يحبسها حتى تفتدي بصداقها، أو تموت فيذهب بمالها".
وقد كانت العدة في الجاهلية حولاً كاملاً، وكانت المرأة تَحُدُّ على زوجها شرّ حِدادٍ وأقبحَهُ، فتلبس شرَّ ملابسِها، وتسكنُ شرَّ الغرف، وتترك الزينة والتطيب والطهارة، فلا تمس ماء، ولا تقلم ظفرًا، ولا تزيل شعرًا، ولا تبدو للناس في مجتمعهم، فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر، وأنتن رائحة.
كان العرب في الجاهلية يُكرهون إماءهم على الزنا، ويأخذون أجورهم: حتى نزل قول الله تعالى: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [النور: 33].
وكان عند العرب في الجاهلية أنواعٌ من الزواج الفاسد الذي كان يوجد عند كثير من الشعوب، ولا يزال بعضه إلى اليوم في البلاد الهمجية، والتي منها اشتراك الرهط من الرجال في الدخول على امرأة واحدة، وإعطائها حق الولد تلحقه بمن شاءت منهم، ومنها نكاح الاستبضاع، وهو أن يأخذ الرجل لزوجه أن تمكن من نفسها رجلاً معينًا من الرؤساء المتصفين بالشجاعة، ليكون لها ولد مثله!
ومنها نكاح المتعة وهو المؤقت الذي يزاوله الرافضة؛ والذي استقر أمر الشريعة على تحريمه، ومنها نكاح الشِّغَارُ وهو أن يُزوج الرجل بنته، أو أخته، أو مَن هي تحت ولايته على أن يُزوجه أخرى بغير مهر، صداقُ كل واحدة بُضعُ الأخرى، إلى غير ذلك.
يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "كنا في الجاهلية لا نعُدّ النساء شيئًا، فلما جاء الإسلام، وذكرهُنَّ اللهُ رأينا لهن بذلك علينا حقًّا" (رواه البخاري).
ثم جاء الإسلام يا عباد الله ورفع من شأن المرأة، وقرَّر حقيقةً تزيلُ هذا الظلمَ عنها فجعلها قسيمة الرجل لها ما له من الحقوق، وعليها أيضًا من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها؛ بل سواها بالرجل في أهلية الوجوب والأداء، وأثبت لها حقها في التصرف، ومباشرة جميع الحقوق كحق البيع، وحق الشراء، وغيرها.
ومن مظاهر تكريم الله للمرأة أن ذكرها بجانب الرجل، فقال الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35].
ومنْ مظاهرِ التكريم أنْ جعلها مربيةُ الأجيال، وربط صلاح المجتمع بصلاحها، وخصص لها سورة من القرآن سماها «سورة النساء» إلى غير ذلك من أنواع تكريم الإسلام للمرأة والذي لا يسمح الوقت باستعراضها.
فاتقوا الله عباد الله، واحمدوا الله على نعمة الإسلام، وسلوا الله الثبات عليه، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إنّ الْمُتَتَبِّعَ والمُتابعَ لقضايا المرأة بهذا الزمن لَيرى بعين البصر والبصيرة أن المرأة مُستهدفة، مستهدفة بجرّها إلى مثل حال أخواتها في البلدان التي استجابت لنداءات أبالسةِ دعاةِ حرية المرأة بمشاريعهم التخريبية، والذي تطل علينا تحتَ صُوَرٍ وأشكالٍ عدة؛ عبر وسائلِ الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي لتكونَ حرةً في دينها حرةً في سفورها حرة في عرضها حرة في حياتها الخاصة والعامة؛ لأنَّ حقوقَها مهضومة, وإرادتَها مسلوبة وحياتها مكبوتة!
فهم يسعون لإفساد المرأة بكل وسيلة، وبأي طريقة، والإسلام جعل المرأة حرة عفيفة متدينة طاهرة شريفة، وعندما بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النساء على أن لا يشركن بالله شيئًا، ولا يسرقن ولا يزنين، فقالت هند بنت عتبة: "أو تزني الحرة"؟!
فسؤالها يدل على كرامة وعفة وطهارة وشرف المرأة، ولكن لو كانت هند في عصرنا هذا فماذا ستقول! وهي ترى بعضًا من الحرائر اليوم يُنادِينَ بِحُريتهِنَّ وانسلاخِهِنَّ من دينهن وطُهرهن وعفتهنَّ.
فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على كرامة نسائكم وبناتكم، وحذارِ من الالتفات إلى تلك المشاريع التخريبية والدعوات المضللة، وكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" (رَوَاهُ مُسْلِم).
التعليقات