عناصر الخطبة
1/مقياس قيمة المرء 2/من نماذج الإيجابيين 3/دعوة للإيجابية في أوقات الأزماتاقتباس
حفاظاً على عقيدةِ الأمةِ المسلمةِ وفكرها لم يترك الشرعُ الناسَ يتخبطون في أوديةِ الضلالة بل بين لهم المصادرَ الأصيلة والتي منها يبنون معتقدهم ويُكوِّنون منها...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمد لله الذي أنشأ خلقه وبرا.. الحمد لله الذي خلق الخلق بقدرته، وصرف أمورهم بحكمته.. الحمد لله الذي ذلت لعظمته الرقاب، ولانت لقوته الصعاب وجرى بأمره السحاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تسبح لعظمته البحار الزاخرات والأنهار الجاريات والجبال الراسيات، وتخضع لعبوديته جميع الكائنات.
يا من إذا وقف المسيء ببابه *** ستر القبيح وجاد بالإحسان
أصبحت ضيف الله في دار الرضا *** وعلى الكريم كرامة الضيفان
تعفوا الملوكُ حين النزول بساحتهم *** فكيف النزول بساحة الرحمن
وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله النعمة المهداة والرحمة المسداة والسراج المنير صاحب الحوض والشفاعة ولا يدخل الجنة إلا من أطاعه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين له إلى يوم القيامة أما بعد:
عباد الله: لقد اقتضت حكمة الله في خلقه أن قيمة المرء عند الله وعند الناس لا تقاس بطول الأعمار ولا بكثرة الأموال والأولاد والأتباع ولا تقاس قيمة المرء بما يأكل أو يلبس أو يركب أو بما يمتلك من دور وقصور وحدائق وأنهار، إنما تقاس بما يقدم من مواقف إيجابية وإنجازات ومنافع وعطاءات تعود على مجتمعه وأمته بالخير والصلاح.
تقاس قيمة المرء بمقدار ما يحمل من مبادئ وقيم سامية تستقيم بها الحياة وبها تحل السعادة على الفرد والمجتمع والأمة؛ فقيمة المرء أن لا يعيش لنفسه وحسب، بل يعيش من أجل الآخرين أيضاً، فيساعد ويبذل ويضحي وينصح ويشارك في حمل الهموم وتفريج الكروب ودفع الخطوب عن الآخرين من حوله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، قال تعالى وهو يصف هؤلاء (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء:90]، وقال تعالى على لسان عيسى بن مريم عليه السلام: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً)[مريم:31] قال المفسرون: "أي جعلني نفاعاً حيث ما اتجهت فما دام فيه الحياة وفيه الروح يجب أن يكون نفاعا".
لذلك خلد القرآن العظماء والمؤثرين في الحياة فقال تعالى داعياً إلى الاقتداء بهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)[الأنعام:90]، وقال تعالى عن مؤمن آل فرعون (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)[غافر:28].
وذكر الله ذلك الرجل الإيجابي والذي جاء من أقصى المدينة يسعى لينصح قومه ويدلهم على الخير ولم يذكر أسمه، ولم يخلد إلى السلبية والتسويف ولم يزين لنفسه القعود وعدم المشاركة في الخير ولو بكلمة: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)[يس:20]، وقال تعالى عن أصحاب الكهف (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً)[الكهف:13]، تركوا الدور والقصور بسبب كفر أهلها وشركهم وفروا حفاظاً على دينهم، ولم يستسلموا للواقع المرير.
وضرب الله المثل بامرأتين عظيمتين لتكونا قدوة للمؤمنين والمؤمنات (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)[التحريم:11-12].
وأثنى -سبحانه وتعالى- على محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بما حملوا من خير في نفوسهم وقدموا من إنجازات قال تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[الفتح:29].
أيها المؤمنون عباد الله: إن هدهد نبي الله سليمان -عليه السلام- ذلك الطائر الضعيف لم يذكر ولم يخلد ذكره في كتاب الله إلا لأنه إيجابياً، فأمر بمعروف ونهى عن منكر وغضب لله وساءه أن يجد أمة من الناس يعبدون غير الله ويسجدون لمخلوق مثلهم قال تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ * لأعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)[النمل:20-26]. فكان عمله هذا سبباً في هدايتهم وتحول حياتهم فخلد الله ذكره في القرآن إلى قيام الساعة.
ونملة سليمان -عليه السلام- عندما قامت تنادى في بني جنسها محذرة لهم من خطر داهم، كانت في قمة الإيجابية مع أنه وحيدة ولم تقل ماذا افعل لوحدي، قال الله تعالى: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ...)[النمل:17-19].
إن الذي يتحرك لعمل شيء إيجابي في حياته أو حياة الناس من حوله أو يكون داعياً إلى الخير آمراً بمعروف وناهياً عن المنكر هو إنسان ذا قيمة عند الله وهو الذي يكتب له التوفيق والسداد وهو الذي ينجيه -عز وجل- من سوء العذاب، وفي قصة أصحاب السبت لعبرة، إذ نجى الله الفئة القليلة الآمرة بالمعروف المحافظة على الخير وأهلك الفئة الآمرة بالمنكر ومن سكت ورضي بفعلهم ولم يتمعر وجهه غضباً لله، قال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)[الأعراف:163-165].
عباد الله: إن المسلم الحق ليعمل العمل وإن كان يسيراً يبتغي به وجه الله فينفع نفسه ومجتمعه وأمته فيكتب له القبول ويحبه الناس وترفع درجته عند الله ويعيش في سعادة وراحةٍ لا تقدر بثمن؛ لأنه أدى ما عليه وأنفق من وقته وجهده وماله لخدمة دينه ومجتمعه وأمته.. هذا جعفر ابن أبي طالب كان إيجابياً طوال حياة، من العظماء خلد التاريخ ذكره فقد قضي ما يقارب من إحدى عشرة سنةً في المنفى في دار الغربة والبعد عن الصاحب والصديق والقريب والأرض والوطن هناك في الحبشة مهاجراً بدينه وداعياً إليه وفي السنةِ السابعةِ للهجرة عاد والمسلمون يفتحون خيبر وغنموا المال والطعام والسلاح ففرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدومه حتى قال: "لا أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر".. ولكن بما كافأه النبيُ -صلى الله عليه وسلم- فقد أعطى للدين عشر سنواتً من الغربة واللوعة والأسا،.. هل أصدر مرسوما كريما بتعيينه أميرا على البلدة الفلانية؟ أم أصدر أمره السامي بتعيين مخصصات ماليه لجعفر وأسرته أم اصدر أوامره بأن يمنح جعفر إجازة لبقية العمر فقد قدم ما عليه، وأداء للدين ما يكفي تقديمه وأداءه؟ كلا! فلقد كافأه مكافأة من نوع آخر. وذلك بأن أتاح له الفرصةً مرة أخرى ليعمل للدين ويقدم للدين وينفع المسلمين فعينه نائباً لزيد بن حارثة قائد جيش المسلمين في مؤته لمواجهة الروم فيذهب حفيا بهذا المنصب، فرحا بفرصة المشاركة بعمل ينفع الله به الإسلام والمسلمين.. ويحدث له هناك العجب! يقتل القائد الأعلى زيد ابن حارثة فتتحول المسؤولية إليه، فيتقدم والراية في يمناه، ينشد نشيد الداخل في الجنة:
يا حبذا الجنة واقترابها *** طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنى عذابها *** علي إن لاقيتها ضرابها
فيستشهد في أرض المعركة يصف لنا عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهما- كما في صحيح البخاري مشهد تلك الجثة المعطرة وذلك الإهاب الممزق فيقول: "وقفت على جعفر يوم مؤتة وإن في جسده لبضعا تسعين ضربةً ليسَ بها واحدةُ في قفاه"، فحزن رسول الله عليه حزناً شديداً وبكى الصحابة وخيم الحزن على مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يكن في الحياة إنسان عادي بل كان رجل وكان بطل وكان قائداَ محنكاً وصاحب بصمة وأثر في الحياة ولم يعش لنفسه ولا لمصلحته الشخصية.
إن المسلم ليستطيع أن يكون إيجابياً وذا قيمة وتسعد الحياة بوجوده مهما كانت قدراته وإمكانياته إذا أراد ذلك، وقدم ما يستطيع، وكان صادقا مع من حوله مخلصا لقيمه نافعاً لمجتمعه في أي باب من أبوب الخير أو العلم أو المعاملة والأخلاق والسلوك أو الإصلاح بين الناس، وكم هي مجتمعاتنا وأوطاننا وأمتنا بحاجة إلى كل عمل إيجابي ينهض بعزها ويرفع مجدها من جديد وتعود يقيمها ومبادئها مصدر لسعادة البشرية جمعاً وطوق لنجاة للأمم والشعوب والدول، وأملاً للمقهورين والمظلومين والمضطهدين، فاللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذي اصطفى أما بعد:
عباد الله: إن حركة الحياة لا تتوقف وإن الأيام لتمر وتذهب معها سنوات العمر، والإنسان منا في رحلة إلى الدار الآخرة؛ فبأي عمل سنلقى الله؟ وماذا أنجزنا في هذه الحياة؟ وماذا قدمنا من أعمال ترفع درجاتنا عند الله وتكون سبباً في العتق من النار والفوز بالجنة قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة:281].
فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وقدموا المعروف وانشروا الحب والخير والتسامح في مجتمعكم واحيوا في قلوبكم سنن الهدى من الأعمال والأقوال واحذروا سوء الأعمال وفساد النية قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْئًا".
أيها المؤمنون عباد الله: إن كثرت الفتن وحلول المصائب وحدوث الصراعات واختلاف الناس وتجرؤ بعضهم على بعض وذهاب المعروف والخير من حياة الناس ليدفع بالمسلم لأن يكون ذا قيمة في الحياة ويساهم بما يستطيع، ويقوم بعمل إيجابي يكون سبباً في نشر الخير وإحقاق الحق وتآلف القلوب وتراحم الناس فيما بينهم وإصلاح ذات البين فتحفظ الدماء والأموال والأعراض وتتنزل رحمة الله وعنايته ولطفه على الأمة والمجتمع.. فإذا لم يكن كذلك فليحذر أن يكون عمله أو قوله سبب في ترويع مسلم أو سفك دمه أو أخذ ماله وهتك عرضه.
فكونوا -رحمكم الله- مفاتيح للخيرات، مغاليق للشرور والآفات قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه".
عباد الله: إن الفرق شاسع والبون عظيم بين الإنسان الإيجابي والإنسان السلبي، كالفرق بين الليل والنهار والجماد والكائن الحي، وكالفرق بين الوجود والعدم، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[النحل:76] لقد سمى الله السلبي في هذه الآية " كّلاً" والإيجابي ب " يأمر بالعدل".. "كلّ" أصعب من سلبي؛ لأن سلبي معناها غير فعال أما كلّ فمعناها الثقيل الكسول وقبل هذا فهو "أبكم" لا يتكلم ولا يرتفع له صوت.
مِن هنا نُعرِّف الرجل الإيجابيَّ بأنه رجل لا يهدأ له بال، ولا تَنطفِئ له جَذوة، ولا يكلُّ ولا يملُّ؛ حتى يُحقِّق هدفه الذي يَسعى إليه وغايتَه المنشودة.
فكن إيجابياً في تدينك وفي أخلاقك وفي معاملاتك وفي دراستك وتربية لأهلك وأولادك، كن إيجابياً، وقدم النفع لمن حولك، كن إيجابياً واعمل خيرا أو قل خيراً أو دل على خير ولو يسير، كن مشعل هداية وأمن وأمان لمن حولك، تطول حياتك ويرضى عن ربك وتسعد في دنياك وآخرتك.
اللهم ارحمنا رحمة تهدي بها قلوبنا وتصلح بها أحوالنا وتسدد بها اعمالنا، هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ... وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ:90]؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات